في ظل التكنولوجيا وضغط المعلومات وتباين مصادرها وتوسعها، تطفو على السطح مسائلٌ متعددة، وهذه المسائل تحتوي على إجابات متفاوتة، نظرًا لتنوع مصادر أفكارنا من جهة، ومستوى ثقافة كلٍّ منا، وهنا قد نقع في اختلاف وجهات النظر بيننا، التي قد تقودنا إلى التصادم السلبي!!.
وهذا بدون شك يلقي بظلاله على المتحدث والآخرين، و يتطلب من الإنسان أن يمتلك جملة من الأدوات ليصل والحضور لأهداف حوارٍ منتج لا متصادمٍ، ولعلّ من أهمّ أدوات الحوار الناجح أن ننطلق من ضرورة عدم تحول الحوار لعراك لفظي أو جسدي، وهذا بالحدّ الأدنى يضمن سيرًا هادئًا للنقاش، يوصلنا لبرّ الأمان والوصول للمبتغى المنشود، لأنّ الاختلاف في الرأي وتعارض الرؤى هو من صلب طبيعتنا البشرية؛ فتلاقح الأفكار يولد سموًا ورقيًا، وربما كان سببًا في قيام حضاراتٍ وقيمٍ عُليا، كما أنّ المتحاورين لا بدّ أن يكونوا مستمعين جيدين، وينطلقوا من احترام آراء الطرف الآخر، دون تجريحٍ، فاختلاف الراي لا يفسد للود قضية، وفي تاريخنا شواهد كثيرة على ذلك؛ فلقد تناقش الأمام الشّافعي مع عالم آخر حول مسألة فقهية، وعالت أصواتهم، فهمّ الرجلُ بالخروج من المجلس، فأمسك الشّافعي بيده وقال له:” ألا يصح أن نختلف في مسألة ونبقى إخوانًا”.
إنّ مجتمعاتنا العربية اليوم أحوج ما تكون لحوار جادٍ وهادف للوصول لحلول مشتركة لجميع قضايانا الاجتماعية والثقافية.
وهذا يتطلب منا أن ننطلق من صدق النية أولًا، ومن إدراك أنّ الغاية ليس الانتصار للذات بقدر الوصول للحقيقة، آخذين بعين الاعتبار أنّ الشخص المتسامح مع آراء الآخرين وأفكارهم هو شخصٌ ذو قوةٍ وبصيرةٍ، إنّه يدرك أنّ الثقافة والطبيعة لهما تأثير على فكر كلّ واحدٍ فينا، فكم شاهدنا على شاشات التلفزة أشخاصًا بأفكار متعددة ومتنوعة، وربما متخاصمة، ومع هذا كان الاحترام هو الفيصل بينهم.
وبالمقابل رأينا آخرين يريدون أن يفرضوا آرائهم على غيرهم بالقوة دون الحجة المقنعة!! وأحيانًا بالحجج اللفظية دون العلم، وهذا يتعارض مع ديننا وقيمنا؛ فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم”: إنكم تختصمون إلي، ولعلّ بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيتُ له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار”.
انطلاقا مما سبق كم جميل أن يتحلى أحدنا بسعة الصبر وعمق التفكير ورزانة الرد؛ فلا يجعل من قضايا علمية ونقاشية مشاكل شخصية، فمن يخالفك الرأي لا يعادي شخصيتك، بل ربّما يعبر عن فكرة اقتنع بها واستحوذت على عقله وتشرّبها، أو كتابٍ قرأ فيه فترك انطباعًا وأثّر في قناعاته.
ختامًا: يبقى بين الرأي الآخر والانتصار للذات جسر التسامح وتفهم وجهات نظر الآخرين هما القاعدة الأسمى التي يجب أن نتحلى بها جميعًا، وإلّا لن نصل إلاّ إلى مزيدٍ من الفوضى، ومزيدٍ من التشرذم.
عبد العزيز محمود المصطفى
كاتب وأكاديمي