|  آخر تحديث أبريل 24, 2021 , 2:04 ص

رمضان رياضة الأرواح


رمضان رياضة الأرواح



 

كنا صغارا عندما سمعنا لأول مرة كلمة رمضان ، لم ندخل المدرسة بعد ، قالت لي أمي صومي درجات الجامع ، أي امتنع عن الأكل والشرب حتى منتصف النهار ذلك هو رمضان ، كبرت وكبر مفهومه معي منذ الطفولة.

 

شهر يختلف عن باقي أشهر السنة، اشتق اسمه من المشقة من رمض الصحراء ،هو ردة فعل إيمانية من العبد إلى رب الكون (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فلم نكن الفريدين ولا المنفردين في صوم شهر رمضان، إشارة من الخالق إلى اليهود والنصارى ، كان لهم صومهم الخاص بهم يختلف عن صومنا. ليس الصوم عن الأكل والشرب فقط هي مدلول الصوم بل ما جرى مع مريم البتول أمر يدل على الصوم من نوع آخر ، إنه الصوم عن الكلام حين يكون الصمت أقوى من الكلام ( وإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) وما جرى مع سيدنا زكريا عندما طلب آية من الله ( قال ربّ اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ) .

 

 

لرمضان طقوس اجتماعية ونفسية رائعة يعيشها الواحد منا بكل تفاصيلها ، فيه نمتنع عن الأكل والشرب ونكبح غرائزنا ، نغض البصر ونحفظ اللسان نعطف على الفقير نصل القريب والبعيد نتبادل معهم الرسائل النصية ، نستمع بكل خشوع للقرآن الكريم ، تنتظم أوقات صلاتنا وتزدحم المساجد بالمصلين المؤمنين منهم والغافلين .

إرهاصات كثير تسبق شهر رمضان فشهر رجب وشعبان تهيئة نفسية لشهر الخير والبركة ففي رجب صوم وفي شعبان صوم ، الأيام البيضاء والنصف من شعبان ، ماهي إلامقدمات للصوم وتهيئة للنفس تقبلا له وتدريبا على مهاراته الخاصة .

لرمضان حكاية جميلة مع الروح ، فهومختلف عن باقي أنواع الصوم ، فمن صام عن الأكل والشرب ولم يمتنع عن كتم غرائزه الأخى ، كأنه لم يصم ولا ينال الرحمة ولا المغفرة من الله كما وعد الصائمون ، هذا الربط العجيب بين الماديا ت والروحانيات في هذا لشهر الفضيل يشبه ارتباط الروح بالجسد ، فلا غنى للواحد عن الآخر .

ففي هذا الشهر يصحو الغافل من نومه ، تلين القلوب القاسية ، تبدأ المراجعات في العلاقات الاجتماعية ، تصفد الشياطين ، يكظم الناس غيظهم وترتسم الابتسامات على وجوههم ، يلتقي القريب بالبعيد ، تحل الكلمة الطيبة مكان الكلمة الخبيثة ، أي تراجع أو أي اعتذار عندما تسمع من الصائم (( اللهم إني صائم )) حين يحيد ولو قليلا عن جادة رمضان .

ما أروع أن ينتصر الإنسان على نفسه المادية، فمحاربة النفس هي الجهاد الأكبر ، فمن يتخرج من مدرسة الصبر في رمضان ، فقد نال شهادة لا تعادلها شهادة ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ).

إن النفس المطمئنة هي النفس التي تولد في رمضان ، فعندما نغمض عيوننا عن كل حرام ونصم آذاننا عن كل كلام قبيح نكون قد تلقينا دروسا في أعظم مدرسة روحانية لا يوازيها مدرسة على وجه المعمورة

أيها الصائم وأيتها الصائمة اجعل من هذه الفرصة التي ربما لا تعوض في قادم الأيام منهجا حياتيا تشعرك أن كل أيامك هي رمضان ، ولاتنسى وعد الباري عزّ وجل (( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي )) فعليك الارتقاء بها بعيدا عن الصفة الحيوانية إلى تلك الروح النقية الصافية المتحلية بالمبادئ السامية.

 

 

 

 

بقلم: د. آمنة الظنحاني


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com