|  آخر تحديث أكتوبر 3, 2017 , 13:58 م

#بدر_صالح_الدوسري | يكتب: “ذكريات نيويورك”


#بدر_صالح_الدوسري | يكتب: “ذكريات نيويورك”



لكل مرحلة من حياة الإنسان ذكريات منها الجميل ومنها المؤلم وهذه سنة الحياة، أيام تتمنى أن تتوقف من روعة ومتعة الأحداث التي بها وأيام تتمنى انها لم تحدث في حياتك او ان تنسها.

ولكن عندما تكون في ولاية مثل نيويورك وبها طلاب وأُناس من جميع أنحاء العالم بمختلف الثقافات والأديان تتوقع أن تواجه صعوبة في التعامل معهم وفهم طرق تفكيرهم ،إلا أن الخمس سنوات التي عشتها طالباً في جزيرة لونق إيلند ونيويورك ستي أثبتت لي عكس ما توقعت، فكنت عند كل تعارف وحديث مع زملائي في الجامعة أَجِد كل الود والاحترام. كنا نتعرف على ثقافات بَعضنَا البعض بكل اهتمام واحترام متبادل، وعندما كنا نناقش كيفية التعامل مع المتغيرات في مقرر إدارة الأعمال كنا نكتسب معارف ثرية من خلال وجهات النظر المختلفة، فزميلي الفرنسي له وجهة نظر مختلفه عن زميلي الهندي، وكذلك عن زميلتنا الكندية، وعن الدكتور القادم من أمريكا الجنوبية، كان الذوق الرفيع والأسلوب الراقي في التعامل هو السائد في جميع المناقشات والحوارات.

 

كنا نجد في كل مرة نقدم فيها ورقة عمل او مشروع الاهتمام الكبير من الدكتور، فقد كان يولي كل الإهتمام لمشاريعنا، وكان يقرأ بكل تمعن ثم يبدأ بالثناء على الجهد المبذول وجودة المشروع، ويوضح لنا النقاط والتحليلات التي أعجب بها، وبعد ذلك يفتح على ورقة ملاحظاته ويسأل هل اطلعت على المرجع الفلاني؟ أنصحك بالإطلاع عليه، وفكر في إعادة صياغة تلك الفقرة، والاهتمام بالتفاصيل أكثر في الجزئية الفلانية. كان الدكتور يوصل رسالة فيها الكثير من الاحترام للطالب بأن البحث تشوبه بعض الأخطاء، ولكن من دون الحاجة إلى احراج الطالب، وهذا الأسلوب جعلنا نعمل بشغف أكبر وبذل الجهد في قراءة أوسع وتحليل أعمق.

وعندما ينتهي اليوم الدراسي أذهب لشقتي لأَجِد الترحاب والابتسامات من قبل الجيران بمختلف الأصول والدينات، مما يخفف عني تعب اليوم الدراسي الطويل.

ولتغيير أجواء الدراسة أذهب في الغالب بالقطار من مدينة نيويورك الى مقاطعة مانهاتن والتي تبعد ما يقارب 50 دقيقة، ولا أستطيع أن أحصي المرات التي كنت أتبادل أطراف الحديث بكل ود وعفوية مع الغرباء أثناء الرحلة.

وفِي شوارع مانهاتن تلاحظ عربات الأكل الجوالة والتي يملك الإخوة المصريون منها الكثير، وعندما يعرفوا أني سعودي يرحبون بي، بل في الكثير من الأحيان يرفضون أخذ مقابل لمشترياتي، تعامل راقي وحضاري بقي في ذاكرتي.

دعوني أعود بكم للجامعة، فكنت بعد ان أنتهي من الدراسة في مكتبة الجامعة أذهب لتشجيع فريق الجامعة لكرة السلة، وفِي إحدى المباريات لفريق الجامعة كانت المبارة في ولاية كونيتيكت، فذهبت بسيارتي الخاصة وشجعت زملائي في الفريق وبعد نهاية المبارة شكرني مدرب فريق الجامعة لحضوري وتشجيع للفريق، وسألني كيف جئت إلى الصالة الرياضية؟ فقلت له بالسيارة، فقال هل أتيت بسيارتك عن طريق العبارة؟ فقلت له لا، لم أكن أعلم أن هناك طريق مختصر بالعبارة، فقال لي اتبع باص الجامعة ورافقنا عبر العبارة وسوف اقنع قبطان العبارة بالسماح لك بنقل سيارتك بدون حجز. وبالفعل ولَم يكتفي بذلك بل قال ان فريق الجامعة سيتكفل بتكاليف العبارة، فقد أسعدتنا بحضورك وتشجيعك لفريق الجامعة. لن أنسى هذا الموقف الشهم والتقدير العالي والإهتمام البالغ من قبل مدرب الفريق لطالب قام بتشجيع فريق جامعته.

وفِي أحد مواسم الشتاء القارس شعرت أن ثيابي الشتوية لن تقوى على حمايتي من شتاء نيويورك القاسي، فذهبت إلى متجري المفضل ميسيز وطلبت من البائع أن يريني أثقل معطف يناسب ذلك الطقس، فإذا به يقول لي انتظر ٣ الأيام فسوف يبدأ موسم التخفيضات، وسوف أحضر لك كوبون خصم إضافي خاص لأهل الموظفين وأصدقائهم، وبالفعل ذهبت له بعد ثلاثة ايّام واقتنيت المعطف بخصم يصل إلى ٧٠٪‏. لم يكن البائع مضطرا للقيام بذلك كله، بل كان بإمكانه أن يبيع المعطف بسعره الأصلي ليجني ربحا أكبر ، انه فن التعامل الراقي والمصداقية العالية والحرص على رضا العميل .

في أحد المطاعم الهندية في المدينة كانت تديره سيدة هندية في عمر أمهاتنا، وكانت تعامل الزبائن كأبنائها بمودة وعناية واحترام، حتى تشعرك وكأنك أحد أبنائها بنبرة صوتها الحانية الرقيقة.

آه.ٍ يانيويورك، كم أفتقد لتلك المواقف والذكريات الجميلة التي كان عنوانها جميعاً إحترام الإنسان وتقديره، فلا أذكر طوال إقامتي فيها أني تعرضت ولو مره واحدة لإهانة أو تهديد أو وعيد.

تحية وتقدير واحترام لتلك المدينة الجميلة وأهلها الذين تعاملوا معي بمنتهى الذوق والمحبة والأخلاق الرفيعة.

 

 

 

بقلم: بدر صالح الدوسري – (السعودية)


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com