تتلاطم بنا أمواج البحر ولا نبقى على حال، كلمة ترفعنا إلى أعلى فتهب علينا نسائم الجو لتغمرنا فرحاً وحب للحياة، وكلمة أخرى تهبط بنا إلى قاع البحر لتقبض أنفاسنا خنقاً إلى عالم خفي موجع، فهل للكلمة واستخدامها كل هذا التأثير على حياتنا؟، وهل نحن من نختار مصطلحاتنا بعناية لتأخذنا إلى عالم السعادة؟، أم نحن من نسمح بفتح أبواب آذاننا لنسمع كل شيء دون سلطة منا، ليُزج بنا إلى عالم الأحزان؟
أسئلة تستحق الإثارة….
العالِم والباحث الياباني المثير للجدل دائماً “ما سارو إيموتو”، أذهل العالم بتجربة شديدة الغرابة، وضح من خلالها تأثير الكلمات على النفس البشرية، إذ قام الباحث الياباني بتجربة الأرز الشهيرة، حيث استعان خلالها بـ 3 زجاجات مملوءة بنفس المقدار من الماء والأرز، ولكنه لم يتعامل معها بنفس الطريقة على الإطلاق!
على مدار شهر كامل، ظل إيموتو يوجه كلمات الإطراء لزجاجة الأرز الأولى، فيما وجّه كلمات نابيّة إلى الثانية ونعتها بالغبية، في وقت تجاهل فيه الثالثة وكأنها ليست موجودة من الأساس، وكانت المفاجأة بقاء الأرز المحفوظ في الزجاجة الأولى مُخمراً ذو رائحة جيدة، وتحول الأرز المحفوظ في الثانية إلى اللون الأسود القاتم وأصبح فاسداً، بينما أصبح الأرز الذي يوجد بالزجاجة الثالثة غير صالح للمشاهدة حتى، كونه تعفن!، فإذا كان هذا هو الحال في الأشياء المادية التي ليست لديها مشاعر أو أحاسيس، فكيف يعود الأمر والتأثير على البشرية؟.
عندما تقال الكلمات بطريقة صحيحة، فإنها تغيّر تفكير شخص ما، فالتغَيُّر الطفيف في اختيار الكلمات هو الفرق.
إن ما دفعني للحديث عن قوة الكلمة وتأثيرها علينا، هو كثرة المصادر المختلفة التي تصدر منها الكلمات سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإن ذلك كفيلٌ بأن يغيّر من فيزيولوجيتنا ويأثر على بناء مشاعرنا وسلوكياتنا وحياتنا، وما يؤكد أهمية هذا الموضوع أن كثيراً من العلماء والمدربين الايجابيين والمؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي والإعلاميين، يتحدثون عن ذلك، ويتناولونه بمختلف نواحيه، إلا أنني أودُ أن أخصص حديثي هنا عن السلبي من الكلمة الهدامة التي تقتل الكثير من الطاقات دون الاستفادة الحقيقية منها،
فهناك من لا يدرك خطورتها كأن يقال لطفل: “أنت غبي” بشكل مستمر، حتى يعتاد على سماعها، فينشأ الطفل مؤمنٌ بأنه غبي ولا يثق بذكائه، وهناك الكثير من الأشخاص الذين يعانون من الناس المحبطين صغار العقول ويكونون سريعين التأثر بهم.
وسأسلط الضوء على مصدر قوي مستجد أسميته “المصيدة الخفية” التي تبثها إحدى الألعاب الإلكترونية على أطفالنا وشبابنا صغاراً وكباراً، فتصنع شخصاً مشوهاً بلا إدراك منه ولا وعي، يتلفظ بكلمات باستمرار من منطلق المزح، ولا يدرك مدى خطورتها، مثل: (سأقتل – سأنتحر – سأموت …وإلخ)، حتى تستقر هذه الكلمات في العقل الباطن الذي لا يميز بين الحقيقة والخيال، ويعتبر كل ما لديه حقيقة، ويسعى دائما لإثباتها أمام عينيك، ليرددها دوماً في يقظته ونومه ويعيش أوهاماً وخوف وتوتر لأنه سيقتل، فيتحقق هدف المصيدة ويقع الضحية في الشبكة بلا حول منه ولا قوة.
والأسوأ من ذلك الإدمان والعزلة والوحدة التي تصيب الشخص وارتفاع هرمون الأدرينالين الذي يسبب الغضب، فلا يكون واعياً بما يتلفظ به من كلمات بذيئة من سب وشتم وأذى لنفسه في المقام الأول وللآخرين، ويستخدم كلمات لها معاني مختلفة لا تليق بمن قالها ولا بمجتمعاتنا وعاداتنا وقيمنا، وترسخ في العقول معتقدات جديدة ومبادئ منها أن القتل والقضاء على الآخر هو سبيل للبقاء والنجاة.
على إثر ذلك، يصبح أطفالنا وشبابنا أسرى لهذه الكلمات والمعتقدات كالزجاجة الثانية والثالثة اللاتي ذكرهما العالم الياباني “ما سارو إيموتو” في تجربته، بسبب ما تبثه الكلمات السلبية من سموم فاسدة.
فلكل أب وأم، اصنع من تربيتك إنسانا إيجابياً لا يشبه أحداً، سليمُ العقل قادرٌ على مواجهة التحديات، بكلماتك وإطرائك الطيب أولاً، وعلموهم كيف ينتقون كلماتهم التي يوجهونها إلى أنفسهم وللآخرين، وراقبوهم وأبعدوا عن طريقهم المصادر السلبية المؤثرة والمدمرة، حتى يعيشوا حياة سعيدة بعيداً عن الضغوطات.
أختتم حديثي بذِكر مقولة عن كتاب “خط الحياة” للمؤلِّفين تاد جيمس وايت وود سمول، حيث يقولون إن الطفل بعمر السبع السنوات تكون نسبة تشكُّل القيم وتخزينها في عقله مايفوق 90%، وفي عمر 21 سنة تكتمل جميع القيم وتستقر في ذهنه.
دعوة للتأمل والتفكر.. أي من القيم تريدونها أن تتشكل في عقول أبنائكم؟
بقلم: زينب المطوع – (الإمارات)