سلطت مجلة «نايتشر» المتخصصة، الدورية العلمية العالمية الأبرز، الضوء على خطط دولة الإمارات نحو الفضاء الخارجي، وبالتحديد عزمها الطموح بأنظار تتجه نحو القمر، معنونة أن «الإمارات تكثف طموحاتها الفضائية مع أول مهمة قمر في العالم العربي»، بالتوازي مع وجود المركبة المدارية «مسبار الأمل» في الطريق نحو المريخ.
ولفتت الدورية العلمية أن الإعلان عن إرسال مركبة جوّالة مدمجة تسمى «راشد» لدراسة القمر عام 2024 يجسد تكثيف طموحات دولة الإمارات في مجال الفضاء، وحال نجاحها فإن وكالة الفضاء الإماراتية ستصبح الخامسة في ترتيب الدول التي تنجح في وضع مركبة على سطح القمر، فضلاً عن أنها ستكون الأولى على مستوى العالم العربي.
ونقلاً عن مركز محمد بن راشد للفضاء فإن الفرق الداخلية بالمركز ستتولى تطوير وبناء وتشغيل المركبة التي يبلغ وزنها 10 كيلوغرامات، وجاء اسمها تيمناً باسم المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه.
وسيوظف فريق المركز وكالة فضاء أو شريكاً تجارياً لم يتم الإعلان عنه بعد بحيث يتولى تنفيذ عملية الإطلاق والهبوط، وهو الجزء الأكثر خطورة من المهمة «راشد» التي من المعتزم أن تكون واحدة ضمن العديد من المركبات الجوّالة التي تصنعها الشركات الخاصة ووكالات الفضاء، التي من المقرر أن تغزو القمر بحلول عام 2024، بحسب «نايتشر».
دراسة علمية
مسيرة الإمارات نحو الفضاء تعتبر حديثة نوعاً ما، وذلك بالنسبة لبلد يتمتع بخبرة 14 عاماً في سباق استكشاف الفضاء، والذي أطلق هذا العام أول مركبة مدارية بين الكواكب في رحلة نحو كوكب المريخ الأحمر، ويوضح علماء أن بناء مركبة جوّالة يقدم للدولة مجموعة من التحديات الجديدة.
ولأخذ ردود الأفعال العلمية من الجانب العالمي، أوضحت هانا سارغينت، عالمة الكواكب في الجامعة المفتوحة بميلتون كينز بالمملكة المتحدة: «أعتقد أنهم مقبلون على خطوات يمكنهم تحقيقها في هذه المرحلة، وفي الواقع هم أذكياء جداً في هذا الشأن».
وستشمل تجربة المركبة القمرية الإماراتية دراسة الخصائص الحرارية لسطح القمر وتقديم نظرة ثاقبة لتكوين المناظر الطبيعية للقمر، وقال مدير مشروع البعثة في مركز محمد بن راشد للفضاء، حمد المرزوقي، إن التجربة ستدرس حجم التكوينات وحجم جزيئات الغبار القمري بتفاصيل مجهرية.
ونوّهت المجلة العلمية الشهيرة بأن أحد أكثر أدوات «راشد» إثارة هي مسبار «لانجمير»، وفقاً لسارغينت، فللمرة الأولى على سطح القمر ستتم دراسة بلازما الجسيمات المشحونة التي تحوم على سطح القمر بسبب تدفق الرياح الشمسية، وهذه البيئة تشحن الغبار كهربائياً في عملية غير مفهومة كثيراً.
وأضافت عالمة الكواكب إن التجارب التي تجرى على سطح القمر بغرض فهم البيئة المشحونة ضرورية جداً، فالظروف تجعل غبار القمر يلتصق بالأسطح، وهو ما قد يكون خطيراً للبعثات المأهولة في المستقبل، قائلة: «هي حبيبات صغيرة حادة تصل وتلتصق بكل مكان ويمكن أن تكون بتأثير خطير على رواد الفضاء إذا ما استنشقوا الكثير منها».
ووفقاً للخطط المدروسة، سيهبط «راشد» في موقع غير مستكشف، على خط عرض بين 45 درجة شمال أو جنوب خط الاستواء على الجانب القريب من القمر، مما سيتيح تواصلاً أسهل مع الأرض، فضلاً عن توفير هبوط انسيابي أكثر على سطح القمر.
مهمة
وتستمر المهمة نهاراً قمرياً أو يوماً واحداً على القمر، بما يعادل حوالي 14 يوماً أرضياً، ويأمل الفريق بأن تستمر المركبة بالعمل أيضاً خلال الليل القمري الطويل، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى حوالي -173 درجة مئوية، وغالبية المركبات الجوّالة السابقة كانت تحمل مصدراً للحرارة، بيد أن البقاء على قيد الحياة أو العمل بين عشية وضحاها سيعني تطوير تقنية جديدة لمركبة متنقلة صغيرة الحجم.
وذلك وفقاً لعدنان الريس، مدير «برنامج المريخ 2117» في مركز محمد بن راشد للفضاء، والذي يشمل أيضاً استكشاف القمر وعلى الرغم من عدم الكشف عن ميزانية بعثة «راشد» حتى الآن، أوضح الريس أن جميع البيانات العلمية ستكون متاحة بشكل علني للمجتمع الدولي.
وقال الريس إن مهمة الإمارات القمرية هي الأولى في سلسلة من المهام التي تهدف إلى أن تكون منصة لتطوير التقنيات، وستدعم التقنيات في نهاية الأمر البعثات على سطح المريخ، وستتصدى لتحديات الغذاء والطاقة والأمن المائي، حيث يمكن أن تكون الموارد الطبيعية شحيحة بالمثل.
من جهتها، أشارت سارة المعيني، مهندسة في نظام اتصالات بمركبة «راشد» إلى أن البعثة تأتي كتحدٍ، لكن وكما نعلم جميعاً فإننا «نحب التحديات هنا في دولة الإمارات».
خفة وزن المركبة القمرية الإماراتية تعني أيضاً إمكانية إطلاقها على مركبة هبوط تجارية، في خطوة تسهم في تقليل التكلفة الإجمالية للمهمة.
ولفت حمد المرزوقي إلى أن صغر حجم المركبة وخفتها تعني «أنها سريعة التطور ومن السهل العثور على مصعد أو طريقة تمكنها من الوصول إلى سطح القمر»، مردفاً أن ذلك سيسمح للإمارات بإرسال بعثات متكررة إلى سطح القمر مع مجموعة متنوعة من المواقع والأهداف.
وذكرت مجلة «نايتشر» أن عمر وكالة الإمارات للفضاء يقدر بنحو 6 سنوات وحسب، كما وأن برنامج الأقمار الصناعية الخاص بها يناهز الـ 14 عاماً فقط، لكنها سرعان ما أصبحت دولة تخوض في مجال الفضاء من خلال سياسة توظيف شركاء دوليين أكاديميين وصناعيين للمساعدة في بناء وتصميم البعثات، مع تدريب المهندسين المحليين بشكل عالي الكفاءة.
وعلى الرغم من أن الإمارات لديها الآن خبرة في مجال الأقمار الصناعية والمدار وأجهزة الاستشعار عن بُعد، فإن المهمة الروبوتية المقبلة نحو القمر ستتطلب مهارات جديدة في بناء الهيكل الميكانيكي للمركبة وأنظمة التدفئة والاتصالات الخاصة بها، وتقول سارة المعيني إن التحدي يكمن بشكل خاص في إرسال إشارات عبر 384000 كيلومتر إلى الأرض مع محدودية الطاقة لمركبة خفيفة الوزن.
وفي سياق الترتيبات للمشروع، فإن فريق العربة الجوّالة في مركز محمد بن راشد للفضاء كان يعمل على المشروع منذ حوالي عامين، وقد تم تصميم المركبة بناءً على عدد من مسبارات سابقة ناجحة، كما أن الفريق يخطط لنمذجة وصقل سلسلة من النماذج الأولية السريعة.
فعلى عكس مهمة «مسبار الأمل» نحو المريخ، والتي تم التأسيس لها إلى حد كبير في الولايات المتحدة من قبل المهندسين الأمريكيين والإماراتيين، يؤكد المرزوقي أنه سيتم تطوير المركبة القمرية بشكل كامل في الإمارات، إلى جانب شراكات دولية ذات صلة.
من جهته، أوضح الريس أنه على الرغم من أن موعد المهمة عام 2024 يتزامن مع Artemis أو عودة البشر الدولية بقيادة «ناسا» إلى القمر إلا أن مهمة الإمارات القمرية ستمضي قدماً حتى لو توقفت تلك الجهود، فخطوة الإمارات مستقلة تماماً. فيما قال حمد المرزوقي: «يسارع الجميع للذهاب إلى القمر، لذلك نريد أن نكون مساهمين رئيسيين في هذه الجهود الدولية».