أزمة مجتمع أم أزمة سلوك فردي؟ لعله السؤال الأبرز في حقل الكلام المتناثر وأمواج الآراء المتلاطمة بلا هوادة؛ دون أن تجد سبيلًا ساكنًا تهتدي إليه! ومن ثم صارت المعلومات هي المهيمن الأعظم علي الساحتين الإعلامية والاجتماعية، وتوارت التحليلات والتفسيرات المنطقية، وسقطت في فخ التحيز والشخصنة وعدم الموضوعية.
يعانى الكثير من مستخدمى شبكات التواصل الاجتماعي الأجهزة الإلكترونية الموصوله بشبكة الإنترنت من تلقيهم المتكرر للرسائل غير اللائقة ، بدءا من الإلحاح بالتعارف من أشخاص لا يعرفونهم وحتى الدعوة الصريحة والمباشرة لممارسة أفعال ذات طابع جنسى. فمع إنتشار وسائل التواصل الاجتماعى لم تعد احتمالية تعرض الفرد للتحرش الجنسى مرتبطة بالمقابلة المباشرة، بل أصبح بإمكان مرضى التحرش الوصول إلى الشخص داخل منزله او عمله وفى أى مكان.
لا جديد يقال عن التحرش الإلكتروني الذي صار واقعًا حتميًا معاشا ؛ ورغم أنه لا يوجد فى جميع الدول قوانين خاصة بالتحرش الإلكتروني فضلا عن التحرش الجنسى المباشر واختلاف القوانين بين كل دوله وأخرى ، إلا أن وجود عقوبات على الجرائم الالكترونيه وإزعاج الأخرين عن طريق الإنترنت والأجهزة الإليكترونية يسمح بملاحقة أصحاب هذه الحسابات والأجهزة، والتعرف على هويتهم الحقيقية، وبالتالى تعرضهم للمساءلة القانونية.
أن الوقاية أو قل التربية والتنشئة الاجتماعية خير من مائة علاج، فماذا يفيد الدواء بعد وفاة المريض؟!
والمريض هنا ليس الشخص مرتكب التحرش بشتي أشكاله؛ بل هو المجتمع المهترئ؛ بعد أن تشتت صفوفه، وصار المواطنون منغمسين في وقائع التحرش الرقمي المنبثقة من الوسائط الإلكترونية؛ كالبريد الإلكتروني، وشبكات التواصل الاجتماعي، والرسائل الفورية، والصور الرمزية، والإعلانات، ومنتديات الإنترنت، واكتفي المجتمع بتقمص دور “رد الفعل” ناسيًا أو متناسيًا أن دوره الأصيل هو التربية التي تبدأ منذ نعومة الأظافر بالمدرسة وأجهزة التنشئة الاجتماعية.
ليس من الحكمة الخلط بين السبب والنتيجة؛ لذا فإن انهيار منظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية هو نتيجة وليست سببًا، إن التحرش الجنسي هو نتاج لتقلص الرقابة الأسرية، والتنشئة غير القويمة، وبالمثل أيضًا فإن نقص الوعى وعدم احترام حقوق الآخر واقتحام خصوصيته واختراق فضائه الإلكتروني هو نتيجة أيضًا وليس سببًا.
نعم هو نتيجة لغياب آليات الردع القويم، فمن أمن العقاب أساء الأدب، ولا عيب في الاعتراف والمصراحة بعدم تهيئة مجتمعنا المصري حتي اللحظة بمقومات التصدي للتحرش الإلكتروني والحد منه؛ علي كافة المستويات القانونية، والتقنية، والاجتماعية؛ علي نحو مواز من الغياب شبه التام للمنظومة الإعلامية المشغولة في قضايا ومشاكل وهمية؛ دون الاضطلاع بدورها الرئيسي في التوعية والتثقيف؛ عبر البرامج التنويرية المتسقة مع ثقافة ولغة وسلوك المتحرش؛ وما دون ذلك سيظل ويبقي هراءً؛ طالما جلسنا بمقاعد المشاهدين ننتظر وقوع السلوك الفاضح؛ دون المبادرة ببتر أسبابه.
بقلم: ولاء بدوي – (مصر)