يلتقي المرء منّا في مشواره مع الحياة كثيراً من الناس، لكن قليلاً منهم يتركون بصمات واضحة في مسيرته، ويكون لهم من التأثير ما يبقى مع الإنسان طوال حياته. خلفان الرومي، رحمه الله، كان أحد هؤلاء الأشخاص الذين لا يمكن أن يلتقوا إنساناً إلا وتركوا معه ذكرى تظل ملازمة لهم تؤثر في حياتهم بالإيجاب.
التقيت بهذا الرمز الوطني، تغمده الله بواسع رحمته، عندما اختاره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لرئاسة مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية مع إعادة تشكيله، ليكون هذا التكليف بداية رحلة عمل مع قامة مميزة من قامات الوطن الرفيعة تعلمت منها الكثير واكتسبت منها قيماً كانت عوناً لي في حياتي الشخصية والعملية. فالحكمة والعطاء والتواضع والتسامح والعقل الراجح والرأي السديد سمات ربما من النادر أن تجتمع في شخص واحد، ولكنها تجسدت جميعها في هذا الرجل الذي لم يتوان يوماً عن بذل كل ما في استطاعته لمساعدة الآخرين وتقديم النصيحة والمشورة للأخذ بيد الجميع.
كان خلفان الرومي، رحمه الله، نموذجا في العطاء وقدوة تحتذى في الالتزام والتفاني في العمل أينما كان موقعه ومهما كانت نوعية المسؤولية التي هو بصددها، ولقد لمست ذلك عن قرب من خلال مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية الذي لم يتخلف عن حضور اجتماعاته أبداً، حتى مع معاناته ألم المرض؛ وعندما كان يضطره الأمر لمغادرة البلاد في رحلة علاج، كان يحرص على الاتصال معتذراً عن تغيبه عن اجتماع المجلس، بتواضع جم وهو أمر من شيم النبلاء. كان رحمه الله حريصاً كل الحرص على التواصل مع جميع أعضاء المجلس، ويمضي الساعات الطوال في نقاشات لتعزيز مكانة الجائزة التي كان شريكاً رئيساً في بناء سمعتها الناصعة إلى اليوم.
لن أنسى أبداً كلمة “يا بنتي” التي اعتاد أن يناديني بها بشعور تلقائي أنه أب للجميع، لا يبخل عليهم بالتوجيه والنصح والرأي الراجح، وكنت أنصت إليه باهتمام وأصغي لكل ما يقول لأن كلماته كانت تحمل خلاصة سنين من التجربة أكسبته حكمة ورجاحة عقل وصواب رؤية؛ فقد كان رحمه الله يعامل الجميع كأب حريص على مصلحة أبنائه، ووالد لا يبخل عليهم بالرأي والمشورة لما فيه صالحهم ونجاحهم.
كان خلفان الرومي رجلا بشوشاً متسامحاً حتى مع من قد يختلف معه في الرأي وكان يتقبل ذلك بصدر رحب وحكمة وقدرة على وضع الأمور في نصابها الصحيح، وكان دائما حريصاً على أن تكون المودة هي الرابطة التي تربطه بالجميع. وعلى الرغم من أن إنجازاته ستبقى خالدة في ذاكرة الوطن، لاشك في أن خلفان الرومي برحيله عن عالمنا سيترك من ورائه فراغاً كبيراً على المستوى المحلي وأيضا العربي، ولكن ما يعزينا أنه ترك وراءه بذرة صالحة ونموذجا نسائيا مشرّفاً نفخر به جميعاً وهي الأخت والصديقة عهود الرومي التي أهلتها سماتها التي ورثتها عن والدها، رحمه الله، لاختيارها لشغل موقع هو الأول من نوعه على مستوى العالم أجمع وهو منصب وزيرة الدولة للسعادة في وطننا الإمارات. ربما ترحل رموز العطاء، ولكن تبقى ذكراها الطيبة وانجازاتها نبراساً يضيء الطريق للآخرين، تمنحهم الأمل وأسباب السعادة وتلهمهم كيف يكون السبيل نحو النجاح. خلفان الرومي… ستبقى دائماً بيننا.