|  آخر تحديث مارس 8, 2016 , 22:17 م

« أخـلاق للبيـع »


بقلم الكاتبة: رحمة وجدي – ( مصر )

« أخـلاق للبيـع »



عظيمة هي القصة التي كتبها يوسف السباعي وجسّد بطولتها فؤاد المهندس فـهي قصة من الممكن أن تُروى في مختلف الأزمان والأماكن، لكن ما يحزن فيها هو توقيتها, فـالحديث عن انعدام الأخلاق أواخر الستينات يجبرنا على التصارح مع النفس والتساؤل: أي مشكلة تلك التي  وضعنا فيها أنفسنا ؟!

تخيل لو كان السباعي بيننا, ما الذي كان سـيكتبه؟ كيف سـيحاول مداوة زمنٍ أصبح فيه العيب مباح  فـفي مصر فقط استباحة العيب تتناسب طردياً مع عدد الأشخاص الممارسين له؟ وربما لـهذا السبب خرج المثل القائل: “إن خرج العيب من أهل العيب ميبقاش عيب” فـالمصريين حتى وإن كانت غاية المثل في الأساس الذم نفذوه بحذافيره كما لو كان مدحاً.

أكان يعاني السباعي من قلة الشجاعة في زمنه ؟ ماذا عن شبابٍ تلخصت شجاعتهم في تحرشٍ يرونه وكـأنه وسام على صدورهم ؟ سلوك أصبح  بـتفكيرهم  واجب على كل شاب يرى ما يثيره في الشارع فـينطلق لـيتدخل محاولاً إقناع نفسه بـأن ” من رأي منكم منكراً فـلـيغيّره بـيده ”  هذا إن كان ما يراه أمامه منكراً من الأساس ..

 

وماذا عن الذكاء؟ بـالتأكيد كان لـييأس من أشخاصٍ حصروا تفكيرهم في أن يحيوا حتى وإن عانى ذلك معاناة من حولهم مستعينين بـمنطق “أنا ومن بعدي الطوفان” فـكل فرد يسرق من الآخر بـإختلاف أعمالهم لكن يتفقوا في أنهم استعملوا ذكائهم في محاولة الكسب من الغير والرضا بـالمتاح  دون التفكير في حقوقهم التي لا يحظون بها وقد تغنيهم عن كل ذلك بل وقد تحرك ذكائهم في الإتجاه الصحيح تحدث السباعي عن انعدام المروءة ؟ ما رأيه في زمنٍ تُضرب فيه النساء وتُهان كرامة الشيوخ ويُقتل الأطفال ؟ بل والأدهي أن هناك أشخاص مثلي ومثلك يجدون المبررات لـفعل ذلك  بل وفي بعض الأحيان يشاركون واضعين بصماتهم على أوجه من هم بـالتأكيد أشرف من أن يعيشوا معهم على نفس الأرض بدون مبالغة الكاتب يستخدم قلمه لـمعالجة ما يراه فاسداً في مجتمعه , لكن السباعي كان بـالتأكيد لـيعتزل الكتابة لـمجرد محاولة الكتابة عن النفاق حالياً، فـهو الشيء الوحيد الذي تقدم فيه زمننا عن زمن السباعي بل وبـسنوات ضوئية  امتد لـيشمل كل القطاعات ولن يكون غريباً ان نجده يُدرّس مستقبلاً فـلـقد أصبح أسلوباً من أساليب حياة المصري , من أجل تجربة عملية للنفاق كل ما عليك فعله هو أن تبدأ يومك !حاولت بـالتأكيد أن أجد ما يجعلنا نتفاءل, لكن صعوبة الموضوع تكمن في عدم الرغبة في التغيير, النظرة لـلنفس على أنك لست الشخص الذي تستطيع ان تغير العالم فـتقبل أن تعيش بـالقوانين التي وضِعت والتي تجردك تدريجياً من الأخلاق , أعتقد أن حتى السباعي كان لـييأس من أحوال كـتلك التي نعيشها , لكن ما يبقيني متفائلةً ناظره لما تبقى من ماء في الكوب هم هؤلاء الحالمون بـوطن أفضل, هؤلاء الذين يُقتَلوا ويُضرَبوا ويُسبوا لكنهم ما يزالون قادرون على أن يحلموا..

 

نعيب زماننا والعيب فينا ”  النظرة للظروف وكـأنها السبب في كل ما نحن فيه , ومحاولة التهرب من المسئولية هو ما يبقينا على حالنا  بـحسب اعتقادي فـإن زمن المعجزات قد انتهى , وحتى نجد ذلك المكان الذي نستطيع شراء الأخلاق منه علينا أن نرهق أنفسنا ونختار الحل الأصعب, أن ننظر إلى أنفسنا, إن وضعنا في أذهاننا قوله تعالى “إن الله لا يغير مابـقومٍ حتى يغيروا ما بـأنفسهم” سـنعلم أن تأثيرنا هو كـتأثير الحجر الذي يرمى في الماء بمجرد أن نبدأ بـ التغير سـنجد كل ما حولنا يتغير بـالتدريج.. كل ما آمله هو أن نعي ذلك قريباً قبل أن نجد أنفسنا في وطنٍ منبوذٍ ” مغلقٍ لـعدم وجود أخلاق”..


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com