البلاستيك, مادة و أدوات تدخل في العديد من استخداماتنا اليومية من أكياس تسوّق إلى أدوات المطبخ و حفظ الأطعمة و الألعاب و الأثاث المنزلي و غيرها الكثير. بحث الإنسان عن الراحة و السرعة الني توفّرها الأدوات البلاستيكية غير أبه بمضار سلوكه البيئي غير المسؤول حتى وصلنا إلى مرحلة الاستغناء عن القوارير الزجاجية واستبدلناها بتلك البلاتستيكية. ببساطة، فشلنا بترشيد استخدامنا للبلاستيك في كل جوانب الحياة فألحقنا الضرر بالبيئة و الصحة على حد سواء.
ينتج العالم سنويا اكثر من 300 مليون طن من النفايات البلاستيكية , نصفها للإستخدام الفردى والتي تهدّد بشكل تصاعدي الوضع البيئي بسبب سوء إدارتها و تركها لمجاري الأنهار و المحيطات و البحار, والتى تؤدى الى التغيّر الفيزيائي و الكيميائي في البيئة البحرية فمشهدية النفايات البلاستيكية المبعثرة على الشواطئ هي حاضرة على الدوام.
تغطي المياه 70 % من مساحة الكرة الأرضية وتشكل مياه المحيطيات و البحار 79% منها و هي تعاني من تلوّث مستفحل في البيئة البحرية نتيجة الأنشطة البشرية و النفايات المتراكمة التي أدّت إلى تضرّر هذه المياه و كل ما فيها من كائنات حيّة. و الجدير بالذكر أنّ 70 % من الفضلات البحرية هي عبارة عن بلاستيك غير قابل للتحلّل و من المتوقع أن تتضاعف هذه النسب ثلاث مرات خلال عقد من الزمن حيث يؤكد العلماء احتمالية أن يبلغ الوزن الكلي للبلاستيك في المحيطات عدد الأسماك بحلول العام 2050 خاصة بعد جائحة كورونا التي أدت إلى طفرة في استخدام البلاستيك بشكل كبير بما في ذلك انواع الكمامات و تجهيزات الحماية الشخصية و أدوات الاستخدام لمرة واحدة.
إن سهولة التعامل مع المنتجات البلاستيكية و تعدّد استخداماتها في الكثير من الأحيان أدت إلى زيادة استهلاك هذه المنتجات التي لم تترافق مع بنى تحتية وطنية في الدول لإدارة النفايات على نفس وتيرة إنتاجها.
في العديد من دول أسيا مثل تايلاند و ماليزيا, أكثر من 57% من المواد البلاستيكية القابلة للتدويرتهدر قيمتها المادية و التي تقدّر ب 6 مليارات دولار سنويا في الوقت الذي تقدّر نسب إعادة تدوير البلاستيك في هذه الدول بين 18 % و 28% فقط.
فلا بد من وضع استراتيجيات و إتخاذ إجراءات للحد من استخدام البلاستيك و التشجيع و التحفيز على إعادة التدوير أو الاستخدام. من هنا, لا بد من تضافر جهود القطاعين العام و الخاص مع فرض سلوك و أسلوب تعامل مع البلاستيك مختلف عن السابق عن طريق تبني برامج وسياسات بيئية مستدامة تعمل على رفع نسبة الوعي المجتمعي إزاء البلاستيك و مضاره و كيفية الاستغناء عنه مع تأمين البدائل التي تقوم بوظيفة المنتجات البلاستيكية بطرق صحية أمنة و تكلفة بسيطة.
عربيا، شواطئنا العربية و مياهنا الإقليمية و أنهارنا و مكبات النفايات الممتدة على مساحات كبيرة من الأراضي تعجّ بالنفايات و القواريرالبلاستيكية حيث يبلغ إنتاجنا من البلاستيك 20 مليون طن سنويا. أرقام مهولة تضع كل الحكومات العربية أمام إلزامية تبنّي خيارات أفضل لإدارة النفايات و خاصة البلاستيك و الشعوب العربية إلى تعديل ممارساتها اليومية التي تعتمد على البلاستيك بشكل أساسي.
من بين الحلول الحقيقية الفاعلة, لا بد من إصدار القوانين التي تحدّ من استخدام البلاستيك خاصة تلك المنتجات ذات الاستخدام الواحد مثل أكياس النايلون و إيجاد البدائل عنها. كذلك الأمر, لا بد من تحفيز القطاع الخاص على إنشاء معامل التدوير لإنتاج منتجات بلاستيكية جديدة خاصة أنّ هذا النوع من الصناعات و المنشأت ذو كلفة عالية. حملات التوعية و الإرشاد بين المواطنين في العالم العربي هي ضرورة ملحّة للتخفيف من إنتاج البلاستيك والتشجيع على استبدال البلاستيك بمنتجات أخرى أو أدوات بلاستيكية متعددة الاستخدام. في قراءة سريعة و تحليل بسيط لبعض الاستفتاءات الشعبية حول مضار البلاستيك, نتفاجأ بجهل كبير و محدودية المعلومات حول مخاطر البلاستيك على صحة الإنسان و البيئة.
التغيير الفكري السلوكي الفردي من خلال التوعية و التثقيف هو أساس لأي حركة أو نشاط تغييري على الصعيد الوطني و حتى الإقليمي.
كل تلك الحلول و غيرها و التي يجب أن تتوافق مع الأطر المؤسسية و التقنية و الكوادر الفنية اللازمة لا بد أن تبصر النور من خلال توجّه عربي موحّد يرسم خطّة عملية تحمل شعارا أوحد ” صفر بلاستيك في العالم العربي”.
بقلم : أ.د. مصطفى حسين كامل
استاذ بعلوم القاهرة ووزير بيئة مصر الأسبق