دعونا نتحدث بصراحة، فالوطن وأمنه وسلامته لا يحتمل أي مجاملات! نحن جميعاً مقصرون، وإلا لما وجد الإرهاب والتطرف منفذاً ولو ضئيلاً لكي يتسلل منه إلى عقول عدد من أبنائنا مهما قل عددهم. ولذلك فإن المسؤولية تقع علينا جميعاً، نعم جميعاً، في التصدي لهذا الخطر الذي يستهدفنا جميعاً ولا يستثني منا أحداً.
وفي الوقت الذي تقف فيه أجهزتنا الأمنية في غاية الاستعداد والتأهب لمواجهة مخططات الشر والإجرام والإرهاب، والتصدي الوقائي لها، كما حصل قبل أيام مع تحويل مجموعة الـ 41 إرهابياً الأخيرة (المسماة مجموعة شباب المنارة) إلى المحكمة، تلعب الأسرة الإماراتية الدور المناظر لدور جهاز الأمن، وهو الدور التربوي الوقائي لتحصين أبنائنا وأجيالنا ضد مخاطر التطرف والإرهاب والشذوذ الفكري أياً كان مصدره.
والواقع أن الأسرة هي في كل الاعتبارات خط الدفاع الأول في هذا المجال، وهذا ما يضع عاتق كل من الأبوين مسؤولية مضاعفة في تنشئة أبنائهم التنشئة السليمة البعيدة عن التطرف والإرهاب، إضافة إلى متابعتهم وفهم احتياجاتهم بما يضمن وجود نوع من الإنذار المنزلي المبكر تجاه أي انحراف سلوكي أو فكري في هذا الاتجاه. ودعونا نبدأ من هنا تحديداً، فالتنشئة السليمة تتطلب من الأبوين أن يبذلا جهداً ملموساً في التعرف على متطلبات العصر وتحدياته، بدءاً من توفر الثقافة الشرعية السليمة، ومعرفة القيم الوطنية التي تربينا عليها، ومفاهيم المواطنة الصالحة التي تربطك بوطنك، وكيفية توصيل ذلك كله إلى أبنائك وتحبيبهم فيه.
وهنا اسمحوا لي أن أقول إنه لا عيب في الاعتراف بعدم المعرفة، لا عيب أن تعترف أنك لا توجد لديك الثقافة الشرعية المناسبة، وأن تذهب للمؤسسات المعتمدة وتسأل، فهذا أفضل من أن تبقى على جهل وتظن نفسك عالماً، ثم تقع أنت وابنك فيما لا تحمد عقباه.
وأعتقد أن أول تحدٍّ على الآباء التعامل معه هو طوفان المعلومات والتقنيات التي يتعرض لها الأبناء، سواء من خلال الإنترنت أو الفضائيات وغيرها من وسائل التواصل، وأحدثها تويتر وفيسبوك، وكذلك غرف الدردشة وألعاب الفيديو من بلايستيشن وغيرها. ولذلك دعوني أقولها بصراحة إنه لا يوجد ما يعيب الأب أو الأم أن يتعلم هو الآخر. بدلاً من أن تترك ابنك مع المجهول، لا ضير أن تتعلم أنت ما هي البلايستيشن مثلاً وألعابها وكيف يمكن لشخص غريب أن يتواصل مع ابنك من خلالها، بعيداً عنك.
ثم علينا أن نجيد التواصل مع أبنائنا وأن نبني معهم علاقات الثقة المتبادلة. دع ابنك يشعر دائماً أنك أنت الحضن الدافئ والحصن الرؤوم له، لا السجان ولا الجلاد. قرّب ابنك إليك ولا تنفرّه منك. إذا فعلنا ذلك نستطيع عندها أن نتعرف على عالمهم بشكل صحيح، فنفهم مثلاً ما هي الرسائل الخطأ التي تصلهم، سواء من عبر الإنترنت أو عبر زميل في المدرسة أو إنسان مشبوه يستغل المسجد.
أيضاً مهم جداً أن نكون موضوعيين. فمثلاً هذه القضايا لا تحل بالعدوانية والأمر وإنما بالحوار البناء والتواصل وإشعار الطفل والمراهق بقيمته والحرص عليه. إذا وجدت أنك لم تحقق هدفك فلا بأس أن تستشير. فمثلاً إذا كان يتقبل الحوار من خاله أكثر منك، فاستعن بخاله، وإذا وجدت أن جارك له تجربة ناجحة مع أبنائه، فلماذا لا تطلب منه العون، ونحن كلنا يد واحدة من أجل الإمارات.
لكن الأهم من هذا وذاك يبقى أن نحصّن أنفسنا وأسرنا، أن نتعرف على مسارات المعلومات والأفكار التي تصلنا، وأن نتذكر أننا حين نتصدى للتطرف والإرهاب، فإننا نحمي أسرنا الصغيرة، تماماً كما نحمي دولتنا وشعبنا ومجتمعنا، وندافع عن وجودنا تماماً مثلما ندافع عن عقيدتنا وإسلامنا وشريعتنا السمحة. ومن المفيد جداً هنا أن نتذكر أن كل مواطن رجل أمن، كلٌّ في موقعه. فلا تتردد أبدا في الاتصال بالمؤسسات الأمنية المختصة عبر قنوات التواصل مع الجمهور (مثل خدمة الأمين) للإبلاغ عن أي نشاط مشبوه أو أي شخص يثير الشبهات أو موقع إنترنت يروج للتطرف والإرهاب وغير ذلك. فالإبلاغ المبكر قد يكون بعون الله سبيلاً للوقاية من شرور كثيرة لا تحمد عقباها.
وفي كل الأحوال، علينا أن نتذكر أن أمن الوطن مسؤوليتنا جميعاً، وأننا كلنا مطالبون بأن نبذل أقصى ما نستطيع. صحيح أن رجال الأمن هم في الواجهة والمقدمة، لكن يجب أن تكون أيدينا في أيديهم، حتى لا نصبح دون قصد الثغرة التي يؤتى منها بلدنا ووطننا وديننا، لا سمح الله.حمى الله الإمارات وأهلها الطيبين ومقيميها المخلصين من شرور الإرهاب والتطرف والإجرام أياً كان مصدره وتبريراته وأسبابه.
وفي الختام، لدي نصيحة مهمة لكل أب ولكل أم: دائماً تذكر؛ لماذا لم تصبح أنت متطرفاً أو إرهابياً، فهذا يعطيك طرف الخيط لكي تحمي أبناءك وبناتك من هذا السم القاتل. ومن منا يقبل أن يتجرع أبناؤه السم؟ تقبلها أنت.