|  آخر تحديث مارس 17, 2019 , 13:43 م

وعاهدت الحرفَ والمنفى


وعاهدت الحرفَ والمنفى




تبقى الثوابت والأصول تكافح في الوعي واللاوعي، لعلها تبحث عن مثال للوفاء كما عُرف به العرب قديماً، فللمثال الحي السموأل بن عاديا، حين تعرض لشتى أساليب التعذيب من قبل الحارث الغساني لينتزع منه دروعا وأسلحة أمنها إياه امرؤ القيس، فأبى أن يسلمها للحارث وبقي محافظا على عهده، حتى وهو يرى ابنه يُذبح أمامه.

سيمفونية الجسد المجهد من تزاحم الثبات مع تكاثر أسباب التزعزع، أضحت تشكل فارقاً كبيراً في الموازنة والمفارقة والانحياز المطلق، وكحكاية من الزمن الجميل تراثية المنشأ محرمة الهوى، لم يكن حضوره مألوفاً ومسالماً، بل مر مرور الكرام العظماء، تاركاً خلفه رائحة المجد والخريف المستكين، وبعضٌ من وعود بالبقاء، مراسم محكمة أنيقة وخطوات نسجت في الأرض المبللة أثراً لمن كانوا هنا، وثِقوا بأن الأرض مخلصة تحتفظ بالوعود، لكنهم ما علموا أو لعلهم تناسوا بأن ما على الأرض من أثر يُنحَتُ عليها بعد المطر، لن يستمر في ثباته حتى موسم المطر القادم، ورغم أسباب الرحيل المرتجع إلا أنهم في اللاوعي قد أوفوا بالعهود!، فما ذنب نعومة رمل الأرض إن لم يكن بمقدوره أن يتصلب، مثل تاريخ أثري تراثي تجسد بفعل عوامل الترسب، فأصبح معلماً مركوناً بين أربعة جدران تزوره وجوه مختلفة الأديان، تتساءل عن تاريخ هذا المعلم، لكنها تجهل كم حلما وكم عهداً وكم ذكرى بنيت على إثرها تلك التحف!، وكم نفسا تتوق إلى استنشاق رائحة المطر، ولما المطر من جديد!، ولماذا نستسقيه لتصيبنا حالة هستيرية تنتاب نبضات القلب، الذي يأخذنا إلى أقرب عازف كمان في مشهد درامي متقن، يعزف على الوتر ألحان الغياب! ولما الحنين يصيبنا!، فنعود بالذكرى إلى العهد القديم، والوعد المشتت مجهول الهوية، وكيف نتوسل القمر أن لا يغيب والوقت قد استهان بما ينتابنا من عجز فكر وكفاح وتمرُّد.

يحتفي أولئك الذين يحتفظون بالعهد ويجترون أحزان المارة الملقاة على عاتق رصيف التخلي والتجاهل، بليلة سرمدية يوقدون فيها الشموع ويعتزمون المكوث في زاوية المجد، لا لأنهم أوفوا بعهودهم الإنسانية فحسب، بل لأن لهم للأمكنة عهد وللذكرى وعد دَين، يتسامرون مع الخفايا ويتركون القليل منهم في ذات الزوايا، باختلاف إمكانية الدوران حول محيطها، مدركين بأن الحرف عهد وأن اللحن عهد طويل الأمد، وأن للأمكنة قدرة عظيمة في الاحتفاظ بما تتناقله الأنفس الملتجئة إليها، فليكن ذاك الحرف الذي يتسرب خلسة من ألستنا كحبل المشنقة، ولنكن نحن من ينفذ حكم الإعدام، وكما يُقال: “أمهل بالوعد وعجّل بالوفاء”.  

بقلم: فريال عبدالله – الإمارات


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com