|  آخر تحديث مارس 31, 2017 , 20:51 م

نَيسان


نَيسان



 

سبعُ سنواتٍ عِجاف والربيعُ في بلادي يُطلُّ على استحياء يُزهر عنوةً فوق الخراب بينَ المدافعِ وتحت وابلِ الرصاص
هاهو نيساني الجميل يتعكَّز كل الفصول ليصل إلى شعب تجمَّدت الدماء في عروقه وسقطت أوراق أشجار أحلامه واحترقت مزارع قمحِ آماله
منَّا من أوصلته أقدارُ اغترابه إلى حدائق بوتشارت في كندا
أو حدائق ميرابل النمسا
أو كيوكينهوف في هولندا
أو فرساي بباريس أو ربما شهِدَ الربيعَ في الحدائق المعلّقة حيث تغفو العجائب السبعة ، لكنه بقي وفيّّاًً لأرضِ الربيعِ الأول والزهرةِ الأولى التي لم تتكرر في أيٍّ تلك الحدائق
فكان ربيعُنا آيةً من يدِ الرحمنِ قد نُثرت على البسيطةِ زهراً من جُلنّار ..
برغم كلِّ محاولاتهم لتشويه ربيعنا
مازلنا نعشقُ نَيسان مع أننا لا نشهد تفتُّح وروده
لكننا وبين جدرانِ منفانا الأربعة نختنق بعبيرِ كلِّ وردةٍ يُنجبها
ننتظرهُ بفارغِ الصبر كلّ عام نضيعُ بعطره الذي قد لايصلنا ، يُحيي فينا مايبسَ من الأمل يلوِّن ماشحبَ منا بفعل الألم ، يُغطّينا بوشاحٍ ورديّ ، يغرسُ في أرواحنا شتلاتٍ صغيرةٍ لابدَّ أن تكبر وتُزهر يوماً ..
على أعتابكَ يا نيسان وكي لا أقع في فخِّ فيروز التي تُلجِمني في سؤالها كلّ ربيع تركتُ لك الباب موارباً كي تدخل إليَّ دون استئذان ولا تطرقه
خشيتُ من أنينِ قلبي هذا العام أن يُسيلَ دمعاً ندياً على خدودِ ورودك التي أعشقها
فروحي مُوهنة هذا العام عن سبعةِ أعوامٍ مضت لذا تركتُ بابي مفتوحاً ، ادخل ولاتأتيني بصحبة صوت فيروز الذي يزيدُ جروحي عمقاً واتساعاً عندما تغني : ( إذا نيسان دق الباب ) حتماً سأُخبّئ وجهي بين دفاتري التي أتعبتُ أوراقَها واشتكتني سطورَها
فماذا سأشرح له عن الحبَّ الذي غاب أم عن الحرب التي حضرت .. أم عن ورود بلدي التي استشهدت أم عن ضحكات أطفاله التي غُيِّبت.. ؟!
فلو كنتُ أدري كم سيشقيني غيابگ وسؤالها لكنت استبدلتُ حقيبةَ السفرِ ذات وداع ، بسلالٍ ملأتها من زهورك التي كبرتُ معها ولعبتُ بها وتربَّيتُ بينها
علّها تشفيني من نوبات الحنين لعطركَ ..!
لكن برغم الجراحِ في وطني حين يُعلنُ الربيع مراسم قدومه تصمت الأبجدية وتتنحَّى الحروف عن عرشها وتصبح اللغةُ لغةَ الأرض ، الأرض التي تجنُّ أُقحواناً أبيضاً عطشاً للسلام وتلدُ شقائق النعمان الحمراء لكثرة ماشربت من دماء أبنائها فأنجبت توائم لا تُعدّ من شقائق الشهداء
يا شمس نَيسان الدافئة تسلَّلي إلى شُرفة قلبي خلسةً وأحيي ماتبقى مني
فما طبعتِ على خدِّ وردةٍ قُبلةً إلا واحمرت وجنتي خجلاً واحترقت شوقاً
لأجلكِ أهملتُ شكوى جفاف الروح للمطر طمعاً بقربك فأطيلي المُكوثَ في سمائي إنني أنظر إليكِ بقلبي ،
واحمليني على بساط ريحٍ ورديَّةٍ إلى مسقطِ القلبِ الذي استحال بوصلةً لا تشير إلا إلى قِبلة الروح وأرض الربيع .. بلادي
ازرعيني في الأرضِ التى أهوى نَيساناً لا يغيب
فقد كفرتُ بالغياب بعد السبعِ العجاف
أرسلي إليّ فراشات نيسانك تحوم حولي ، تطوف في مِحراب روحي ، تحملني على جناحاتها إلى مهد أحلامي
أعتقيني من حربٍ لا بندقية لي فيها ولا عَلَم
كل ما ملكته فيها ورقةً وقلم
لكن كل رصاصة كانت تمرُّ من قلبي أولاً إلى قلوبهم فمتُّ معهم آلاف المرات ،
استشهدت ودُفنت على قيد الحياة ،
فليس مَن بقي فقط تجرَّع مرارة الممات ، كلٌّ منا مات بطريقته مع ذوي الأموات
فابذل جهدك يا نيسان أن تُنجدنا بربيعك وتُحيي فينا ما قد مات ..
لوِّن أيامنا بألوان قوس قزح ، أنقذنا من اللون الأحمر الذي غرق به وطننا
نريد أن نُولدَ معك بذاكرةٍ جديدةٍ وننسى خريفَ العُمرِ الذَّابل
جلُّ مانتمناه أن نُغمضَ أعيننا ، نسهو على عُشبك الأخضر ونحلم .. أن ما حلَّ بوطننا كان كِذبة نيسان ..

 

 

بقلم: رفاة العياش – سوريا 


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com