شهدت مكتبة الإسكندرية يومي 23 و24 أكتوبر 2016 مؤتمر “تخطيط إدارة الكوارث بالمكتبات والمتاحف والأرشيفات”، الذي نظمته المكتبة تحت شعار “تراثنا المعرض للخطر: التحديات وكيفية التعامل معها”، والذي يركز بشكل أساسي على إدارة الكوارث والتراث الثقافي في الوطن العربي.
تحدث في المؤتمر العديد من المتخصصين والخبراء من جميع أنحاء العالم، في مجالات حماية التراث الثقافي، والتخفيف من حدة المخاطر والحدّ من الخسائر، والحفظ الرقمي؛ ومنهم الدكتور أندرو ماكدونالد؛ عضو مجلس إدارة الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات الإفلا، والدكتور خالد الحلبي؛ رئيس الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات، والدكتور طارق العوضي؛ مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، والدكتور أسامة النحاس؛ مدير عام إدارة الآثار الغارقة بالإسكندرية، والدكتور كريستوف جاكوبر؛ عضو مجلس إدارة اللجنة الدولية للدرع الأزرق، واللواء خالد جابر؛ المدير العام السابق للحماية المدنية بكفر الشيخ، وجوليا برونجز؛ مسئول المشاريع والسياسات بالإفلا، وبول هيكتور؛ استشاري التواصل والمعلومات باليونسكو، وغيرهم.
وقالت دينا يوسف؛ مدير مركز الإفلا للمكتبات الناطقة باللغة العربية، إن المؤتمر يهدف إلى التعرف على طرق الحفاظ على التراث الثقافي والحضاري المعرض للخطر نتيجة الكوارث الطبيعية أو الناتجة عن الحروب، وتبادل الخبرات لوضع خطط واضحة لإدارة الكوارث والمخاطر. وأكدت أن الحفاظ على التراث يأتي في مقدمة اهتمامات الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات “الإفلا”، واليونسكو، واللجنة الدولية للدرع الأزرق Blue Shield.
من جانبها، أكدت لمياء عبد الفتاح؛ رئيس قطاع المكتبات بمكتبة الإسكندرية، أن مركز الإفلا للمكتبات الناطقة باللغة العربية والذي تستضيفه مكتبة الإسكندرية هو مركز إقليمي للاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات “الإفلا”، وهو معني بنشر آخر المستجدات في عالم المكتبات والمعلومات، وما توصل إليه “الإفلا” من معايير في مجال المكتبات، والتواصل مع العاملين في مجال المكتبات في العالم العربي وتشجيعهم على المشاركة في أنشطة “الإفلا”.
وأضافت أن المؤتمر يهدف إلى وضع تصور أو خطة لإدارة الكوارث في المراكز الثقافية للحفاظ على التراث الحضاري والثقافي، ولذلك فهو يستضيف خبراء من “الإفلا” واليونسكو واللجنة الدولية للدرع الأزرق والذين يعملون في مجال حفظ التراث بهدف التعرف على خبراتهم وتجاربهم والمشروعات التي يتم تنفيذها في هذا المجال.
وأكدت أن هناك العديد من التحديات في مجال حفظ التراث الثقافي والحضاري خاصة في العالم العربي وإفريقيا، ومنها نقص التمويل وعدم توافر مواد حفظ التراث، ومن هنا تأتي أهمية المؤتمر في التعرف على تجارب وضع الخطط الوقائية لحفظ التراث.
وفي كلمته، قال الدكتور أندرو ماكدونالد إن الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات “الإفلا” يعتبر الحفاظ على التراث الثقافي والحضاري من أهم أولوياته، فقد وضع خطة استراتيجية جديدة مكونة من أربعة محاور؛ وهي: المكتبات ومجتمع المعلومات، المعلومات والمعرفة، الحفاظ على التراث الثقافي والحضاري، وبناء القدرات والطاقات.
ولفت إلى أن مبادرات ومشروعات “الإفلا” للحفاظ على التراث تتم في إطار ثلاثة محاور؛ أولها تطوير شبكة تضم المراكز المعنية بحفظ التراث حول العالم. وأوضح أن الشبكة تضم حاليًا 16 مركز، ويسعى “الإفلا” إلى توسيع الشبكة بهدف الربط بين هذه المراكز وتبادل الخبرات في مجال حفظ التراث وإدارة الكوارث.
وأضاف أن المحور الثاني هو تطوير المعايير الخاصة بالحفاظ على التراث، وتشجيع أفضل ممارسات حفظ التراث في صورة رقمية، مبينًا أن “الإفلا” يعمل في مشروع مشترك مع اليونسكو بهدف حفظ التراث الرقمي، ووضع معايير جديدة لصيانة مقتنيات المكتبات. أما المحور الثالث فهو حماية التراث الوثائقي عن طريق التقليل من المخاطر من خلال عدد من المشروعات؛ ومنها سجل المخاطر والذي يعمل على توثيق المجموعات المعرضة للخطر، ومشروع “ذاكرة العالم” الذي يتم بالتعاون مع اليونسكو.
من جانبه، أكد الدكتور خالد الحلبي؛ رئيس الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات “اعلم”، أن حفظ التراث موضوع بالغ الأهمية في هذه الحقبة من تاريخ العالم، فهناك عدد كبير من الأحداث المؤسفة التي طالت المكتبات، خاصة في العالم العربي، مما يهدد التراث العربي. وأكد أن طمس الهوية الثقافية والحضارية للشعوب هو هدف من أهداف أزمات وحروب العالم الحالية.
وقال إنه إذا كانت الكوارث الطبيعية لا يد لنا فيها، والمخاطر السياسية تفرض علينا فرضًا، فإن هناك مخاطر تأتي من داخل المؤسسات لا تقل خطورة عن الكوارث الطبيعية والحروب، وتتمثل تلك المخاطر في العنصر البشري وعدم قدرته على إدارة المؤسسات وإهماله للموارد التي بين يديه، مما يضع هوية الأمة وتراثها في موضع الضياع.
وأكد الحلبي أن التكنولوجيا وفرت لنا أدوات تساعد على الحفاظ على ما هو موجود وإتاحته للجيل الحالي في صورة يستسيغها، حيث فتحت الرقمنة آفاقًا جديدة للتعامل مع التراث حفظًا وإتاحة، ولذلك يجب على العنصر البشري أن يطور من نفسه لاستخدام هذه الأدوات. وأضاف أن الشعوب أيضًا عليها عبء كبير للحفاظ على التراث، فالوعي الثقافي للشعب هو الأداة المثلى لذلك.
وأوضح أن الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات قد أخذ على عاتقه تطوير أداء العاملين في قطاع المكتبات والمعلومات في مجال حفظ التراث من خلال ورش العمل والدورات التدريبية والمؤتمرات، وإنشاء المعايير باللغة العربية وترجمة المعايير العالمية لتصل لجميع العاملين في هذا المجال في العالم العربي.
وخلال الجلسة الأولى للمؤتمر؛ ألقى الدكتور طارق العوضي؛ مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، محاضرة بعنوان “حماية المكتبات في وقت الحروب والنزاعات: تقرير عن حالة المتحف المصري بالقاهرة”، كشف خلالها ما تعرض له المتحف المصري من أعمال شغب وسرقات أثناء أحداث ثورة 25 يناير وتوابعها، أدت إلى نهب 54 قطعة من مقتنيات المتحف، بعد أن اقتحم مجموعة من اللصوص المتحف عن طريق تسلق السلالم الخلفية للوصول إلى السقف، وتسببوا في تدمير متجر الهدايا بالكامل، وعدد من فتارين العرض.
وأشار إلى أن السلطات المصرية استطاعت بعد شهر من الأحداث القبض على عدد من المقتحمين، واستعادة بعض المقتنيات المنهوبة التي لايزال 18 قطعة منها مفقودة حتى يومنا هذا، لافتًا إلى أن المتحف المصري يملك 195 ألف قطعة أثرية خاصة به، بعضها تم تدميره خلال الاعتداء على المتحف أثناء أحداث 25 يناير، منها إحدى القطع الخاصة بالملك توت عنخ أمون، وقد قام قطاع الترميم بالمتحف بترميمها.
وأضاف أن وزارة الآثار عملت على تغيير السقف الخاص بالمتحف مع الحفاظ على شكله الهيكلي لاسيما وأن مبنى المتحف مسجل كجزء من التراث، كما نقلت جزء كبير من المقتنيات الخاصة به للمتحف المصري الكبير، والذي سيتم افتتاحه جزئيًا في 2017، مشيرًا إلى أن إدارة المتحف طالبت الحكومة بأحقيته في الأرض التي تقع خلفه والتي كانت مقرًا للحزب الوطني، خاصة وأن الوثائق الرسمية والمخطوطات القديمة تثبت أن تلك الأرض تدخل ضمن أملاك المتحف المصري.
ولفت إلى وجود مقترح لإنشاء حديقة فرعونية على تلك المساحة، وربطها بالميناء القديم الذي كان يربط المتحف بنهر النيل ومركب “المنشية” التي تنقل الآثار من صعيد مصر إلى المتحف المصري عن طريق البوابة الغربية، مؤكدًا أن ملف أرض المتحف المصري تم تقديمه للحكومة المصرية أثناء وجود الدكتور عصام شرف في رئاسة الوزراء، وأن هناك حملة دولية وتوقيعات تم جمعها للمطالبة بضمها للمتحف مرة أخرى، وهو ما سيدر أضعافًا من الدخل في حال تنفيذ المشروع المقترح.
وألقى الدكتور زاهد تاج الدين؛ خبير ومستشار الترميم بجامعة UCL بلندن، خلال المؤتمر، محاضرة بعنوان “التراث السوري المعرض للخطر”، أوضح خلالها تعرض الأماكن الأثرية في ستة مناطق- على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي- للتدمير من قبل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والقوات السورية والروسية، وذلك بعد أن فقدت الحكومة السورية سيطرتها على ما يقرب من 80% من مساحة سوريا خلال الحرب الأهلية.
وعرض “تاج الدين” صورًا للعديد من المناطق الأثرية التي تم تدميرها كليًا أو جزئيًا؛ ومن بينها: الجامع الأموي ومئذنته الشهيرة بدمشق، ومسرح بصرى الروماني، ومعبد “بل” ومتحف بالميرا في تدمر، وحصن “كراك دي شوفليه” بحمص، وقلعة المضيق ومتحف القلعة بمحافظة حماة، وقلعة حلب والبازار الخاص بها، ومئذنة النعمان الخاصة بالمسجد الكبير بمحافظة إدلب، وجميع آثار محافظة الرقة التي اتخذها تنظيم الدولة الإسلامي “داعش” عاصمة له.
وشدد أن الدمار الذي لحق بالآثار السورية كان معظمه بسبب القصف الجوي من قبل القوات السورية والروسية التي وجهت نحو 10 آلاف ضربة جوية لمواقع أثرية سورية أثناء استهدافها لعناصر “داعش”، مشيرًا إلى صعوبة توثيق ما تم تدميره ونهبه من تلك القطع الأثرية، كما أنه لا يوجد حصر ولا قائمة بالقطع الأثرية التي نقلتها الحكومة السورية للمخازن، داعيًا العالم إلى ضرورة التوحد من أجل انقاذ سوريا مما سماه “كارثة محققة” فيما يخص التاريخ الإنساني، وتقديم المنح والمساعدات من أجل استعادة القطع المنهوبة، وترميم ما يمكن إصلاحه منها.
وعبر الإنترنت، عرض كريستوف جاكوبز؛ عضو مجلس إدارة اللجنة الدولية للدرع الأزرق، تجربة اللجنة في هايتي بعد تعرضها لزلزال مدمر في يناير 2010، نتج عنه دمار كبير لحق بالتراث الثقافي والقصر الرئاسي ومبنى الضرائب والعديد من الوزارات والمكتبة القومية.
وأشار إلى أن المتطوعين بدأوا في انقاذ ما يمكن انقاذه من الوثائق الخاصة بالأرشيفات والمقتنيات والمخازن بعد الزلزال مباشرة، بعدها اتجه فريق تابع للدرع الأزرق لهايتي لتقييم الوضع، وتوجهت الفرقة الثانية لهايتي في إبريل 2010 وركزت على التراث المكتوب الخاص بالأرشيفات القومية في المباني التاريخية.
وأوضح أن مهمة اللجنة تمثلت في جمع كل الأوراق وحفظها في مكان آمن، وتدريب العاملين في المؤسسات والمتخصصين على كيفية حصر الوثائق وترتيبها وحفظها وترميمها، مشيرًا إلى أن أحد الصعوبات التي واجهت عمل اللجنة الدولية للدرع الأزرق في هايتي هي عدم وجود مكان يتسع للعمل والتدريب؛ ولذلك تم طرح مبادرة “التعلم من خلال العمل” والتي تسمح للجنة بتدريب العاملين والمتطوعين أثناء عملهم على وثائق حقيقية تحتاج إلى ترميم، كما تم بناء مركز “ARK” بحيث يتسع لجميع الوثائق فتتمكن اللجنة من انقاذها.
وأشار إلى عمل اللجنة في هايتي تضمن وضع خطة للطوارئ والانقاذ، ومعايير اختيار الأولى بالإنقاذ، ونشر الوعي عن المخاطر التي قد تسببها الكوارث وتدريب المكتبيين من جميع المؤسسات وتدريب المتطوعين على الترميم.
وجاءت الجلسة الثانية للمؤتمر بعنوان “طرق وتقنيات حماية التراث الثقافي”، تحدث فيها كل من الدكتور ستيفان ايبرت؛ مدير الحفظ والترميم، مكتب الإفلا للحفظ والترميم، مكتبة قطر الوطنية، والدكتور عبد الرازق النجار؛ الأمين العام للجنة الوطنية المصرية للمجلس الدولي للمتاحف، والدكتور اندريا بابي؛ خبير الترميم ومستشار في IILA واليونسكو.
وتناولت كلمة الدكتور ستيفان ايبرت طرق وقاية وحماية المجموعات داخل المكتبات والأرشيفات، حيث أوضح أن أولى خطوات الحفاظ على المجموعات داخل المكتبات والأرشيفات هي “الحماية”، مبينًا أن الحماية تكون بمحاولة تفادي المخاطر بتعريف التهديدات المحتملة والآثار التي قد تنتج عنها، حتى يتم تحديد طرق إدارتها. وأوضح أن تلك المخاطر قد تكون الحرائق، السرقات، عمليات التخريب، أو مخاطر محددة بمناطق أو ظروف معينة مثل الزلازل.
وأكد أنه يجب وضع استراتيجيات الحماية لجميع المخاطر المحتملة، فالحرائق على سبيل المثال يتم تفاديها بمنع التدخين، كما يمكن تجنب تسرب المياه عن طريق عمليات الصيانة المستمرة، كما أنه يفضل ألا يتم بناء المكتبات والأرشيفات بجانب الأنهار للحماية من مخاطر الفيضانات.
ولفت إلى أن ثاني خطوات الحفاظ على المجموعات داخل المكتبات والأرشيفات هي “المنع”، ويتم المنع عن طريق توقع المخاطر، ووضع خطة للتعامل معها في حال حدوثها، فالحرائق على سبيل المثال يتم منعها من خلال أجهزة إنذار الحرائق. وشدد على أهمية وجود خطة للتصدي للكوارث، على أن تكون مكتوبة بوضوح دون إطالة، وأن تتضمن الخطوات التي يتم اتباعها لكل حالة على حدة، وأن تكون قابلة للتطبيق يوميًا وعلى مدار اليوم.
من جانبه، تحدث الدكتور عبد الرازق النجار عن جهود الجنة الوطنية المصرية للمجلس الدولي للمتاحف في مجال حفظ التراث، مبينًا أن اللجنة الوطنية قدمت العديد من الفعاليات والأنشطة العلمية في مجال الترميم ووضعت العديد من الاستراتيجيات للتعامل مع الآثار المصرية، كما أسست المجموعة العربية للمركز الدولي للترميم. وأكد أن العنصر البشري يعتبر أهم عنصر يجب الاعتماد عليه خلال الأزمات، ومن هنا تقدم اللجنة الوطنية العديد من الدورات التدريبية لإعداد العاملين في مجال الترميم، وتنشر كتيبات جديدة في مجال العمل المتحفي، واستحدثت جائزة أفضل الممارسات لحفاظ وصيانة الآثار لتشجيع العاملين في هذا المجال.
وقال إن اللجنة الوطنية للمجلس الدولي للمتاحف تسعى أيضًا لتعريف العاملين في مجال الترميم بأحدث الطرق التكنولوجية في الصيانة والترميم، فعقدت عدد من الندوات حول الاستفادة من الأشعة تحت الحمراء في فحص المخطوطات، وتدريب المتحفيين على هذه التكنولوجيا، كما تعقد اللجنة العديد من الأنشطة لدعم البحث العلمي من خلال معمل كلية الآثار بجامعة الفيوم.
وفي كلمته، تحدث الدكتور اندريا بابي عن تقنيات الصيانة والحفظ في إطار عدد من المشروعات التي نفذها بالتعاون مع اليونسكو؛ في ليبيا واليمن وفلسطين. وأكد أن أفضل ممارسات الحفظ والترميم في الشرق الأوسط تتم في متحف المخطوطات بمكتبة الإسكندرية.
أما الجلسة الثالثة للمؤتمر، فجاءت تحت عنوان “التخفيف من حدة المخاطر والحد من وقوع الخسائر”، تحدث خلالها كل من اللواء خالد جابر؛ المدير العام السابق للحماية المدنية بكفر الشيخ، والدكتور أسامة النحاس؛ مدير عام إدارة الآثار الغارقة بالإسكندرية، والدكتور عبدالحميد صلاح؛ مؤسس فريق إنقاذ التراث المصري.
وقال اللواء خالد جابر أن مجابهة الأزمات والكوارث تتطلب العديد من الاجراءات على عدة أصعدة؛ تبدأ بالتدريب للاستفادة من التجارب السابقة وما حققته من ايجابيات وسلبيات، ودراسة الآثار الناتجة عن الأحداث السابقة وتحليل أسبابها، واتجاهات حلها، واعداد السيناريوهات المتوقعة ومساراتها وجوانبها المختلفة حتى نتمكن من الحد من الخسائر، فضلًا عن التنسيق مع الجهات المعنية والمؤسسات المجاورة لمكان الأزمة أو الكارثة لتقديم المساعدة لحين وصول قوات الحماية المدنية.
وشدد “جابر” على ضرورة إنشاء مراكز لإدارة الأزمات والكوارث في كل مؤسسة هامة تكون من ضمن مسئولياتها- بجانب جهود الحماية المدنية- وضع الأسس لمواجهة الحوادث والحد من الخسائر البشرية والمادية والمعنوية، وتدريب الموظفين على خطط الاخلاء الكلي أو الجزئي من خلال تجارب المحاكاة للأخطار أو الحوادث المختلفة.
وقال الدكتور أسامة النحاس، أن هناك أكثر من 700 متحف حول العالم يعرض آثارًا مصرية وقعت تحت حيازته إما عن طريق الاهداءات أو السرقات التي تمت في المواقع الأثرية، مشيرًا إلى أن حجم تجارة الآثار حول العالم عام 2011 بلغت 23.1 بليون يورو سنويًا، معظمها لقطع أثرية من الدول العربية، لاسيما مصر والعراق وسوريا.
وعرض “النحاس” أمثلة لما أصاب بعض المناطق الأثرية من تدمير بسبب الكوارث الطبيعية؛ ومنها انهيار فنار الإسكندرية ومكتبة الإسكندرية القديمة، والعديد من المدن التي غرقت في منطقتي أبوقير والميناء الشرقي بالإسكندرية، وآخرها انهيار جزء من قلعة قايتباي مؤخرًا بسبب عدم التعامل مع الأزمة التي تعرض لها هذا الجزء من القلعة بشكل صحيح.
وأضاف أن واحدة من أهم المنشآت الخشبية الإسلامية في العالم وهي “المسافرخانة”- وهي أكبر مشربية في العالم- قد احترقت عام 1998 بسبب عدم وجود خطة لحماية تلك القطعة الأثرية المميزة، فضلًا عن حريق قصر السكاكيني الذي وقع مؤخرًا وتسبب في تلفيات في السقف والأرضية قبل أن يتم السيطرة عليه.
وشدد “النحاس” على ضرورة وجود إدارة مركزية للأزمات والكوارث تكون تابعة لوزارة الآثار لحماية التراث المادي المصري، تكون مهمتها جمع المعلومات الخاصة بكل المواقع الأثرية في مصر وتحليلها وإعداد خطط وسيناريوهات للأزمات المتوقعة مستقبلًا، ووضع خطط وقائية، وتدريب الموظفين وعناصر المجتمع المدني على عمليات الإنقاذ للتراث الأثري والإخلاء، وتقديم النصح والمساعدة القانونية، ومراقبة المواقع الأثرية، ووضع خريطة للكوارث في مصر تحدد الأماكن الواقعة في حزام الزلازل أو الأماكن التي شهد هبوطًا أرضيًا أو تسرب اشعاعي أو حرائق متكررة حتى يمكن تفادي الكوارث التي قد تحدث مستقبلًا.
وأكد الدكتور عبدالحميد صلاح أن عدم وجود خطط مسبقة للتعامل مع الكوارث من شأنه أن يؤدي إلى عشوائية في التعامل مع الموقف؛ وهو ما قد يؤدي بدوره إلى إحداث تلفيات في القطع الأثرية أعنف من تلك التي أحدثتها الأزمة، عن طريق النقل والحفظ أو حتى الترميم الخاطئ، وهو ما حدث بالنسبة للقناع الذهبي الخاص بتوت عنخ أمون.
ودعا إلى ضرورة وضع خطط استباقية للأزمات من شأنها أن تساعد على درء الخطر وتقلل من حجم الخسائر، ووضع قائمة أولويات تضم الأماكن الأكثر عرضة للخطر والأجدر بالحماية، مع تقييم مستويات الخطر ووضع خطط للتحرك السريع تضع في الحسبان جميع النتائج والمسارات المتوقعة للأزمة أو الكارثة.
ولفت إلى أن فرق الترميم التي تعاملت مع كل من متحف ملوي ومتحف العريش في أزمتيهما لم تكن على قدر من الوعي والتدريب الذي يؤهلها للتعامل مع مثل تلك المواقف؛ وهو ما أدى إلى مزيد من الضرر للقطع التي تأثرت بسبب الهجمات، على عكس ما حدث في متحف الفن الإسلامي المواجه لمديرية أمن القاهرة، والذي تضرر مبناه والكثير من معروضاته بعد الهجوم الإرهابي على المديرية، إلا أن فريق العمل الذي تدخل بعد ساعات من الأزمة كان مؤهل وتمكن من انقاذ 57 قطعة أثرية في أول يوم من التفجير، وذلك يرجع إلى المحاكاة التي كانوا قد تدربوا عليها قبل شهر من وقوع الحادث.
وتناولت الجلسة الأخيرة من المؤتمر التراث الثقافي والحفظ الرقمي، وتحدث خلالها كل من جوليا برونجز؛ مسئول المشاريع والسياسات بـ”الإفلا”، وبول هيكتور؛ استشاري التواصل والمعلومات بمكتب اليونسكو بالقاهرة. وعرضت “برونجز” خلال الجلسة، فكرة عمل الإفلا للحفاظ على التراث الثقافي، ومبادرة إشراك المكتبات في الحفاظ على التراث خلال الأزمات، من خلال إنشاء سجل يضم المقتنيات الثقافية العالمية للمكتبات لعمل أرشيف عالمي لسجلات الدول التي تشهد صراعات أو كوارث طبيعية متكررة أو غيرها لحماية التراث.
وقالت أن سجل الإفلا للمخاطر هو نوع من أنواع التوثيق للتراث الثقافي، يقوم على جمع المعلومات والسجلات والأرشيفات للمقتنيات الثقافية والأثرية للدول، وتسجيلها في أرشيف واحد عالمي يوفر المعلومات ويسهل تبادلها على مستوى العالم، مشددة أن قاعدة بيانات الإفلا مغلقة على أشخاص بعينهم ولا يمكن الوصول إليها بأي طريقة غير شرعية.
وعرض بول هيكتور تفاصيل برنامج “سجل ذاكرة العالم” الذي تقوم عليه اليونسكو، وهو مشروع عالمي مبني على المشاركات مع الحكومات والقطاعات الخاصة والباحثين في جميع المجالات لتوثيق التراث الإنساني، عن طريق حفظ الوثائق التراثية واتاحة السجلات والتراث الموثق رقميًا للمؤسسات التي ترغب في الحصول على تلك البيانات، مشيرًا إلى أن الهيكل التنظيمي للبرنامج يتكون من ثلاثة مستويات؛ دولي وإقليمي ومحلي، وأن البرنامج يعمل مع العديد من الدول في إفريقيا والمنطقة العربية وآسيا، ولديه 64 لجنة محلية في دول مختلفة.