كم يلزمني من القهوة من أجل كتابة هذا المقال!
مساء المطر والعطر الممزوج بتراب القاهرة, مساء الشتاء السخي بنسماته مساء مزدحم بملامح تأبى
أن تفارق الذاكرة, في كل مساء يطرق باب قلبي الحنين بذكريات أحتضنها بشدة فهي ما تبقى لي من البعض, أيها الشتاء امنحني قليلا من بردك لأعصابي, أنفض عن قلبي غبار الوقت فتمضي الثواني ثقيلة على كاهلي, منذ تشير عقاربها وصول الثانية قهرا حتى بزوغ الثالثة عصراً, أتكئ على عقارب الساعة الخالية من الحياة كسيف في خاصرة الأمنيات وأنا أراهن على إنسانيتي وصدقي, فلست نبياً أو قائداً هدفي فقط فتح نوافذ حيث كانت هناك جدران يوما ما.
“كي تكون أستاذاً لا تكفي الموهبة، ينبغي ايضاً أن تتعلم أن لا تنسى أيّ شيء, الكاتب البارز هو الإنسان الذي ملؤه الصدمات”.هذا ما كتبه أحد أدباء الرومان,وهنا تولد فكرة مقالي في رأسي اولاً ثم تموت بين يدي, وتحييه شخصيات ومواقف حقيقية على الورق تبعث من جديد كما الورود في الماء, وأنا أكتب لَكم هذا النص وما أعلم عند أحد من التجاوز أكثر ممّا أعلم عندي، ولكني أستغفر الله العظيم وَأتوب إليه, لا نية لي بكتابةِ أيِّ شيء ربما كان ابتعادي عن الكتابة لفترة ما منفذاً لراحةٍ طويلة فلقد تعبت من جلدِ نفسي على منصة الكلمات, وكوب القهوةِ على مكتبي أصبح باردا وأنا أحاولُ أن أكتب كأنما عقم قد أصابَ أصابعي, رغم إن كلماتي كثيرة لا تنتهي أمور كثيرة من حولي تحدث أراها و قد أستمع إليها, هناك أناس ترتدي أحذية في أدمغتها, وشعورا بالخيبة وأنا أتساءل هل يمكن أن نكون أكثر انكساراً ؟! حيث لا تؤذيني صفعات البعض إنها فقط مسودات أحفظها في ذاكرتي لأستعين بها إن اشتقت للضحك على روحي الطيبة, إلا أن المهم أنني مازلت هنا.
قلبي ينبض بسرعة غريبة, كلما أصبتُ بتلك الحالة التي تداهمني من وقت لآخر, هناك إحساس ينتابني بين الحين والأخر يجعل مزاجي في حَال سيء جدا, يجعلني أتصرف وكأني لست أنا أتوجع حين يأتي, هناك تجاوز لم أعشه مرة كانت ترفع سذاجة البعض للوصول للسحاب ولكنها تسقط في النهاية, حالة الخذلان من الغير فأشعر كأني أرتعد و شهقتي بأسماء من أحب تعيش معي لحظة دهشتي, حيث أسلِم نفسي لسوء ما مضى, لتلك الأشياء التي تأتي مُتتاليةً دفعةً واحدة لتسرقني من ذاتي, أفقد اتزاني و أغيب عن الصبر بمشاعر مختلطة تلِّج روحي في لحظةِ الوجع, كان بي شهيةٌ للتحليقِ لأبحث عن وجهِ أمي, وأنا لا أخاف الموت لكنني أخاف الغياب الإنساني والأخلاقي. حاولت مرة الوقوف أمام الشمس، خُيل إلي أن العصافير ترشقني بحجارة.
تسللتُ ذات صباح بعيداً عن أعين الانتظار، و اختبأت في قعرِ الإبتسمات لكنها وجدتني في النهاية حيث كانت أمام الباب تنتظرني بصبر,وكأن القفص ذهب ليبحث عن تلك العصافير, وهنا أتساءل هل الصباحات تعني يوماً جديداً لأولئك الساهرين الليل إلى الفجر ؟
هل الصباحات تعني أن نغتسل من الذنوب, حيث كنت أظن ذلك حين سمعت حديث أحدهم عن الصباح؛ أسرعت إلى سريري قبل العشاء انتظر قدوم الصباح و نمت واعده نفسي أن الصبحَ لناظرهِ قريب.
الشيء الوَحِيد الذي لا يتغير فِي النَاس هو أسمائهم, في عودة إلى الوراءِ لمقاضاة نفسي أمام نفسي أذكر كل شي أيّ شيء, صور الناس تتبدل بسرعةٍ عجيبة, كأني أًعِيد عمري كله بظرف ثانية أو أقل, سأبوح أنا بمخاوفي وسأخوض تجربة الإفصاح عن مشاعري, وسأتمرد على جراحي تلك الجراح التي سامرت ذاتي وقد تعشق تلك العصافير بحة صوتي, و سأمنح تذاكر سفرِ طريقا للعفو لمن يهمه إيذائي,”حيث ليس ثمة مجد في العقاب”, لا يوجد انتقام أكمل من التسامح ، عند تسامح البعض لأنك بِبساطة تريدهم أن يبقُوا جزء من حياتك, رغم إن البعض لا يتعاطف مع أشخاص فشلوا في الاحتفاظ بك, فلا تصدق إن غفرانك لإسقاطاتهم يزيد من حجمك في أعينهم, فقد انتهى زمن الكريم الذي إذا أكرمته ملكته, فتناقض كتاباتنا ليس عيبا فمشاعرنا بحد ذاتها متناقضة , لماذا يحمل البعض قناعا طالما أنه لا يملك وجها ؟ ومن يعطيك البيض لا يمكن أن يكسره لك, وهنا أقر إنه لا يوجد لدي منطقة رمادية.
لقد قرأت مرة لشخص لا أتذكر اسمه: “لا أحب العادلين الذين لا يتعثرون ولا يسقطون على الأرض” نعم مهما كان المرء قويا يمر أحيانا بلحظات يشعر فيها بالضعف فيبحث عن الاحتواء, “ضع يدك في يد الذين يمنحونك الحب في كل الظروف, “أولئك الذين يتحملون مزاجك السيئ وتقلبات الأيام هم من يحبونك بصدق, وعلى سبيل الصدق ندير ظهرنا للبعض وقلوبنا مازالت تريد البقاء, وإن اتضحت الأمور لنا كالشمس نغمض أعيننا دائما كي لا نؤذي قلوبنا, “ونتعلم من صفعات الوجع أكثر مما نتعلمه من لحظات السعادة”, حيث كلما كان الجرح بليغا كان الدرس أبلغ,فالجراح هي راقية فهي لا تسكن إلا القلوب الطيبة, فأسلوب الرد قد يكون سببا في تراجعنا عن الكثير من الأحاديث بجمال الصمت,وكما يقال صامتون وفي قلوبنا ألف حكاية, وبهذه اللحظة كنت أتمنى قائلة: يا ليت مكة بيني وبينها شارع إذا ضاق صدري ذهبت وصليت هناك.
لقد مسني بعمق موقف ما, لكن للأسف ما ألمحه ليس من علاج, وهذا ما أخشاه, فإلى جانب الأسباب الشخصية لحزني ووجعي على فراق البعض فالحزن شهية لا تشبعها أي فاجعة, يحبطني كذلك وضع المجتمع نعم تلك هي حالتي, قد تكون مبالغة لكنها قائمة, يقلقني نبلي وطيبتي, تملأني غيرة البعض وتجاوزاتهم دون حق, إذ لم يحدث من قبل إن واجهت هكذا أمر بمثل هذا البخس, ولم يكن رفض وعدم قبول ما هو راقي قد بلغ مثل ذلك التجاوز, احتقار الجمال وكره الذوق وهذا ما يشكل عارضا له دلالته, مختصر الأمر نحن دائماً في مواجهات وتحديات وصعوبات بإستمرار تأتي لحظات تفقدنا الثقة في أنفوسنا لكن لا بد أن نستمر ونقاوم حتى تسير الحياه وهكذا فدائماً قل (لاحول ولا قوة إلا بالله ) حقاً ستتغير حياتك قولها بإستمرار فسترفع عنك البلاء والضرر بإذن الله وتوكل على الله واستعن به.
بقلم الكاتبة: رحمة وجدي – ( مصر )