|  آخر تحديث أغسطس 18, 2016 , 20:23 م

« حلو وحامض »


« روانـيـات »

« حلو وحامض »



مقالتي اليوم تكاد ان تكون مختلفة بكل الاشكال عن ما سبقها من كتابات, فاليوم سأميل قليلا للتحدث عن سيرة شخص معين لنتعلم منها أهمية التمسك بالأحلام , والتشبث بحبال الأمل للنهاية , و أهمية التغاضي عن كل ما يكبح عزيمتنا للوصول الى الهدف المرجو . من منا لا يعرف من هو هاري بوتر ؟ تلك الشخصية التي أّذهلت الجميع خلال السنوات الماضية , واضحت تمثل طفرة في تاريخ الادب وتاريخ السينما العالمية بتصدرها أعلى الايرادات في شباك التذاكر في كل أقطار العالم . في الحقيقة كثير منا لا يعلم القصة التي أفرزت أسطورة ” هاري بوتر ” , ولا يعلم مدى المعاناة التي لولاها لما كشف النقاب عن واحدة من أهم الروائع الادبية في العالم , حيث فاقت شهرة سلسة الروايات السبع التي كتبتها الروائية جوانا عن هذه الشخصية كل الحسابات وبيع منها ما يقارب ال 400 مليون نسخة. قصة النجاح الخارقة هذه كانت في يوم من الايام أقرب للفشل والتعثر في حبال الاحباط , فبعدما انتهت المؤلفة من مخطوط روايتها الاولى ” هاري بوتر وحجر الفلاسفة ” عام 1995 رفضت العديد من دور النشر نشرها , حتى قامت احدى دور النشر في لندن بالموافقة على نشرها بعد منح جوانا مقابل مادي كان هو الاكبر آنذاك لقاء شيئ تكتبه , والطريف في القصة ان مالك دور النشر طلب من جوانا ان لاتضع آمالا كبيرة على هذه الرواية , لأن كتب الاطفال عادة لم تكن تباع كثيرا آنذاك , وبعدها بعامين جرى مزاد علني حول حقوق نشر الرواية في الولايات المتحدة , ففازت بها دار ” سكولاستيك إنك ” , حينها فقط شعرت جوانا بأن كل عقباتها قد اضمحلت , وان الحلم اصبح قريب من مدى النظر.

لم يتجاوز عدد نسخ أول طبعة لرواية هاري بوتر اكثر من ألف نسخة عام 1997 , ولكن لم يمض اكثر من خمسة أشهر على صدورها حتى تبسمت الأقدار لجوانا وحصدت العديد من الجوائز تقديرا لمجهودها , واعترافا بنجاح الرواية على كل الاصعدة . وتوالت أجزاء هاري بوتر في الصدور , وبدأت العجلة في الدوران صعودا الى الأعلى , وحصدت جوانا مئات الجوائز لما حققته السلسلة من نجاح لا مثيل له , الى ان صدرت رواية ” هاري بوتر وكأس النار ” عام 2000 لتكسر مبيعاتها كل الحدود , ولتخرج روايات هاري بوتر للنور و ما أدراكم أي نور هذا ؟ فقد كان نورا مخلوطا بطعم النجاح واالمثابرة معا , جعلت جوانا اهم كاتبة روايات في العالم , بل و أغناهم أيضا , بعد ان كانت لا تملك بضع قروش لتشتري قوتها من الخبز والحليب  . هناك عبارة تنموية شهيرة جدا تقول : ” اصنع من الليمون شرابا حلوا ” وهي عبارة غاية في الأهمية , وقد تكون مستفزة لهؤلاء الذين يروون الظلام دامسا في كل الطرق ,  والمتشائمين أيضا , فهذه العبارة تعبر عن قصة ” جوانا ” التي استخدمت  المشاكل والمصاعب التي تعرضت لها في حياتها في صناعتها للعوالم الخيالية الساحرة في رواية ” هاري بوتر ” , فكانت بحق كمن صنع من ليمون حياته الحامض شرابا حلو المذاق , بل و أكثر من ذلك بكثير , فقد صنعت منه نجاحا باهرا فاق كل التوقعات , فعلى سبيل المثال , بطلة الرواية ” هيرميون ” تمثل شخصية الكاتبة نفسها أثناء فترة المراهقة , وحكاية هاري بوتر ومشاعره بعد فقدان والديه ترجمت من مشاعرها عندما توفيت والدتها بعد صراع طويل مع المرض  , وتلك الكائنات الشريرة التي تمتص أرواح ضحاياها والتي اسمتها ” ديمنتور ” جاءت نتيجة ما تعرضت له من مشكلات بعد انفصال زوجها عنها.

 

ان قصة جوانا تحمل في طياتها مئات المعاني التي يجب ان نعيها , لنعلم ان كل هؤلاء الناجحين لم يصلوا لذروة النجاح بمحض الصدفة , ولم يصلوا أيضا من أول مرة , بل قرروا ان يعيشوا حياتهم كما أرادو , وان يحولوها بما فيها من آلام وصعوبات الى احلام ونجاحات متتالية . وعلى الانسان ان يتذكر دائما ان الناجين والعظماء والأكثر تفوقا لم يكونوا بالضرورة الاكثر ذكاء ولا الاكثر علما وقوة , بل كانوا دائما الأكثر همة , والأكثر تركيزا على أهدافهم . يا له من شعور مشرق , و يا لها من فكرة جميلة مليئة بالأمل , بأنه عندما ينقشع غبار اللحظات العاصفة , وبعدما يتلاشى ضجيج الأبواق والطبول الفارغة , ويتساقط الذين لم يخلفوا أثرا حقيقيا, وتنقضي الأزمنة تباعا . لن يسفر نور الصباح الا عن هؤلاء الذين تركوا بصمة حقيقية في حياتهم وحياة الغير , و أما الزبد فيذهب جفاء.

 

بقلم الكاتبة: روان سالم – ( مصر )


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com