بقلم: اللواء دكتور/ محمود ضياء
إستشارى الدفاع والأمن القومى
دائماً وأبداً كلما أردت التواصل مع حضراتكم حول تحليلى ورؤيتى لما يحدث من تطوير أو مشروعات أو قرارات أبحث فى علاقتها بالأمن القومى 00 فالأمن القومى هو الشغل الشاغل للقيادة السياسية المصرية ولى بصفة خاصة نتيجة لدراساتى المتعددة فى هذا المجال وخبرتى أيضاً 00 فهل المشروع القومى للتأمين الصحى يحقق ويحافظ على الأمن القومى.
بكل تأكيد الأمن الصحى أحد مرتكزات الأمن القومى لأى دولة 00 فهل تتوقع أن يكون لديك إنتاج فى المصانع من عمال لا يتمتعون بصحة جيدة 00 هل سوف تمتلك قوات مسلحة وعناصر أمنية قادرة على حماية أمن الوطن وهم من المرضى ، وقديماً منذ أكثر من ألفى عام قال الشاعر الرومانى “جوفينال” المثل المشهور “العقل السليم فى الجسم السليم” والذى إتخذه الناس شعاراً حقيقياً وفكرة لا تقبل النقض على مدار العقود الماضية 00 فالتأمين الصحى التى تهدف الدولة لتحقيقه حالياً يهدف لتوفير وإتاحة الرعاية الصحية لكافة المواطنين الذين يعيشون فى الدولة “الريف والحضر” على حد سواء من خلال تقديم خدمات صحية متميزة بسرعة وسهولة مع توفير إمكانية التواصل مع المتخصصين فى المجال الطبى بأقل تكلفة وبالسرعة التى تحافظ على حياة المواطنين.
وفى البداية دعونا نتفق أن الحق فى الصحة هو حق أساســى من حقوق الإنســان، تحميه الإتفاقيات والمواثيق الدولية والدســتور المصرى، حيث تنص المادة 18 مــن الدســتور المصرى لعام 2014 بأن “لكل مواطن الحق فى الصحــة وفى الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وإنتشارها الجغرافــى العــادل”، وهنا تجدر الإشــارة إلي أن الهدف الرئيســى من المشروع القومى للتأمين الصحى هو الحفاظ على صحة المواطن وتوفير الخدمة الطبية المتميزة بصورة علمية وبما يساهم فى الإرتقاء بالصحة العامة للمواطنين والحد من فرص إنتشار الأمراض والأوبئة وبناء أجيال تتمتع بصحة جيدة من خلال توفير المقومات الأساسية للصحة والتى تتضمن (توفير مياه الشرب الآمنة ومرافق الصرف الصحي الملائمة – الغذاء الآمن – التغذية الكافية والمسكن الملائم – الظروف الصحية للعمل والبيئة – الحصــول علــى التوعيــة والمعلومــات المرتبطة بالصحة) ، وإذا إستعرضنا سريعاً دون الخوض فى التفاصيل ما تقوم به الدولة الأن من مشروعات قومية لتطوير المنشآت الصحية (المستشفيات والمراكز الطبية “إطلاق مشروع تطوير المستشفيات النموذجية بإجمالي ٤٧ مستشفى بجميع محافظات مصر، والتابعة لوزارة الصحة والمستشفيات الجامعية” ) ومبادرات صحية مثل (100 مليون صحة لعلاج فيروس سى والذى تم خلاله فحص أكثر من 70 مليون مواطن وعلاج أكثر من 2.2 مليون من الذين ثبت إصابتهم – الأم والجنين – قياس السمع عند الأطفال حديثى الولادة والأطفال فى المدارس من الصف الأول إلى الصف السادس الإبتدائى – السيدات ومرضى الأمراض المزمنة وعلاجها – القضاء على قوائم الإنتظار للمرضى بالجراحات والتدخلات الطبية الحرجة – توفير المخزون الاستراتيجى من ألبان الأطفال والأمصال واللقاحات – وغيرها من المبادرات).
وهو ما يؤكد حرص الدولة على الإلتزام بتوفير العناصر الأساسية التى تقرها المنظمات الدولية فى الحفاظ على حقوق الأنسان فى المجال الصحى والتى تتمثل فى (توفير عدد كاف من المنشآت والمرافق الصحية العاملة والخدمات والأدوية الأساسية المعتمدة علمياً وغير منتهية الصلاحية ومياه الشرب الآمنة ومرافق الصرف الصحى “مبادرة حياة كريمة لتطوير القرى المصرية” وجودة تقديم الخدمة الطبية علمياً وطبياً وأن يتوافر عاملين صحيين مهرة والمعدات الطبية وإمكانية الوصول الآمن لجميع المرافــق الصحية والخدمات دون تمييــز بما فى ذلك الأشــخاص والفئــات الأضعف “مثل الأشخاص ذوى الإعاقة أو الأطفال أو مبار السن غير القادرين على الحركة” مع إمكانية الوصول إلى المعلومات الصحية مع إحترام سرية البيانات والقــدرة على تحمــل التكاليــف للجميع وخاصــة الفئات غير القادرة والأكثر إحتياجاً والأولى بالرعاية من المواطنين وأن تكــون مناســبة ثقافيــاً أى أن تحترم ثقافــة الأفراد والأقليات والمجتمعات وحساسة لمتطلبات الجنسين).
وقد أكد مساعد وزير الصحة والسكان المشرف العام على تطبيق مشروع التأمين الصحى الشامل بالمحافظات أن خطة الدولة للحصول على كل هذه الخدمات وتوفير الرعاية الصحية من خلال نظام التأمين الصحى الشامل بمحافظات المرحلة الأولى “بورسعيد – الإسماعيلية – الأقصر – أسوان – السويس – جنوب سيناء بتكلفة تقدر بـ51.115 مليار جنيه مصرى” إرتكزت على ثمانية محاور “التخطيط الاستراتيجى، إعداد البنية التحتية والتجهيزات، الميكنة والتحول الرقمى، التحول المؤسسى، التأهيل للتسجيل والإعتماد، الموارد البشرية والتدريب، التسجيل وفتح ملفات طب الأسرة، التوعية والإعلام”.
حيث يختص محور التخطيط الإستراتيجى بالمنظومة بوضع خريطة صحية وسكانية للمحافظة لتحديد إحتياجات تطبيق مشروع التأمين الصحى الشامل داخل كل محافظة وبما يتوائم مع طبيعة كل محافظة وطبيعة سكانها، أما محور إعداد البنية التحتية والتجهيزات، فيختص بوضع خطة بناء أو تطوير المنشآت الصحية داخل كل محافظة، وتوفير التجهيزات والمستلزمات الطبية وفقًا لخطة التشغيل الموضوعة داخل المحافظة “تكلفة البنية التحتية بمحافظات المرحلة الأولى الستة تقدر بـ 34.080 مليار جنيه، بينما تقدر تكلفة البنية التجهيزات الطبية وغير الطبية 8.885 مليار جنيه، كما تبلغ تكلفة التشغيل لمدة 3 أشهر فى المحافظات الست 3.150 مليار جنيه بتلك المحافظات” ، بينما يختص محور الميكنة والتحول الرقمى بتوفير البنية التحتية المناسبة لتطبيق التحول الإلكترونى للمنظومة من كابلات وخلافه بالتعاون مع الجهات المعنية “تكلفت 5 مليار جنيه بالمحافظات الستة” ، إضافة إلى تدريب القوى البشرية على تسجيل المنتفعين إلكترونيًا، وتهيئة الأقسام الخارجية بالمستشفيات على تطبيقات التأمين الصحى الشامل).
بينما يختص محور التحول المؤسسى بحصر ودراسة الأصول الموجودة لدى الهيئة العامة للرعاية الصحية لتنفيذ نظام الحوكمة الذى سيتم تنفيذه طبقًا لمشروع التامين الصحى الشامل، حيث تؤول كافة الأصول التابعة للهيئة العامة للتأمين الصحى أو هيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية أو أمانة المراكز الطبية المتخصصة، ويتم نقل تبعية هذه الأصول مرحليًا للهيئة العامة للرعاية الصحية، أما بالنسبة لمحور التأهيل للتسجيل والإعتماد فيختص بشرح متطلبات التسجيل، وعمل السياسات ودليل القوى العاملة ودليل القيادة وإصدار الأدلة التشغيلية للأقسام، التدريب على رأس العمل على معايير أمن وسلامة المريض وأمان الدواء، التدريب على جميع متطلبات التسجيل والاعتماد والجودة الخاصة بالوحدات.
فيما يختص محور الموارد البشرية والتدريب بحصر القوى البشرية الموجودة ومعرفة كفاءتهم ونقاط القوة والضعف وتعزيز قدراتهم من خلال برامج تدريبية وتأهيلية من شأنها رفع كفاءتهم، وذلك بهدف إعادة توزيعهم وفقًا لقدراتهم واحتياجات الأماكن التى تتناسب معهم، وتوفير القوى البشرية من كافة التخصصات والتدريب على برامج طب الأسرة والتى تعد نواة التأمين الصحى الشامل، وفى حال وجود عجز فى القوى البشرية يتم التعاقد مع كوادر مؤهلة بالتعاون مع القطاع الخاص والجامعات تساهم كذلك فى نقل الخبرات وثقل العاملين بالهيئة.
ويختص محور التسجيل وفتح ملفات طب الأسرة بالتسجيل الإلكترونى للمواطنين داخل المنظومة وفتح الملفات العائلية لهم حيث تم تسجيل أكثر من 3 مليون مواطن بالمنظومة الجديدة حتى الآن، منها 654.776 ألف مواطن ببورسعيد، 800 ألف مواطن بالأقصر، 936 ألف مواطن بالإسماعيلية، 84.345 ألف مواطن بجنوب سيناء، 724.567 ألف مواطن بمحافظة أسوان، إضافة إلى 182.390 ألف مواطن بمحافظة السويس، وذلك منذ بدء تسجيل المواطنين بالمنظومة الجديدة منذ مطلع شهر أكتوبر 2020.
وبالنسبة لمحور التوعية والإعلام، فهو يختص بالتوعية الميدانية للمواطنين من خلال الندوات واللقاءات الجماهيرية وأتوبيسات التوعية التى تجوب كل محافظة للتسجيل داخل المنظومة وفتح الملفات العائلية والتوعية بالفحص الطبى الشامل والتوعية بنسب الاشتراكات، وحزم الخدمات التى تقدمها منظومة التأمين الصحى الشامل، مع عمل حملات إعلامية وإعلانية بأماكن التسجيل وأماكن إجراء الفحص الطبى الشامل للمواطنين، وتتم التوعية بالمنظومة الجديدة وخدماتها أيضًا عبر الصفحة الرسمية على الفيسبوك https://www.facebook.com/UHIEG/.
يساهم توظيف التكنولوجيا من خلال تقنيات الإتصالات الحديثة فى توفير الرعاية الصحية عن بعد فى تعزيز الخدمات الطبية المقدمة وسرعة تقديم الإستشارات الطبية العاجلة لحين الوصول للطبيب المعالج حالة الحاجة لذلك، من خلال الحصول على رسائل نصية أو صوتية أو مقاطع فيديو توضح كيفية التعامل السريع مع الإصابة أو الحالة المرضية التى تتعرض لها أو حساب جرعة العلاج المطلوب الحصول عليه بطريقة صحيحة أو تعديل النظام الغذائى أو معرفة نتائج الفحوصات وتحديد المواعيد الطبية وطلب إعادة صرف الوصفة الطبية أو إرسال بريد إلكترونى إلى طبيبك أو التذكير بموعد اللقاحات.
وتهدف منظومة الرعاية عن بُعد أو ما تعرف بالرعاية الصحية الإلكترونية إلى إتاحة الرعاية الصحية السريعة للأشخاص الذين يعيشون فى المجتمعات الريفية أو المناطق النائية ، وتقديم الخدمات بصورة أكثر سهولة وسرعة خاصة للأشخاص الذين يعانون من محدودية الحركة. أو ضيق الوقت أو صعوبة توفر وسائل النقل ، وكذا سرعة ويسر الوصول للمتخصصين فى المجال الطبى للحصول على الإستشارات الطبية ، وتنسيق الرعاية بين أعضاء فريق الرعاية الصحية والمرضى ، وبين الأطباء مع بعضهم ، وتقديم الدعم للإدارة الذاتية للرعاية الصحية.
وفى الختام أؤكد أن مشروع التأمين الصحى الشامل أحد ركائز الحفاظ على الأمن القومى المصرى فضلاً عن أنه يزيد الولاء والإنتماء للوطن فأحد أهم وسائل تعزيز قيم المواطنة هى تأمين سبل العيش الكريم للأسر غير القادرة على توفير إحتاجاتها الأساسية والتى يعد أبرزها حق الحصول على الرعاية الصحية حالة الحاجة إليها، والإحساس بالأمن والأمان، وتوفير العدالة الإجتماعية والمساواة للجميع أمام القانون دون إستثناء، ومكافحة ظاهرة الفساد بكافة أشكاله بحزم وشفافية فيحصل على الخدمة الطبية دون الحاجة إلى وساطة أو مساعدة من أحد. كذلك من المقومات الهامة جداً لتعزيز وترسيخ المواطنة تمتع المواطن بحقوقه فى توفير كافة الخدمات كالتعليم والصحة وغيرها للجميع دون إستثناء، مقابل الواجبات المطلوبة منه 00 وأخيراً وليس أخراً فالدولة المصرية جادة فى توفير الخدمات الطبية وكافة الحقوق لمواطنيها بصورة مرضية 00 وعلى الجانب الأخر تبرز أهمية قيام المواطنين بواجباتهم تجاه الدولة والتى يعد أبسطها الحفاظ على ما يتحقق من إنجازات حتى يتثنى للدولة إستكمال أعمال التطوير فى كافة المجالات 00 وصولاً للهدف المنشود بأن تصبح مصر قد الدنيا.