أعرب معالي المهندس سهيل محمد فرج المزروعي وزير الطاقة والصناعة رئيس الدورة الحالية لمنظمة الأقطار المصدرة للبترول «أوبك»، عن تفاؤله الكبير بتحقيق التوازن بين العرض والطلب في أسواق النفط العالمية خلال العام الجاري، مؤكداً أن هذا التوازن لن يتحقق إلا بإزالة المتبقي من المخزونات العالمية من النفط والمقدرة حالياً بنحو 100 مليون برميل بعدما تم التخلص من 65% من تخمة المعروض.
واستعرض -خلال لقاء مع الصحافيين بمقر الوزارة في أبوظبي أول من أمس- النواحي الإيجابية الكبيرة لقرار منظمة أوبك بخفض الإنتاج واستمراره على مدار عامي 2017 و2018.
مؤكدا أن القرار أدى إلى تخلص الأسواق من 65% من تخمة المعروض، حيث انخفض المخزون التجاري العالمي لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأكثر من 220 مليون برميل منذ بداية عام 2017 مقارنة بمعدل الخمس سنوات السابقة.
وشدد على أن دول «أوبك» ستستمر في التزامها بخفض الإنتاج طوال العام الجاري، حيث لا يزال لدينا أكثر من 100 مليون برميل يجب إزالتها من السوق للوصول إلى متوسط المخزون العالمي للخمس سنوات المستهدفة.
وقال المزروعي: في نهاية عام 2016 جرت مشاورات كثيرة بين وزراء منظمة أوبك حول كيفية مواجهة ظاهرة تراجع الأسعار بشكل كبير، ولأول مرة اتفقنا على قرار تاريخي بخفض الإنتاج ونجحنا في خلق «تحالف قوى» التزمت فيه 24 دولة بوضع الحلول لمشكلتين رئيسيتين واجهتنا، المشكلة الأولى تتمثل في أن العرض أعلى من الطلب .
وكان لا بد من اتخاذ خطوات لتخفيض العرض، والمشكلة الثانية أن المعروض من النفط كان أعلى بكثير من الطلب خلال عامي 2015 و2016 ما أسفر عن مخزون كبير للغاية خاصة في أميركا ودول أخرى.
وواصل قائلاً: خلال هذه الفترة ادعى العديد من المشككين والمعارضين، أن منظمة أوبك وشركاءها من غير الأعضاء لم يحققوا سوى القليل، وبدأنا تنفيذ اتفاق الخفض وبلغت حصة دول أوبك 1.2 مليون برميل يوميا والدول غير الأعضاء 600 ألف برميل بإجمالي 1.8 مليون برميل يوميا، وخلال العام الأول حققنا نجاحا كبيرا بتقليص المخزون العالمي.
وحظي تمديد «إعلان التعاون» خلال الاجتماعات الوزارية المنعقدة في 30 نوفمبر 2017 بشأن خفض الإنتاج إلى 1.8 مليون برميل حتى نهاية 2018 بدعم كامل من الدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول غير الأعضاء فيها المشاركة في هذا الاتفاق.
وذكر أن نسبة الالتزام في خفض الإنتاج بلغت ما يعادل 129% في ديسمبر 2017، أما معدل نسب الالتزام للسنة الأولى فقد بلغت 107% ويعتبر هذا الإنجاز جديرا بالثناء، كما يعد الأول من نوعه لكونه جمع لأول مرة في تاريخ المنظمة ما بين الـ24 دولة الأعضاء فيها.
ولفت إلى أن هذا التعاون غير المسبوق أتاح إحراز تقدم كبير في إعادة مستويات المخزون إلى متوسط السنوات الخمس السابقة، وإعادة التوازن في العرض والطلب ما ساعد على عودة الاستقرار المستدام إلى السوق على المدى القصير والمتوسط والطويل الأجل، كما عزز استدامة النمو الاقتصادي الإيجابي العالمي.
وقال: لدينا اليوم تحالف قوي مكون من 24 دولة، وهناك 6 دول أخرى مؤيدة لنا، وتحضر اجتماعاتنا، لكنها لم تتخذ قرارا بعد، وعلينا اليوم الاستمرار في الالتزام بالخفض طوال العام الجاري 2018. وهذه الاستمرارية هي محور استراتيجيتنا، كما أن توفير بيئة مستقرة لسوق النفط تعتبر من الأولويات القصوى.
وواصل قائلاً: نحن كمنظمة سنعمل بقوة خلال العام الجاري على توازن السوق، وأعتقد أن وصولنا للمرحلة الأفضل من التوازن يحتاج لوقت خاصة في ظل وجود النفط الصخري والنفوط الأخرى، ونعتقد أن نسبة الالتزام القوية من الدول الأعضاء حتى نهاية العام الجاري ستلعب دورا قويا في دفع السوق للتوازن، وأتوقع أن تلتزم الدول بنسبة 100% أو أكثر، ولذلك أنا متفائل جداً.
وأكد أن الطلب على النفط خلال العام الجاري سيتزايد، متوقعا أن يزيد الطلب على النفط خلال العام الجاري بأكثر مما حدث العام الماضي. وقال: الطلب العام الماضي زاد بنحو 100 مليون إلى 105 ملايين برميل، وأعتقد أن العام الحالي سيشهد مزيدا من الطلب على النفط.
وأرجع زيادة الطلب على النفط إلى ما شهده الاقتصاد العالمي من زيادة ملحوظة في النمو خلال عام 2017 ليصل إلى 3.7%. وقال معاليه: في نهاية عام 2016 لم نكن نتوقع هذا النمو الإيجابي والكبير للاقتصاد العالمي، وخلال العام الماضي سجل النمو الاقتصادي العالمي أعلى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية لعام 2008 .
حيث عرف نمو الطلب على النفط مستويات صحية جدا في عامي 2017 و2018 بأكثر من 1.5 مليون برميل يوميا، وانخفضت المخزونات العالمية أيضا، وفي خضم هذا التغيير فإن أهدافنا لتخفيف البصمة البيئية للنفط لن تتراجع وذلك دعما لاتفاق باريس.
وأضاف معاليه: النفط يعتبر جزءا أساسيا من مستقبلنا تماما، كما كان جزءا رئيسيا من ماضينا ويلعب مزيج الطاقة العالمي دورا محوريا على مستوى العالم، فهناك العديد من الدول الأعضاء بأوبك يستثمرون بكثافة في مصادر الطاقة المتجددة، وسيظل كل من النفط والغاز المصدرين الرئيسين للطاقة في السنوات القادمة وسيشكلان معا ما يعادل 52% من مزيج الطاقة العالمي سنة 2040.
وأعرب المزروعي عن أمله أن يضع خلال ترؤسه لمنظمة أوبك خلال العام الجاري اتفاقية إطارية ترتبط باسم الإمارات واسمه شخصيا بحيث تستمر للأبد، وتكون منصة جديدة للتعاون وتبادل المعلومات والبيانات بين دول المنظمة.
وقال: أطمح لأن تكون هذه الاتفاقية الإطارية متميزة بطريقة منهجية للتعامل بين دول المنظمة، وكذلك للتعامل مع وسائل الإعلام لأن الإعلاميين ليسوا أعداء لنا بل هم ممكنين لنا ولأفكارنا.
ويجب أن تكون نظرتنا للتعاون معهم إيجابية، ومشكلتنا مع بعض وسائل الإعلام تأتي من التركيز على بعض الجزئيات وتضخيمها ونسيان وتجاهل الصورة العامة، ونحن لا نفرض على أحد طريقة للتفكير، بل نطالب الجميع بالتعاون والنظر إلى صورة الواقع النفطي بنظرة شمولية، وأعتقد أن التعامل مع الإعلام يمثل لنا في الوقت الحالي أولوية.
وحرص المزروعي على توجيه الشكر لوزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية في المملكة العربية السعودية رئيس منظمة أوبك لعام 2017 خالد الفالح، ووزير النفط والكهرباء والماء الكويتي الذي تولى رئاسة لجنة مراقبة الأسواق وقرار الخفض عصام المرزوق.
مؤكدا أن الوزيرين كان لهما دور كبير في نجاح قرار خفض الإنتاج من خلال التنسيق والتعاون مع دول المنظمة وغير الأعضاء، وأن جهودهما أضافت قيمة إيجابية للدبلوماسية العالمية، وقال: سأسعى خلال رئاستي للدورة الحالية لمنظمة أوبك إلى الاستمرار في العمل المثمر والبناء الذي قام به الوزيران.
وحول النفط الصخري وخطورته على منظمة أوبك ودولها، قال المزروعي: منتجو النفط الصخري ليسوا أعداء لنا، بل هم منتجون مثل المنتجين الآخرين ونحن نتواصل معهم، ولدينا آلية للتعامل معهم، ودول أوبك ليست خائفة من النفط الصخري وهناك تضخيم إعلامي لدوره في الأسواق العالمية، وبكل تأكيد النفط الصخري لا يشكل خطرا على توازن السوق ودوره مكمل ولا بد أن تعطى وسائل الإعلام لهذا النفط حجمه الحقيقي.
وأوضح أن أسعار النفط يتم تحديدها من قبل السوق وحده، معربا عن أمله في استقرار الأسعار على مستويات أكثر ملاءمة لتشجيع الاستثمارات التي تحتاجها صناعة النفط.
ويشمل ذلك تقليل الضغوطات المالية والتشغيلية على الشركات، وكذلك الضغوطات المتزايدة بغي إلغاء المشاريع أو تأجيلها، وقد كانت هناك نتائج محمودة عبر سلسلة القيمة لخفض التكاليف وزيادة الكفاءة، ولكن مع ذلك لا تزال هناك ضغوطات مستمرة.
ورداً على سؤال حول الأسباب التي تمنع منظمة أوبك من زيادة كمية خفض الإنتاج إلى مليوني برميل يوميا، قال المزروعي: «كمية الخفض المطبقة حاليا مدروسة بشكل دقيق للغاية، ولدينا في منظمة أوبك فرق علمية وبحثية تدرس واقع أسواق النقط بدقة.
وبالتأكيد فإن كمية الخفض البالغة حاليا 1.8 مليون برميل من دول المنظمة والدول غير الأعضاء هي الكمية المطلوبة بدقة التي ستؤدي إلى دفع الأسواق للاستقرار. وأوضح أن هناك تشاورا كبيرا ومستمرا بين وزراء النفط والطاقة في منظمة أوبك، وقال: ننتهز أي لقاء دولي لنعقد اجتماعات مع وزراء نفط دول المنظمة لتبادل الآراء.
والأسبوع الماضي التقينا في سلطنة عمان وسنلتقي هذا الأسبوع في لندن، وأؤكد أننا نتواصل معا بالمكالمات 5 مرات في الأسبوع على الأقل، ولولا هذا التواصل لما نجح قرار الخفض بصورة كبيرة كما حدث خلال العام الماضي، ونحن في أوبك أسرة واحدة وتواصلنا مستمر وقوي للغاية.
وشدد المزروعي على قوة الموقف الروسي المؤيد لدول منظمة أوبك. وقال: «ليس صحيحا أن الروس لديهم أي نوايا أو قرارات ضد قرار استمرار خفض الإنتاج، ونحن نتشاور بصورة مستمرة مع وزير النفط والطاقة الروسي، وأعتقد أنه لا يوجد لدينا أي قلق من روسيا أو أية دولة أخرى من دول المنظمة أو الدول غير الأعضاء لأن الكل يعمل لهدف واحد.
ولدينا لقاء مرتقب في السعودية سيتم الإعلان فيه عن نسب التزام دول المنظمة بالخفض، وأعتقد أن الجميع مصمم على الاستمرار طول العام في قرار خفض الإنتاج ولا يوجد انفلات من الدول غير الأعضاء.
أجاب معالي سهيل المزروعي عن سؤال حول ما إذا كانت السيارات الهجينة والكهربائية ستحل محل السيارات الحالية المزودة بمشتقات النفط (الجازولين والديزل)، قائلاً: ينبغي ألا ننسى أن نسبة 30% إلى 40% من مكونات السيارات الهجينة والكهربائية مصنوعة من مواد بترولية، كما أن هذا النوع من السيارات وفقا لأحسن المتفائلين لن يقضي على السيارات الحالية.
كما أن توقعاتهم بشأن عددها حتى عام 2050 لن يكون رقما كبيرا جدا، وهذا النوع من السيارات سيتواجد بجوار الأنواع الحالية التي تستخدم النفط والغاز الطبيعي، والصناعة في العالم اليوم تتطور بشكل كبير وعلينا أن ننظر لنتائج هذا التطور.
نفى سهيل المزروعي انغلاق منظمة أوبك على دول معينة فيما يشبه «اللوبي»، وقال: أوبك ليست «لوبي» إطلاقاً وبالعكس المنظمة مفتوحة لجميع الدول، وقد كان أعضاء المنظمة 12 دولة، الآن هم 24 دولة، ولم ترفض المنظمة أية طلبات لدولة معينة أو دول بعدم الانضمام إليها، بل على العكس أبوابنا مفتوحة للجميع طوال الوقت ولم نرفض طلب أية دولة للانضمام إلينا.
دعا معالي سهيل محمد فرج المزروعي وزير الطاقة والصناعة، رئيس الدورة الحالية لمنظمة الأقطار المصدرة للبترول «أوبك»، دول منظمة أوبك بإعادة الاستثمارات بقوة لقطاع النفط، لافتا إلى أهمية الاستراتيجية التي أعلنتها شركة بترول أبوظبي الوطنية باستثمار 400 مليار درهم (108 مليارات دولار) خلال السنوات الخمس المقبلة.
وقال: شركة أرامكو السعودية أعلنت عن استثمارات كبيرة خلال السنوات الثلاث المقبلة، وكذلك دولة الكويت. وأعتقد أن دول الخليج مهتمة بشكل كبير بالاستثمار في مشاريع النفط بغض النظر عن الأسعار الحالية، والسؤال الملح اليوم لدينا في منظمة أوبك هل لدينا استثمارات كافية تؤمن ما يحتاجه الطلب المستقبلي.
وأعتقد أن هذه إحدى الأولويات المهمة لنا في الفترة المقبلة، لأن خفض النفقات الرأسمالية على مستوى العالم لأكثر من تريليون دولار خلال السنوات الأخيرة قد قلل من الاكتشافات والإنتاجات المستقبلية، في الوقت الذي تتوقع فيه منظمة أوبك أن يزيد الطلب على النفط على المدى الطويل بمقدار 15.8 مليون برميل يوميا، أي بزيادة من 94.5 مليون برميل يوميا في سنة 2016 إلى 111.1 مليون برميل يوميا في سنة 2040.
وشدد على أن دول أوبك يجب عليها في الوقت الحالي أن تأخذ الخطوة التالية للبناء على ما أحرزته من نجاح بسبب قرار الخفض والنظر إلى أبعد من عملية إعادة التوازن في السوق، كما يجب علينا السعي إلى إضفاء الطابع المؤسسي المشترك على «إعلان التعاون».
وقال معاليه: لا بد أن يظل صوتنا الجماعي واضحا وموجزا ومتسقا، حيث إنه لا فائدة من الارتباكات والتكهنات في عالم النفط وقطاع الطاقة بشكل عام، كما أننا لا نريد العودة إلى تقلب السوق وإلى نفس التراجع الذي شهدناه في الأعوام 2014 و2015 و2016.
وواصل قائلا: إننا ندرك مدى أهمية إضفاء الطابع المؤسسي على إطار «إعلان التعاون» الذي يستند إلى هذه المنصة العالمية التي لا مثيل لها (أوبك) ويمكن أن يتجاوز ذلك المدى القصير وأن يتم النظر إلى التحديات الكبرى.
وكذلك إلى الفرص التي ستعرفها صناعة النفط في العقود القادمة، وإننا حريصون على ديناميكية العرض وسنواصل حوارنا مع اللاعبين الأميركيين بما يخدم مصلحة واستقرار السوق وتوازن العرض والطلب. وأضاف: بطبيعة الحال ستبقى هناك العديد من التحديات والمتغيرات حولنا، وهذه هي طبيعة قطاع الطاقة.