آخر ما رأتهُ عيناه في الشارع الشعبي المُقفر ، ساحة أفرغت من الناس عنوةً وبعض القطط التي تخلت عن وجبة عشاء لذيذة خوفاً من رشقات الرصاص المُتقطع ، ثم سواد الأحذية العسكرية فقط .
يتحرك أحد هذه الأحذية بمُحاذاة وجهه ، يبتعد قليلاً ومن ثم يُداعب ملامح وجهه بشدة حتى كادت جمجمته تخرُج مذعورةً من أذنه من شدة الأرتطام ، غمامةٌ سوداء تغشى كُلّ شيء ، ليسلم رأسه للأرض ولم يعُد يشعُر بشيء البتة.
قبل ذلك بساعة تقريباً كل شيء كان هادئاً جداً لدرجة تبعث على التشاؤم ، لم يدرك ذلك الفتى الذي جاء من محافظة حمص هارباً من تلك الأحذية السوداء ، والرؤوس الحليقة ، والذقون المشوهة للدين ، أن ماجاء هارباً من مُلاقاته هناك ينتظره هنا بدمٍ بارد .
كان شاهداً على المأساة لم يرى شيئاً لكنه سمع كل شيء تقريباً ، من أصوات التكبير ، وأصوات أخرى لاهثة تحث على الهرب والكثير من الشتائم اللاذعة ، صمتٌ رهيب استمر لعدة دقائق ، تعالى بعده صوت صراخ أنثى ، أدرك من شدة نحيبها أنها أمٌ فقدت ابنها أو تُقاوم ذلك المصير المفجع .
اختفى الصوت قليلاً ليعود أشد وطأة من ذي قبل ، تُغمغم بكلمات لم يفهم لها معنى ، لكنهُ في النهاية تجرأ وأخرج رأسه من النافذة ليرى امرأة تكاد تموت من فرط الصراخ ، لم يكتفوا بأن استباحوا حرمة أمومتها واقتادوا الفتى .
لم يعطوها فُرصة لوضع غطاء الرأس ، وفي تلك اللحظة عاد أدراجه إلى الداخل عندما رأى بعض النسوة يخبئن عريها ويساعدونها على الوقوف ، لأن أحدهم ضربها بكعب بُندقيته كي تكف عن اللحاق بهم … عادت إلى المنزل ، كي تُحصي سنين الغياب .
سنةٌ تتبعها أخرى والأم تنتظر ، لكنه لن يعود لإستشهاده قبل الوصول إلى المعتقل.
بقلم: محمد مجد عبدالوهاب الشيخة – ( سوريا )
1 التعليقات
Maimouna Abdelbaset
2016-10-07 at 4:07 ص (UTC 4) رابط التعليق
???
(0) (0)