عندما يرحل العظماء والقادة المخلصون، تنفطر القلوب ألماً، وتبكي العيون حزناً، الخسارة كبيرة، والمصاب جلل، برحيل خليفة، خليفة زايد، وساعده الأيمن في بناء دولة الاتحاد، شريك التأسيس، وقائد مرحلة التمكين، سلّم الأمانة ورحل، بعد أن حمل آمال وطموحات وطنه وشعبه، فحقق المعجزات.
اليوم، لا نخسر قائداً فذاً فقط، بل والداً حنوناً، سكن العطاء قلبه ونهجه، فشمل جميع أبناء الوطن، وامتد خيره باسم الإمارات، إلى الملايين من حول العالم، فالراحل الكبير، جسد حقيقة قيادته وانتمائه لوطنه، وقضايا أمته، ليس عبر اسمه المجرد، بل عبر مسيرة حياته العامرة، وتاريخه الحافل، الذي يشهد على إرادته وتصميمه في إطلاق العنان لمسيرة النهضة، التي بنى قواعدها مع المؤسسين، ثم رفع البنيان، حتى شاهده العالم كله، وحتى أصبح اسم الإمارات مرادفاً للنجاح والتميز والعطاء، والتسامح والسلام، وارتقى بوطنه إلى قمة المجد والعطاء والازدهار، ليتقدم بشعبه إلى مصاف الأمم.
بين دفتي كتاب حياته، كل معاني وصور الحكم الرشيد، والعطاء والإخلاص، والإرادة والتصميم، عمل ليل نهار لخدمة قضايا شعبه ووطنه وأمته والإنسانية، وحافظ على المبادئ الناصعة، والقيم النبيلة، التي تأسست عليها الإمارات.
وهو، بدون جدال، في المرتبة الأسمى التي تليق بتفرده في قيادة وطنه، حتى كسب قلوب شعبه، أحبهم وعمل لأجلهم، وسخّر حياته لخدمتهم، فبادلوه العطاء، بالانتماء والإخلاص والولاء، فكانت الإمارات بهذا العز والمجد والسؤدد، معادلة وطنية راسخة، كبيرة بمعانيها، رائعة في جوهرها وصورتها، فكتبت قصتها بمداد الذهب والمجد والفخار.
لا نبالغ إذا قلنا إن رؤية ونهج خليفة، موسوعة في التنمية والعطاء والإنسانية، طبعت بصماتها المؤثرة كل زوايا الوطن، وزرعت في أركانه بذور النهوض الواعد بالمفهوم الحقيقي، وتركت آثارها العميقة في المسيرة الوطنية، وامتدت في دوائر تكبر كلما ابتعدت، ليصل تأثيرها الإيجابي بعيداً، إلى آفاق العالمين العربي والإسلامي، والساحة الدولية، لتجسد فترة حكمه كل أشكال القوة والعزم، والثبات والإصرار، في متوالية فريدة، على صياغة نموذج مثالي في النهضة، وبرمجة كل الإمكانات والقدرات والموارد، من أجل إعلاء شأن شعبه وأمته.
من الصعب رثاء قامة كبرى، وقائد فذ، ورمز للوحدة، أقام تجذيراً عميقاً في الوعي الشعبي والوطني، لكل معاني الاتحاد، حتى غدت لحناً تعزف حروفه، وتطرب لأنغامه أجيال الوطن، ففي عهده، تقدمت الإمارات إلى مصاف الدول المتقدمة، وباتت تلعب دوراً بارزاً في تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي، وتتصدى للقضايا والتحديات العالمية، إيماناً بدورها الإيجابي، وحقها في المساهمة في بناء الحضارة الإنسانية، بعيداً عن الصراعات والتناحر والحروب، بل بتبني قيم الحضارة والانفتاح والتعاون.
فقدنا رمزاً من أعظم رموز الوطن، ومن أبرز قادة الأمة في العصر الحديث، رمزاً يشهد له الحاضر، وسيشهد له التاريخ، بالعبور بالوطن إلى مرحلة تمكين ذهبية، شكلتها إرادة لا تلين، صاغ فيها حالة وطنية، تضمن عز البلاد، وتوجه بوصلتها إلى موقعها الطبيعي بين الأمم والشعوب.
رحل خليفة إلى جوار ربه، غاب جسداً، لكنه حاضر فينا، برؤيته لمستقبل هذا الوطن، رؤية لا تموت، بل تنبض في كل أجيال الإمارات. رحم الله خليفة، والعزاء لشعبنا وأمتنا، ولكل محبي الإمارات وأصدقائها، ويقيننا أن حملة الراية من بعده، يؤمنون بنفس النهج، نهج المؤسس زايد، رحمه الله، ويقيننا أن الإمارات على نفس العهد والوعد، ستبقى كما أرادها خليفة، بستاناً عامراً بالسلام والتسامح والخير والعطاء، وليبقى الراحل، رمزاً دائماً للوطن.
بقلم: منى بوسمرة