في خضم الزحام الذي نعيش فيه , تكثر الهموم والمشكلات من حولنا , وتتأرجح أعمارنا ما بين ماض وحاضر ومستقبل , وبينهم تسير عجلة الحياة مسرعة لأبعد حد , يمر العمر , ونمر نحن بمحطات لا حصر لها , محطات من الفرح واخرى من الحزن والأسى والهموم , فهذا حال الدنيا وحال الإنسان , وان قمنا بالتفكير مليا في الأمر سنعي تماما ان كل انسان تخالجه مشاعرالفرح تارة , ومشاعر الحزن تارة أخرى , فكل انسان على وجه الأرض يعاني من صعوبات ما قد تعيق تقدمه , ومشكلات في حياته قد تهدد مسيرته وسعادته , بل ان البشرية جمعاء في كل الأقطار محملة بالهموم ومكبلة بالمشاعر السلبية والظروف الصعبة , فلا تنزعج عزيزي القارئ , ولا تظن ان المشكلة التي تمر بها أزلية لا حلول لها، ان الملايين قبلك قد مروا بمشاكل اصعب منها واستطاعوا ان يجتازوها بسلام , فأنت لست وحدك في هذا الكون . لعل أكثر المحطات التي تشغل اهتمامنا دائما هي الماضي والمستقبل , الماضي والذكريات الجميلة او حتى التعيسة التي مررنا بها , فالحنين الى الماضي دائما ما يلاحق الإنسان في كل مراحل عمره ويكأنه عاش ماضيا ورديا خاليا من الهموم والأحزان , ولكن في حقيقة الأمر , ان نظر الانسان لماضيه نظرة عميقة سيجد ما يسعده وكذلك ما يحزنه او بعض الذكريات العصيبة والأليمة التي يحاول جاهدا ان يطردها من الذاكرة طويلة المدى لأنها أمور تؤلمه أو تعكر صفوه , وكذلك المستقبل من ناحية أخرى , فأول سؤال يطرح على المرء في عمر الورود , ماذا تريد ان تصبح في المستقبل ؟ وهنا تبدأ أن تنهال الإجابات , فالإنسان دائم الإهتمام بالمستقبل البعيد كأنه بين يديه وهو في الحقيقة لا يعلم مصيره بعد بضع هنيهات . اما الحاضر , فهو أمر منسي , لأننا نقضي حاضرنا إما بالتفكير في الماضي وذكرياته الجميلة او المستقبل والنوايا التي نخطط لها بعد فترة طالت مدتها أو قصرت . و الأمر الذي لا يعلمه كثير منا ان قوة الحاضر اشد بكثير من الماضي والمستقبل , واننا ان قررنا ان ننسى الماضي بكل ما فيه ونبدأمن جديد , و ننظر لما في ايدينا اليوم وليس ما خلفناه وراءنا , سيختلف الامر حينها كثيرا . عزيزي القارئ , هل لك ان تغمض عينيك قليلا لتتخيل معي النعم التي بين يداك اليوم , سواء أكانت وجود أحد الأشخاص بجانبك او نجاحك في مجال ما , او غيرها , تخيل أصغر النعم , لأنه في الحقيقة ما تراه انت صغيرا في نظرك قد يكون شديد الأهمية ومفقود عند غيرك , تخيل عدم وجود مأوى تعيش فيه , او افتقارك لمصدر دخل ثابت , او عدم استطاعتك توفير لقمة العيش والشعور بالجوع لفترات طويلة , خذ نفسا عميقا كما تعودنا وقم بإحصاء النعم التي في حياتك , وأهم ما في الأمر اشعر بالإمتنان لنفسك وحياتك , فالشعور با ” الإمتنان ” هو من أكثر الموضوعات أهمية في علم التنمية الذاتية , وسأقوم بإذن الله بالحديث عنه في مقالتي القادمة .
اشعر بالإمتنان للظروف التي وضعتك على الطريق الصحيح في أحد الأمور , و بالإمتنان لنفسك لأنك اجتزت موقفا او أمرا او اختبارا صعبا مهما كان , قل لنفسك انك تستحق الأفضل مرارا وتكرار , اشعر بقيمة ذاتك وبقيمة ما تملكه بين يديك اليوم , الآن وفي هذه اللحظة فقط , لا تنظر خلفك , سر في طريقك مرفوع الرأس شاكرا الله على كل النعم التي بين يديك وخذ نفسا عميقا آخرا وافتح عيناك , و ما ان تمر خمس دقائق أخرى حتى تحاول ان تغمض عينيك لتتخيل حياتك اليوم دون هذه النعم , دون أحد الأشخاص الذي لا تستطيع الاستغناء عنه , بدون مأوى تنام على الطرقات دون لقمة عيش , وبدون كل ما تخيلته سابقا , في هذه اللحظة فقط ستشعر بالإمتنان والسعادة الحقيقية . هذا ما يسمى ” بقوة الحاضر” الذي وللأسف الشديد نفتقده بشدة في حياتنا ولا نعلم انه السبب الرئيسي والوحيد للمشكلات النفسية التي نمر بها جميعا . فكر في المستقبل وخطط ولكن لا تضع حياتك فريسة سهلة تحت سندان المستقبل فلا تعلم كل نفس أين ومتى في أي أرض تموت , ولا تقض حياتك هائما في ذكريات الماضي , شاعرا بالحنين تجاه كل ما مررت به , متناسيا ان الماضي لن يعود , وان من ذهبوا لن يعودوا ,بل علينا المضي قدما تجاه المستقبل . و أخيرا , السعادة قرار , خذ القرار من أعماق روحك وعش حاضرك كما هو وحاول التكيف مع كل الظروف المحيطة واشعر قدر المستطاع بقوة الحاضر .
بقلم: روان سالم – ( مصر )