في سحابٍ عميقٍ جداً بالسكون، وفجرٍ أحمرٍ يمدُ ثوبهُ لأنظارٍ تعشق التأمل،في أرضٍ غاب عنها الصوت والجسد،ولم يمرُ من فوقها سوى رنين العصافير وبعضُ هواءٍ يسحبُ معه شهقاتٌ من روحي المنهكة من وساوسِ حروفِ البشر،وأزهارٍ تحاولُ ألا تنحني مع مرور قطراتِ الندى فوق مخملها الرقيق ، من جرفٍ عالٍ جداً وصخرةٍ لا أدري كم جلس عليها من العالمين،
وقفتُ أتأملُ (أنا لمن انتمي).
ربما في لحظاتِ الحزنِ الشديد أنا أنتمي لكرسي الحديقة الذي فررت إليه آلافَ المرات حيث مددتُ جسوراً إلى أقصى نقطةٍ في الأرض عبر عيوني التي أرسلت لغةً بدموعٍ تحوي مئاتَ الشكاوى التي لم يستقبلها ويتحملها سوى هذا الكرسي.
_وربما في وقت غبطةِ الفرح التي أمرُّ بها أنا أنتمي لشاطئ البحر الذي أركض عبره مئات الكيلومترات وأصرخ بأعلى صوتي بضحكاتٍ جنونية تكادُ تفزع سكان البحر للرقصِ والغناءِ معي،وها أنا أمسكُ رملَ البحرِ وأنثره فوقي وتزدادُ وتيرة ضحكاتي وكأنَّني حصلتُ على كنزِ الحياة،
_وأحياناً مزيجٌ من الضدين من نارِ الحزن وثلجِ السعادة يجتمع في صورةٍ تتوقفُ عندها لساعاتٍ طويلة تتذكرُ كم تعني لكَ هذهِ اللقطة وكأنَّها لحظاتٍ في جنةٍ وأغوتك تلكَ القرارات التي أرسلتكَ إلى عالمٍ لا يشبه معافاتك.
_وفي أوقاتِ الحبِّ أنا أنتمي للشارعِ الذي جمعني بذكرياتٍ جعلت منها سمفونيةً تاريخية لا يمكن المللَ منها حتَّى وإنْ طاف الزمانُ بي عمراً فوق عمري ،وربما أنتمي لفصلٍ حصلَ فيهِ أحداثاً جنونية للعشقِ الفاضل الذي جعلَ مني أنثى تستحق الغرور على حبيبٍ أصابه الجنون وهو يلاحق وشاحها وخطواتها،وربما رسالةً بردٍ مصيري جميل، بعطرٍ ساذج لكنه أصبح يسير في دمي كأنَّه أكسير الحياة.
وفي لحظاتِ الفقر أنتمي للأرض التي تحتويني وتسقيني من ماءِها وتطعمني من جواهر ترابها،كما أنَّني من المحتمل أن أنتسب لمعطفٍ مثقوب في أيامِ البرد الذي أوقف سير عروقي،فأصبحَ هذا المعطف صديقي الصدوق .
_ومن الممكن أن أرجع في ومضات الجشع إلى شغفِ المال الذي خزقَ قلبي بفراغاتٍ أبعدتني عن حريَّتي واحترامَ العالم لجوهري المفقود.
-وعندما أشّعر بالفزع ألجأُ لضحكاتِ أطفالٍ لونهم المفضل هو الأبيض الذي لا يقطن فيه نقطة سواد ولا يشوبه الرمادي ولا يستطع تحمله أيُّ لونٍ آخر.
-في خيباتي ربما أمشي في شارعٍ مظلمٍ مع عبَرَاتٍ شققت وجنتي ،فأنظر إلى تلك الفتاة التي جلست سنين على نفس الكرسي الخشبي تبيع المناديل ،وفي كلِّ مرةٍ يمزقُ ثوبها ذلك المسمار الذي كلما دقته بقلبِ الخشب يصرُّ على الخروج لتمزيقِ حتى جلدها،وهي عازمةٌ على خياطةِ ذلك الثقب في كلّ مرة،عندها أعرف أنَّ جميع خيباتي عليَّ أن أجمعها وأدفنها في أعمقِ نقطة،لأنَّ لا إحباط أكثر إيلاماً من سكونها وثباتها مع كلِّ هذا الصعق واندثار المشاعر مع طوفان كل هذا العدد من البشرية ولا وجود حتَّى لإصبعِ إنسانٍ امتد لها وتمكن من تزيين فمها بابتسامةِ أملٍ مؤقت ،إنَّني أرجع لها فهي جعلتني أنسى إخفاقي.
الإنتماء ياسادة غير مشروطٍ بقلبٍ ودم،ربما تنتمي لأشياء أنتيكية بلا جلدٍ ولحمٍ ودم،الإنتماء أين تجد روحك تحلق وتعيش من جديد ،وأين تجد شعوراً يخلقُ فيك إنسان،وأين تطيرُ لدنيا لم ترتكب معصيةً فيها،وسلاماً وأماناً لروحنا التي لا زالت تبحثُ عن أشياءٍ للإنتماء إليها.
بقلم: سلام القواريط