|  آخر تحديث أكتوبر 10, 2016 , 0:47 ص

« السير على الحبال »


روانيـات

« السير على الحبال »



أحببت اليوم ان تكون مقالتي عبارة عن قصة أسردها لنتعلم منها الكثير , تحمل في جعبتها الكثير من المعاني الرائعة , وتحمل بين طياتها دروس في غاية الأهمية سنحاول استخلاصها بعد ان اصل الى نهايتها . كان هناك لاعب سيرك شهير يسمى ” تينو واليندا ” , من أسرة كانت تمارس لعبة السير على الحبال أبا عن جد منذ قرن من الزمان , فقام أحدهم بسؤاله ذات مرة كيف تبقى ثابتا ومتوازنا على الحبل ولاتسقط ؟ فأجاب : في الحقيقة أنا لاأكون ثابتا ومتوازنا على الحبل أبدا , بل أنا في اهتزاز دائم , لكنني أقوم بتعديل وضعيتي طوال الوقت حتى لا أسقط , وذلك بحركات في كل الاتجاهات . ان الثبات على الحبل يعني في الحقيقة  “السقوط” . إجابة واليندا جعلتني أقف متأملة روعة ما قاله , وأعكس الأمر على الحياة عموما, فحياة الإنسان مهما كان منظما ومرتبا ودقيقا, لايمكن ان تكون متزنة تماما, بل هي في الحقيقة مليئة بالإهتزازات , تماما كإهتزازات لاعب السيرك الواقف على الحبل , وذلك لأنه مهما ظن الانسان انه مسيطر على مجريات حياته , فستظل أمور كثيرة خارجة عن إرادته بطبيعة الحال, ولا يمكن له ان يسيطر على مفاجآت الزمان ولا على تقلب صروفه , ولا يمكن له كذلك ان يضمن انضباط واتزان الناس من حوله ممن لا يمكنه الا ان يتعامل معهم, وان يتقاطع دربه مع دروبهم , فالإنسان لا يمكن له ان ييقن ان امور حياته تحت يديه , وانه مسيطر عليها تمام السيطرة , بل ل ايجب حتى ان يحاول السعي الى جعلها كذلك , لانه سيخالف بذلك سنة الأشياء التي أجراها الله سبحانه وتعالى , ولن يفلح في ذلك أبدا . بل ان ما يجب عليه فعله هو ان يبذل جده بالقدرالممكن و المعقول في الوقت نفسه , اي بلا افراط ولا تفريط ليضبط امور حياته , وهكذا تستمر الحياة بهذه الحركات المستمرة من اعادة الضبط والتوازن . في الحقيقة ان هذا الأمر في غاية الأهمية , لأن من يغفل عن هذه الأمور لفترة طويلة سيجد ان الامور التي خرجت عن مسارات الاتزان قد انحرفت بعيدا جدا مما سيتطلب منه جهد عظيم لإصلاحها واعادتها كما كانت . هذه الحركة المستمرة لإستعادة التوازن يجب ان تسري على كل مناحي الحياة , سواء في البيت , العمل او في الحياة الاجتماعية بشكل عام , ومن الناحية الفلسفية , فإن حلاوة الحياة واثارتها , تكون في الحقيقة بهذا “اللا اتزان” فالثبات تماما كما قال لاعب السيرك واليندا , يعني السقوط , وهو في حياة الانسان الموت, لكن هذه الاهتزازات الحياتية المستمرة هي ما يدفع الانسان الى الحركة الدؤوبة, التي لولاها لظل الانسان قابعا في مكانه دون ان يتقدم اي خطوة , وهي الوقود الذي يؤدي دائما للسعي والتعديل والبناء والتحصيل. فلولا وجود هذه الاهتزازات في كافة مجالات الحياة ايا كانت , لم نكن ما نحن عليه من القوة والخبرة التي نكتسبها بعد كل اهتزاز في حياتنا , مما يؤهلنا للتعامل مع كل الاهتزازات المستقبلية بنجاح , نتيجة ما اكتسبناه من خبرة من الاهتزازات السابقة . فكن شاكرا دائما لكل اهتزاز يمر عليك , بل وحاول دائما الانتصار عليه والخروج بأقل الخسائر . لا تحلم بالمثالية , لانك حينها ستقرر ان تعيش عمرك على امل تحقيق حلم صعب المنال.

ان كل ماعليك فعله حقا هو تعلم فن السيرعلى الحبال !

 

بقلم الكاتبة: روان سالم – ( مصر )


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com