في حياة الأمم والشعوب رجالٌ صنعوا حضاراتٍ وأسسوا لدولٍ، وجنبوا بلدنهم حروبًا وويلات، وهناك من جاهد بفكره وعقله وجعل لسانه سندًا لأمته ومجتمعه وقضايا بني جلدته.
وبطبيعة الحال فإنّ ذاكرةَ الشعوبِ حيةٌ لا تنسى من قدّم مثقالَ ذرةٍ من إنجازٍ أو عملٍ هنا أو هناك.
ولعل من واجب الشعوب والمجتمعات أن تتذكر تلك الشخصيات التي عملت بصمتٍ وخلف الكواليس.
في سورية بلدي العزيز نجدُ آلافًا من الشّخصيات الّتي قدمت الكثير للثقافة والعلم، وقد خلّد التاريخُ أسماءهم وجميل أفعالهم، ولعل من هؤلاء الأشخاص الأستاذ الدكتور “جورج جبور”.
إنّه ابن تلك المدينة القابعة على قلعة صامدةٍ كصمودِ دمشقَ وقاسيونَ ابن مدينة “صافيتا”، الذي درس وترعرع في كنف أبيه، وكان الأول على مستوى القطر في الثانوية، ودرس الحقوق والفلسفة بآنٍ واحدٍ، وتخرج بنفس العام باختصاصين مختلفين!!.
حصل على درجة الماجستير في العلوم السّياسية من الولايات المتحدة الأمريكية، ونال درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة “واشنطن”.
ثم درّس بعد ذلك في الولايات المتحدة وفي القاهرة وفي سورية، ثم عاد كمستشارٍ في القصر الرئيس في الجمهورية العربية السورية، لفترات متعددة.
تسلم بعد ذلك مواقع مختلفة، وترأس الرابطة السورية لحقوق الإنسان،
وله عددٌ من المؤلفات في السّياسية والعلوم الاجتماعية واللغة العربية.
رجلٌ حملَ الكثيرَ من الصفات في شخصه، جعلت منه قدوة للكثيرين ممن تعامل معه، فكان رجلَ تواضعٍ وموضوعيّة وواقعيّة؛ لم تغيّر من موقفه الإغراءاتُ من هنا وهناك، وظلّ مخلصًا لوطنه وبلده ومبادئه.
جاهد بلسانه على منابر متعددة، وندواتٍ مختلفة، وجلساتٍ مطولةٍ، ومحاضراتٍ بأماكن كثيرة، حاور بهدوء ودراية ومعرفة بخفايا الأمور.
ولعلَّ المتابع لسيرةِ الرجلِ يتلمس فيه حرصه اللامحدود على إبراز الوجه الحقيقي لوعد بلفور موضحًا أنّه الوعد الأسوأ في التاريخ؛ لأنّه جلبَ الاحتلال والويلات لشعب فلسطين وللشعوب العربية، وكتب حول ذلك كتبًا تتناول نظام الفصل العنصري(أبارتايد) الذي تقيمه إسرائيل داخل الأراضي العربية المحتلة.
كما أنّه حرص خلال مسيرته على أن يأخذ “حلف الفضول” حقه ومكانته كأولّ وثيقة لحقوق الإنسان، وقد تحقق ذلك من خلال بيانٍ رسمي من قِبل “المفوضية السامية لحقوق الإنسان” عام/2007م/ أشارت فيه إلى حلف الفضول كمصدر كوني من مصادرِ حقوقِ الإنسان.
ولا ينسى الرجل المخضرم اللغةَ العربيةَ مصدرَ فخرنا وشمسَ عروبتنا فظل ينادي بأن يكون لها يومٌ تحتفل به الشعوبُ العربية، وقد أنجز له ذلك بعد نضال ماراثوني استمر قرابة عقدٍ من الزمن.
في ختام كلماتي: تعجزُ الحروفُ ويتوقفُ القلمُ أمام قامةٍ قدمت الكثير للإنسانية، ولم تترك ميدانًا من ميادين العلم والثقافة والسياسة إلاّ ووضعت فيه بصمة خاصة، مطعمةٍ بعبقِ التاريخ ورائحة الياسمين الدمشقي وصدق التّوجه وثبات المبادئ، وقبل كل شيء الإنسانيّة.
بقلم: عبد العزيز محمود المصطفى
كاتب وأكاديمي