في أوقات الأزمات والكوارث تحدث أشياء غريبة، تنقلب الحقائق، وتتغير الأوضاع، تتبدل النفوس، وتظهر معالم وملامح جديدة لكل شئ كنا بالسابق نراه بشكل مختلف تماماً عن مفهومه في تلك الفترة الزمنية الصعبة.
في أيامنا العادية البعيدة عن الخوف والفزع من المرض، كنا نقضي ساعات يومنا في التنقل من مكان لآخر، ومن شخص لآخر، كنا نعيش في سلام مطمئنين لأحلام اليقظة، والتخطيط والعمل على ما ننشد إليه، وإحياء الأمل بداخلنا وضخُّه في عروق القلب، فكانت من أجمل لحظات حياتنا، حتي وإن حجبت عنا الرؤية، وامتنعنا بسببها عن مواجهة أنفسنا بواقعية، والتعرف علي واجباتنا الحقيقية تجاه أنفسنا وتجاه من نحب.
ولكننا تعرفنا علي حب من نوع جديد في زمن الكورونا..
بدأنا التفكير في الآمال المنسية البعيدة ومحاولتنا لتقريبها إلينا، تعرفنا علي أنفسنا بشكلٍ قريب لدرجة بعيدة، اكتشفنا كم ابتعدت المسافات الإنسانية بيننا وبين أحبائنا، اكتسبنا عاداتٍ جديدة كانت بالأمس أمنيات نودُّ لو نعيشها ولم نجد الفرصة لذلك، أرسلنا الرسائل المجبولة بالقلق والإرتياب والحب للإطمئنان علي أصدقائنا، وعائلاتنا، ومعارفنا في بلادنا البعيدة، وجدْنا الحب بيننا حيٌّ قريب.. أقرب من أي وقتٍ مضي!!
الساعات الطويلة التي نعيشها الآن في ذلك السكون المفاجئ، تُعطينا الفرصة للتحقق من أشياءٍ كثيرة، أشياء تُريد ابقاؤها كادت أن تُغادرك من شدة تجاهلك لها، وأخري تُريد مغادرتها من فرط استنزافها لك وقد ضعُفتَ بها، مهارات وعادات تحتاج أن تولد من جديد بعد كبحنا لها في ظل الظروف والأوقات السريعة السابقة، مشاعر، وحقوق، واهتمامات، وأحلام، وحسابات، تُطالب بمساحاتٍ آمنة وليست مؤقتة قد سُرقت منها علي غفلة في الماضي البعيد.
تلقينا كل تلك الرسائل في صمتٍ وسرعة لم نعهدها من قبل، خارج نطاق قدرات البشر على تحضير المفاجآت، وادراكنا لها هو خطوة عظيمة في النضج والنمو المعرفي لقدرات الإنسان.
اقترب إلي نفسك وإلي من تُحب ❤
بقلم: سمر الديب