بقلم: منصور ماجد الذيابي
نعلم جميعا أن غالبية سكان الأرض يتألمون بسبب الأزمات الخانقة والمآسي الكارثية والقلاقل السياسية التي أدت الى نشوء مشكلات معقدة لاتزال عصية على الحل. فمنذ انتهاء الحربين العالميتين، مرورا بحرب النجوم فالحرب الباردة ثم سعي بعض الدول الى تطوير وامتلاك أسلحة كيميائية وبيولوجية تهدد الحياة على كوكب الأرض، منذ ذلك الوقت وعالمنا المعاصر لايزال يعاني بل وينزف ويصرخ ويئن تحت وطأة الأقوياء والجبابرة كنتيجة طبيعية لسلب الحقوق الإنسانية واستباحة مكتسبات وثروات الشعوب.
تأتي هذه الاعتداءات المتكررة بغية تحقيق أطماع سياسية واقتصادية على الأرض، وفرض الهيمنة والسيطرة على دول كانت مستقرة وآمنة مطمئنة. ومن هنا تفجرت الثورات واندلعت الصراعات العسكرية الدموية والأعمال الإرهابية للمنظمات المتمردة والدول المارقة دونما وازع من دين أو احترام لقانون. كما افرزت هذه السياسات العدوانية الجديدة مشاكل عالمية أخرى كأزمة النزوح التي تعد وصمة عار على جبين المجتمع الدولي حيث رفضت وترددت كثير من الدول استقبال النازحين الفارين من لهيب النزاعات المسلحة، بالرغم من قبول عدد ضئيل منهم من قبل حكومات دول أوروبية كانت حتى وقت قريب تتشدق باحترام الحريات وحقوق الانسان، وتنادي بتوفير سبل العيش الكريم، وتؤكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها على الأرض التي احتلت من قبل الغزاة والمعتدين.
كما يعاني العالم اليوم – نتيجة للسياسات الفاشلة وجنون العظمة والغطرسة – من مآسي أخرى عديدة كانتشار الأوبئة في مناطق الصراع، والجفاف في القارة السمراء وتلوث الماء والهواء, إضافة الى مآسي الفقر والجوع واللاجئين والمهاجرين والاتجار بالبشر والفساد وتهميش حقوق الأقليات العرقية في دول عديدة من العالم.
نعلم كذلك أن الله خلق الأرض لإعمارها وليس لتدميرها؟ الا أن ما نشاهده منذ عقود طويلة مضت وحتى اليوم هو حتما مخيب لآمال البشرية التي تتطلع الى حياة كريمة يسودها الأمن والأمان والسلم والاستقرار والعدالة والمساواة. لقد سعت دول كثيرة منذ عشرات السنين الى امتلاك أسلحة كيميائية وجرثومية خطيرة لفرض سياستها وبسط هيمنتها وسيطرتها على الدول الأقل تسليحا والأضعف قدرات. فهل هناك فرق بين قانون الغاب وبين القوانين والمواثيق والقرارات الأممية التي يحق للخمسة الكبار نقضها بكلمة واحدة VETO؟
نعلم أيضا أن مجلس الأمن الدولي هو الجهة الدولية المخولة بحل القضايا العالمية وإرساء الأمن والسلام في كل مناطق الصراع والنزاع، ولذلك نبتهج حينا عندما ترتفع الأيادي معلنة التصويت الجماعي بنعم لصالح قرار أممي في قضية من قضايا العالم التي تمس حقوق المدنيين وتهتم بنصرة المنكوبين والمضطهدين، وماهي الا لحظات حتى نرى يدا واحدة ترتفع فوق كل الأيادي والاكتاف معلنة حق النقض الفيتو الذي يمنح الدول دائمة العضوية حق النقض على أي قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي.
فهل من المعقول ان تتحكم خمس دول فقط بمصير العالم كله بحجة انها الدول الأقوى نفوذا في العالم؟ وكيف يسمح لها المجتمع الدولي بانتهاك وخرق القوانين والأعراف الدولية التي تعد منهجا ومرجعا دوليا منظما ومؤكدا على احترام كل المعاهدات والاتفاقيات الدولية. ومثال ذلك دخول روسيا عسكريا في الحرب السورية – السورية دون موافقة مجلس الأمن الدولي على ذلك. بل ان مجلس الأمن الدولي أخفق في تمرير بيان للتنديد بالعدوان الروسي بسبب استخدام مندوب روسيا لحق النقض. فأي مجلس هذا!، وأي أمن دولي مستتب!
أين الضمير العالمي من كل هذه المآسي، ولماذا الصمت الدولي، وكيف تقف الدول الأخرى موقف المتفرج إزاء صوت واحد معارض (الصوت الروسي) مقابل كل الأصوات والنداءات والصرخات المدوية التي تنطلق من حناجر النازحين والمهجرين والمسلوبين والمظلومين؟
سمعنا عن مؤتمرات عالمية ومبادرات ووساطات وجهود دولية كثيرة فشلت حتى الآن في حل قضايا العالم المختلفة والمتجددة بسبب تعنت بعض الدول ذات القوة والنفوذ كروسيا وإيران والصين وكوريا الشمالية، وامتناع دولا أخرى قوية عن المبادرة بالتدخل لنصرة الإنسانية وإيقاف الحروب كالولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا والمانيا. لا أرى سبيلا في اعتقادي ولا بارقة أمل تلوح في الأفق لحل القضايا العالمية العالقة ووقف المجازر البشرية الا بإجراء عمليات استفتاء شعبية بإشراف الأمم المتحدة لوقف وتسليم ومصادرة أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها الدول الكبرى، ثم إجراء تعديلات على خارطة العالم في أقصى الشمال الشرقي والغربي من العالم.
وكما رسمت الدول الاستعمارية آنذاك خارطة الشرق الأوسط بعد اتفاق سايكس بيكو الشهير الذي تم عام 1916م بتفاهمات سرية بين فرنسا وبريطانيا، ومصادقة روسية لاقتسام مناطق النفوذ بعد تهاوي الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، لذلك أرى أنه من الضروري تعزيز وتوحيد الجهود الدولية لرسم خارطة جديدة يتم من خلالها تحديد كانتونات او تقسيمات إدارية لمناطق آمنة مدعومة أمميا بالخدمات الأساسية اللازمة لاستقبال وايواء اعدادا كبيرة من المهجرين والنازحين عن مناطق الصراعات المسلحة.
ومن أجل أن تسعد البشرية على الأرض التي هيأ الله لحياة الانسان كي يعيش عليها ويسعى في مناكبها ويكسب منها رزقه وقوته في حالة من السلام والاستقرار والعدالة الاجتماعية، ومن أجل إيقاف سباق التسلح وحقن الدماء البريئة, ومساعدة الدول الفقيرة, ومكافحة مثلث الفقر والجوع والمرض، وتقرير مصير الشعوب المغتصبة أرضها والمهضومة حقوقها مثلما يحدث لأقلية الروهينغيا في ولاية أراكان غربي ميانمار حيث تشير التقديرات عام 2012 الى وجود اكثر من 800,000 روهينجي في اراكان, وتعتبرهم الأمم المتحدة بأنهم أكثر الأقليات اضطهادا في العالم, والذين فر العديد منهم للعيش في مخيمات لللاجئين في بنغلاديش المجاورة وعدد من المناطق داخل تايلند على الحدود مع بورما.
ومثال آخر لما يحدث في فلسطين العربية المحتلة التي وقعت تحت الانتداب البريطاني عام 1922 بعد الحرب العالمية الأولى عندما عقدت بريطانيا وعد بلفور عام 1917م الذي يقضي بتقسيم أرض الشرق الأوسط، وجعل فلسطين وطنا قوميا لليهود، ما أدى الى حرق المقدسات لطمس الهوية العربية وتهجير الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني، وفرض حصار مطبق على من تبقى منهم داخل الخط الأخضر وخارجه.
وبما أن بعضا من الدول تزيد مساحتها على سبعة ملايين كيلو متر مربع مثل روسيا وكندا وأمريكا والصين والبرازيل وأستراليا – في الوقت الذي تناضل أقليات عرقية لإيجاد موطئ قدم لها على الأرض- فماذا لو تبرعت كل من هذه الدول ذات المساحات الهائلة, بجزء صغير من مساحتها بحيث تتنازل عن ما نسبته 1.5% – 3.5% من مساحة الدولة لتمنح للأقليات العرقية وتبقى تحت تصرف محكمة دولية بحيث يتم استقبال وايواء اللاجئين والنازحين والمهاجرين.
كما نعلم أن جاليات عرقية كثيرة من حاملي الجنسية لا يسمح لهم بالتمتع بحقوق المواطنة الكاملة في مجالات عديدة بالرغم من حصولهم على جنسية الدولة التي يقيمون فيها. ومثال ذلك ما يحدث في دولة الاحتلال أو ما يسمى بإسرائيل حيث ينتهج الكيان الغاشم سياسة التمييز العنصري ضد العرب، ويتعامل معهم على أساس الدين وليس على أساس الجنسية.
ومرة أخرى، ومن أجل أن يعيش العالم بسلام ووئام واستقرار ورفاه اقتصادي، فانه لابد من تأسيس محكمة دولية عليا تُمنح صلاحيات واسعة وتتولى مسئولياتها في حل القضايا التي تطرح على مستوى مجلس الأمن الدولي وتصطدم بالفيتو.