ستضافت مؤسسة دبي للمرأة معالي الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي في «الحوار الرمضاني»، الذي تم تنظيمه ضمن مبادرة «حوارات دبي للمرأة»، التي أطلقتها حرم سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، سمو الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم رئيسة مؤسسة دبي للمرأة، بهدف تعزيز الوعي بالأدوار المؤثرة للمرأة الإماراتية في مختلف القطاعات، والاستفادة من خبراتها وتجاربها الناجحة.
وقالت سمو الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم: إن «حوارات دبي للمرأة»، تأتي في إطار حرص المؤسسة على إطلاق مبادرات تحقق أهداف خطتها الاستراتيجية، وخاصة محوري تطوير القيادات النسائية، وتعزيز جودة حياة المرأة في المجتمع، من خلال مشاركة الخبرات في مختلف المجالات.
وأكدت سموها أن معالي الشيخة لبنى القاسمي نموذج ريادي ملهم للمرأة الإماراتية والعربية، التي استطاعت بتفوقها العلمي وعطائها المهني والوطني، تحقيق نجاحات ملهمة ومتميزة في العديد من المجالات، فضلاً عن دورها في حكومة دولة الإمارات، من خلال توليها 4 مناصب وزارية عن جدارة واستحقاق، وستظل إحدى الرائدات اللاتي مهدن الطريق لأخريات حملن راية النجاحات الممتدة والمتواصلة للمرأة الإماراتية.
وأضافت سموها: معالي الشيخة لبنى القاسمي واحدة من الشخصيات الوطنية والاقتصادية البارزة محليا وعالميا، ولها بصمة مؤثرة في الاقتصاد الوطني والتجارة الخارجية والتنمية والتعاون الدولي، بالإضافة إلى ملف التسامح والتعايش، وأدعو كل الإماراتيات الطموحات إلى الاستفادة من تجربتها الملهمة، لافتة سموها إلى أن الاستفادة الصحيحة من التجارب النوعية، تختصر الكثير من الخطوات على طريق النجاح والتميز.
محطات هامة
وعقد «الحوار الرمضاني» في مقر مؤسسة دبي للمرأة، بحضور مريم ماجد بن ثنية النائب الثاني لرئيس المجلس الوطني الاتحادي، وموزة سعيد المري عضو مجلس إدارة مؤسسة دبي للمرأة، ونعيمة أهلي المدير التنفيذي للمؤسسة بالإنابة، وسلطانة سيف مدير إدارة تطوير المرأة، وعدد من القياديات بالدوائر الحكومية والقطاع الخاص، وأدارته الإعلامية صفية الشحي.
وتحدثت معالي الشيخة لبنى القاسمي خلال الحوار الرمضاني، عن أهم المحطات في حياتها المهنية، منذ تخرجها في جامعة تشيكو بولاية كاليفورنيا «CSUChico» بالولايات المتحدة الأمريكية، وعملها بالقطاعين الخاص وشبه الحكومي، مروراً بتوليها 4 مناصب وزارية في حكومة دولة الإمارات، والقيم الأساسية التي استمرت كمعايير حاكمة لها طوال هذه المسيرة.
وفي بداية الجلسة، توجهت معالي الشيخة لبنى القاسمي بالشكر لسمو الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم، لدعوتها للتحدث في «الحوار الرمضاني»، مؤكدة أن سموها شخصية ملهمة في دعم المرأة، وقالت: «فخورون في الإمارات بوصولنا إلى المركز الـ 7 عالمياً في مجال التوازن بين الجنسين، وهذا إنجاز غير عادي لدولتنا، ونتاج جهود كبيرة، وقيادة ناجحة لسمو الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم لهذا الملف الحيوي، وبفضل خطط العمل والبرامج الاستراتيجية التي وضعتها سموها لتحقيق رؤية وأهداف قيادتنا الرشيدة، التي منحت دعم المرأة كل الاهتمام ».
وثمنت معالي الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي أول وزيرة في حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، الدور الكبير الذي يضطلع به مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين، في تقليص الفجوة بين الجنسين في قطاعات الدولة كافة، من أجل تحقيق تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة، للمشاركة في عملية التنمية المستدامة، وتحقيق رؤية الدولة، والتأثير محلياً وإقليمياً ودولياً في ملف التوازن بين الجنسين، لافتة إلى أن دعم المرأة يعزز قصة الإمارات الملهمة.
وعن أول تجربة قيادية في حياتها، قالت إن القيادة دائماً ما تكون على كافة المستويات، من أعلى المناصب إلى أقلها، في مختلف المجالات، مشيرة إلى أنها عملت في عدة مؤسسات قبل اختيارها وزيرة للاقتصاد والتخطيط في عام 2004.
حيث بدأت عملها كمهندسة تكنولوجيا معلومات، بإحدى شركات القطاع الخاص براتب 5 آلاف درهم، ثم عملت في جامعة الإمارات، وفي عام 1993، انتقلت للعمل في سلطة موانئ دبي، وقالت: «عملت مع فريق عمل متميز، على استراتيجية لرفع مستوى الأداء بموانئ دبي لمكانة عالمية، من حيث سرعة تناول الحاويات بالاعتماد على التقنية.
حيث كانت هذه أول تجربة قيادية غير عادية بالنسبة لي، وفخورة بأنني كنت أول امرأة تتولى فيها منصب مدير للتقنية، وأعتبر أن هذه التجربة التي استمرت 7 سنوات، بقيادة سلطان أحمد بن سليم رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة موانئ دبي العالمية، من التجارب القيادية المميزة في حياتي وأعتز بها كثيراً»، معتبرةً أن «موانئ دبي جامعة حيوية للتعلم، كما كانت التقنيات التي تم تطبيقها في ذلك الوقت جزءاً من نجاح الشركة التي أصبحت في ما بعد تمتلك وتدير شبكة واسعة من الموانئ ومحطات الحاويات في قارات العالم الست».
وعادت معالي الشيخة لبنى القاسمي إلى مرحلة الدراسة الجامعية بالولايات المتحدة، حيث درست تقنية المعلومات عن حب وشغف، بعد تخرجها في الثانوية العامة بتفوق في دولة الإمارات، مشيرةً إلى أن التكنولوجيا في ذلك الوقت لم تكن على النحو الحالي من الإقبال الكبير، خاصةً من قبل الفتيات، مؤكدةً أن دعم وتشجيع أسرتها لاختيارها هذا التخصص الدراسي، كان له دور كبير في تفوقها به.
والاستفادة منه كثيراً في حياتها العملية، وشددت على أهمية حب التخصص والانضباط والالتزام، كركائز هامة للنجاح والإبداع، مؤكدةً في ذات الوقت أن النجاح وتحقيق إنجازات مفيدة في العمل، أهم بكثير من البحث عن الشهرة.
وانتقل الحوار إلى عملها كأول امرأة في الإمارات تتولى منصباً وزارياً في عام 2004، فقالت إن هذا الأمر كان لحظة فارقة في حياتها، ولكنها قبل ذلك عملت لمدة 12 سنة في موانئ دبي، وقالت معالي الشيخة لبنى القاسمي إن «صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، هو معلمي الأول في مسيرتي المهنية والقيادية.
فسموه قائد استثنائي، تخرج في مدرسته عدد هائل من القياديين، وكل منهم يعمل معه قياديون عديدون من النساء والرجال، وهذا هو القائد الحقيقي الذي يحرص على بناء قيادات عديدة.. كما أنني أعتبر نفسي محظوظة، بأنني عملت في حكومة الدولة ومجلس الوزراء لمدة 13 سنة، تحت قيادة سموه، حيث تعلمت منه الكثير والكثير».
وأشارت إلى أنها كانت أول امرأة تفوز بجائزة الموظف الحكومي المتميز عام 1999، ثم تم تأسيس تجاري دوت كوم عام 2000، كأول شركة تعمل في مجال التجارة الإلكترونية باللغة العربية، حيث تولت منصب الرئيس التنفيذي، وقالت:
«كان هذا القرار نقلة نوعية أخرى في حياتي المهنية، حيث منحني صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، مسؤولية كبيرة مع بدايات الحكومة الإلكترونية في دبي، لقد تعلمنا من سموه أن يكون تفكيرنا استباقياً، وهذا ما ساعدنا في تحقيق ريادة دبي إقليمياً في مجال الحكومة الإلكترونية، فرغم أن مستشارين وخبراء عالميين رأوها فكرة مستحيلة النجاح.
وأن مصير الشركة هو الفشل، إلا أن الإيمان بالفكرة والإصرار على تنفيذها، والتعلم في مدرسة اللامستحيل لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، كان وراء نجاح الشركة، وارتفاع قيمتها من 5 ملايين دولار عند التأسيس، إلى 70 مليون دولار خلال 3 سنوات فقط، فوراء قصة النجاح هذه فكر ملهم ورؤية استباقية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وإيمانه بالأفكار الإبداعية، ومنحه الثقة لفرق العمل».
وأضافت أن اختيارها في عام 2004، كأول امرأة إماراتية في منصب وزاري، كان لحظة فارقة في حياتها، فبعد أن كانت تقود فريق عمل من 19 موظفاً بتجاري دوت كوم، وقبل ذلك قيادتها لـ 90 موظفاً في إدارة تقنية المعلومات بموانئ دبي، أصبحت قائدة لنحو 300 موظف تم دمجهم بين وزارتي التخطيط والاقتصاد في وزارة واحدة، وقالت:
«في البداية انتابني شعور بالقلق والخوف من هذه المسؤولية الكبيرة، لكن هذا الشعور سرعان ما زال، حينما تذكرت أن القيادة الرشيدة هي التي اختارتني لهذا المنصب، وأن القيادة في الإمارات دائماً سند وظهر للقادة، وتأخذ بيدهم للنجاح، وكان هذا التحول في التفكير والشعور بالخوف من المنصب الوزاري، إلى الثقة بالذات، النابعة من ثقة القيادة في الكوادر الوطنية، لحظة فارقة بالنسبة لي».
وأكدت معالي الشيخة لبنى القاسمي أن ثقة القيادة الرشيدة في قدرات المرأة الإماراتية والقيادات النسائية، ومنحهن المسؤولية، وراء نجاحهن، مضيفةً:
«من حظنا في الإمارات أن القيادة التي تضع ثقتها في شخص وتوليه مسؤولية معينة، تظل سنداً له ولا تتركه للفشل، وهذا مقوم رئيس للنجاح في المناصب القيادية، ولهذا وصلت الإمارات لمكانة عالمية متقدمة متفوقة على كثير من دول الغرب، في مجالات عديدة، منها التكنولوجيا والفضاء.
وأضافت: «مع كل ما وصلت إليه المرأة الإماراتية من نجاح وتفوق، إلا أنها تظل متمسكة بتقاليدها وأخلاقها الإماراتية، التي نعتز ونفخر بها، لأن مؤسسي الدولة كانوا قادة بالفطرة، ويحبون الخير لشعبهم ولكل شعوب العالم. إن ما وصلنا إليه حالياً من مكانة عالمية مرموقة، هو نتيجة لعزيمة الآباء المؤسسين لدولة الإمارات، وما أرسوه لدينا من قيم ومبادئ».
وتطرق الحوار مع معالي الشيخة لبنى القاسمي إلى فلسفة القيادة من وجهة نظرها، فقالت: «في كل مجال عملت به، سواء في موانئ دبي، أو تجاري دوت كوم، أو بحكومة الإمارات، هناك مبدأ هام ظل حاكماً وملازماً لي، هو البعد الإنساني، والإحساس بفريق العمل، والاعتراف بدوره وجهوده في تحقيق النجاح، فهو ليس نتاج جهد فردي لقائد العمل، بل قبله لفريق العمل، مؤكدةً أن الإنسانية والمصداقية والإحساس بفريق العمل وأحوالهم الاجتماعية، أمر مهم في القيادة الناجحة.
وأضافت: «لم يعد هناك مجال عمل حكر على الرجال، وأعتبر أن جيلي كان جسراً لفتيات أخريات واصلن المسيرة من بعدنا في مختلف المجالات.. حالياً توجد آفاق واسعة أمام الفتيات، أكثر مما كان لجيلنا، وعليهن استثمار هذه الفرص، بالاستفادة من تجارب الأجيال السابقة.. المجال مفتوح للطموحات، وأنا سعيدة بأنهن يتمتعن بطاقة إيجابية، وإقبال على النجاح والإلهام والفكر الابتكاري».
وعن التحديات والفرص أمام المرأة في الوقت الراهن، قالت إن وجود التحديات في بيئة العمل أمر طبيعي، وعلى الإنسان أن يتعامل معها بإيجابية وإصرار على النجاح، مضيفةً أنها عملت في نحو 10 وظائف، وبالتأكيد لم يكن الطريق فيها مفروشاً بالورود، وتعاملت مع كل وظيفة على أنها مرحلة تمهيدية للوظيفة اللاحقة وقالت:
«على الإنسان أن يقيم نفسه وكفاءته في كل وظيفة، ومدى إمكانية الاستمرار فيها أو التوقف والاتجاه لوظيفة أو مجال آخر، وهذا شيء إيجابي».
كما أكدت على أهمية التعلم وخوض التجارب والانفتاح على الثقافات الأخرى في حياة الإنسان، مع حفاظه على شخصيته وتقاليده، وقالت: «هذا ما فعلته خلال فترة دراستي الجامعية بالولايات المتحدة الأمريكية لمدة 4 سنوات.. حرصت خلالها على التعلم من الثقافات التي عايشتها، جنباً إلى جنب مع التعليم الأكاديمي، وهذا أفادني كثيراً في حياتي المهنية والشخصية».
واعتبرت معالي الشيخة لبنى القاسمي أن دور المرأة كأم، هو أعظم دور قيادي في حياة المرأة، فهي تبني وتعد أجيالاً، وتغرس فيهم القيم والمبادئ.
وعن تعزيز حضور وفاعلية المرأة الإماراتية بالمناصب القيادية في القطاع الخاص، مثلما تحقق في القطاع الحكومي، قالت إن تعزيز وجود المرأة في مجالس الإدارة أمر مهم.
وهو ما نخطو نحوه حالياً، مشيدةً في هذا الصدد بجهود مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين، والتعاون القائم مع هيئة الأوراق المالية والسلع، وتوجهت بالنصيحة للقياديات المؤهلات بأن عليهن السعي للترشح لعضوية مجالس الإدارة، بالتقدم لشغل هذه المواقع في الشركات التي لديها قواعد بيانات بهذا الصدد، معربةً عن ثقتها في نجاح المرأة وتأثيرها بهذه المناصب.
وأشارت إلى أهمية مراعاة الجانب الإنساني في العمل، وتعزيز مبدأ الفريق الواحد، وذكرت قصة لموظف من الجالية الهندية، حين تعرضت والدته لوعكة صحية، استدعت سفره لموطنه للاطمئنان عليها، في حين كانت ظروف العمل تتطلب وجوده وعدم غيابه لحالة طارئة في العمل، إلا أنها أصرت على أن يسافر للاطمئنان على والدته.
وبعد عودته إلى الإمارات بأسبوعين لمواصلة عمله، توفيت والدته، الأمر الذي جعله يتذكر بامتنان هذا الموقف الإنساني، لافتة إلى أنها لم تكسب خلال مسيرتها العملية التي امتدت على مدار 35 عاماً، تنقلت خلالها بين 10 وظائف، سوى حب الناس والسمعة الطيبة، مؤكدة أن هذا هو المكسب الحقيقي لأي قيادي.