تازة في 14 ابريل – مكتبة الإسكندرية
شهدت مدينة تازة بالمملكة المغربية صباح أمس افتتاح المنتدي الدولي الأول لمناهضة الفكر التطرفي، والذي تنظمه شبكة تازة التنموية بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية يومي ١٣-١٤ أبريل الحالي.
افتتح المنتدي كلا من الأستاذ لكبير الحراق رئيس شبكة تازة التنموية، والدكتور خالد عزب رئيس قطاع المشروعات والخدمات المركزية بمكتبة الإسكندرية، والأستاذة سكينة وعلي بالنيابة عن رئيس المجلس المحلي لمدينة تازة.
بدأ الأستاذ لكبير الحراق كلمته بالترحيب بالسادة الحضور وبالوفد المصري برئاسة الدكتور خالد عزب، مؤكدا علي ان هناك شراكة فعالة وحيوية تجمع مؤسسة تازة التنموية بمكتبة الإسكندرية فيما يخص محاربة التطرف ودراسة سبل التنوير والاجتهاد في هذا الباب، وأنه في هذا الإطار يأتي تنظيم هذا المنتدي والذي إتخذ عنوانا لتشجيع الإبداع من أدب وشعر كمدخل لمحاربة ومناهضة الفكر التطرفي.
كما أضاف أن تلك هي النسخة الأولي من المنتدي متمنيا أن تحقق أهدافها وأن تنتقل إليّ دورات أخري وشراكات أخري تضيف لبنك إضافية في طريق تمكين الشراكة ما بين الإطارين، وتعزيز الحقل التربوي وتكثيف التعاون بين مل المتنورين في الوطن العربي من أجل الحد من آفة التطرف.
وقد أكد علي أن التطرف لا لون له ولا دين، لكن للتطرف ثقافة وصناعة يغذيانه، ثقافة حاضنة ومشجعة كثقافة الإقصاء ورفض الآخر وتبخيس القيم و الكراهية وثقافة العداء لكل اختلاف وبكل اجتهاد، وصناعة تعتمد علي غسل الأدمغة والتخويف والإنعزالية واللعب علي المتناقضات وإستغلال الضعف والقهر.
كما أضاف أن الثقافة هي العامل الأهم في مواجهة التطرف والعنف، وهنا يكمن السؤال الهام، الثقافة في البلدان العربية…. ماذا تنتج؟ وما دور التربية وما هي مناهجها؟ وهل يمكن للأدب والإبداع عموما أن يقف في وجه العنف وأن يساهم في إيجاد مخارج من نفق التطرف؟.
وأكد الدكتور خالد عزب خلال كلمته علي أن مكتبة الإسكندرية تقوم حاليا بتوثيق حياة العلامة عبد الهادي التازي، والذي يعد من أعلام المغرب، لهذا اتجهت مكتبة الإسكندرية لإطلاق نشاطها من مدينة تازة في المملكة المغربية، فقد تخرج عبد الهادي التازي من قسم الجغرافيا في كلية الآداب جامعة الإسكندرية، وكان عضوا في مجمع اللغة العربية، ولعب دورا في مساندة مكتبة الإسكندرية، ولهذا استضافته المكتبة ضمن برنامج الباحث المقيم.
كما أضاف أن برنامج مكافحة التطرف والإرهاب لمكتبة الإسكندرية يقوم علي المجابهة الفكرية للتطرف والإرهاب عن عدة مستويات بدءا من دراسة ارتباط العنف بالدِّين عبر آليات علم الإجتماع الديني، لذا أنشأت مكتبة الإسكندرية سلسلة مراصد التي تدرس ظواهر التطرف وتحليل ونقد خطاب الجماعات المتطرفة وكذلك سلسلة التي أسست لتوطيد الدراسات المستقبلية في مصر والطن العربي وبدأت في العمل علي أرض الواقع عبر دورات الثقافة الإسلامية لكي تعطي ثقافة إسلامية عربية معاصرة للأجيال القادمة.
كما بدأت الأستاذة سكينة وعلي حديثها متقدمة بالشكر لشبكة تازة التنموية ومكتبة الإسكندرية علي هذا التعاون الهام والمثمر، وأكدت علي أهمية الفكر ومدي تأثير المفكرين علي السلوك العام تأثيرا إيجابيا يَصْب مباشرة في صالح مواجهة التطرف الفكري والعنف.
وتضمنت فعاليات اليوم الأول للمنتدي جلستان، كانت أولاهما بعنوان “تأثير التطرف علي الحياة العامة، ومقاربات مختلفة”.
وتحدث المستشار معتز إبراهيم توفيق؛ وكيل نيابة بالإسكندرية خلال هذه الجلسة عن مفهوم التطرف وتأثيره علي الوظيفة العامة، مؤكدا علي أن التطرف هو مصطلح يستخدم للدلالة علي كل ما يناقض الإعتدال، زيادة أو نقصانا، وأن اللجوء إليّ العنف سواء بشكل فردي أو جماعي من قبل هذا الفكر أو الجهة المتطرفة التابع لها بهدف فرض قيمها ومعاييرها أو بهدف إحداث تغيير في قيم ومعايير المجتمع الذي تنتمي إليه وفرض الرأي بالقوة هو أحد أشكال الإرهاب الفكري المنظم، ولذلك دائما ما يكون هناك علاقة وثيقة بين التطرف الفكري والإرهاب، حيث يعتبر الأول المرحلة الأولي للثاني.
كما أضاف أن الفقر والجهل والبطالة هم أهم الأسباب التي تعد دافعا مؤثرا في نمو ظاهرة التطرف داخل المجتمع، كما أكد علي أن الأهداف الرئيسيّة والأساسية للجماعات المتطرفة هو إستهداف وإضرار الدولة ومرفقها العام بشكل مباشر وغير مباشر، حيث ان تلك الجماعات المتطرفة تلجأ في غالب الأحيان إليّ إثارة الرأي العام حيال قضية إجتماعية ومهنية معينة مستخدمة في ذلك أتباعها من العاملين بالجهات الحكومية لبث هذه السموم داخل أروقة العمل بين باقي العاملين وبلبلة الرأي العام داخل المؤسسة الواحدة.
وتحدثت الأستاذة أولغا فرحات؛ ناشطة تربوية لبنانية عن التربية ودورها في تعزيز ثقافة السلام، فقد أوضحت أنه للتربية دورا أساسيا في إرساء الثقافة ونقلها من جيل إليّ جيل، كما أضافت أنه منذ القرن العشرين تناولت برامج التربية من أجل السلام باقة واسعة من المواضيع، كالتفاهم الولي والمسئولية البيئية والتواصل واللاعنف وتقنيات حل النزاعات والديمقراطية والتوعية بشأن حقوق الإنسان والتسامح في وجه التعددية والتعايش والمساواة بين الرجل والمرأة، إلا وأن فعالية تطبيق مبادئ التعليم من أجل السلام تختلف من بلد إليّ آخر، كما أنه يتسم بأهمية أكبر عندما يتم اعتماده وفقا للبيئة الإجتماعية والثقافية.
ومن جانبه أكد الأستاذ عبد الوهاب مطيش؛ نقيب المحامين السابق بتازة بالمملكة المغربية خلال كلمته علي مدي تصدي المملكة المغربية لجريمة الإرهاب من خلال القانون الجنائي، وأنه من أجل التصدي للتطرف والإرهاب لابد للمشرعين من سن ترسانة قوانين رادعة لردع التطرف والإرهاب وإستئصاله من جذوره والقضاء عليه بشكل نهائي.
وقال الأستاذ مهدي الإدريسي؛ كاتب وباحث إجتماعي، خلال كلمته عن القلق الهوياتي وسؤال انتقال المجتمعات اليوم، أن المجتمعات في المراحل الإنتقالية تعرف كيفية طرح سؤال الهوية، ولعل هذا ما ساهم في بروز سؤال الهوية اليوم، ولهذا فإن إعادة تعريف الهويات اليوم والإنتقال من الهوية المتغيرة هو أحد إهم المداخل لمواجهة التطرف والإرهاب.
كما أضاف أنه لابد من التأكيد علي أن خطاب التطرف اليوم هو خطاب عالمي لاسيما من طرف بعض أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، كما أكد علي أن الحل لمواجهة كل هذا يأتي من خلال بناء دولة المواطنة والدولة المدنية.
وبدأت الجلسة الثانية من المنتدي والتي كانت بعنوان “الشعر والأدب ودورهما في نشر ثقافة التسامح والحوار والمواطنة” بكلمة من الدكتور خالد عزب بعنوان ” الأدب والفن الإسلامي.. إستعادة المكروه للمستقبل”، أكد خلالها علي أن الثقافة العربية تواجه عدة تحديات معقدة، لعل أبرزها تحدي الهوية، ففي ظل تراجع المشروع القومي العربي، وتصاعد النبرات القطرية، يبقي سؤال الهوية أساسيا للمستقبل، لذا فإن علاقة الأجيال الجديدة باللغة العربية وآدابها، باتت علاقة محورية للمستقبل، فضعف هذه العلاقة بات يهدد هويتنا حتي القطرية، لذا فإننا هنا نبحث في قدرتنا علي التكيف مع التحديات المعقدة التي نواجهها.
كما أكد علي أنه من الضروري الآن التصحيح الذاتي self correction من خلال التعلم من التجارب والإستفادة من تراكم الخبرات، ففي حقيقة الأمر أدي الإنكفاء العربي علي الذات الوطنية إليّ مساحات من الفراغ جعلت تيارات العنف تنفذ من جلال هذه الأجيال، فالاستهتار بمدرس اللغة العربية علي شاشات التلفاز أدي إليّ نتائج سلبية، فضلا عن الترويج لنصوص أدبية تفتقد الجمال، بالإضافة إليّ طرق تدريس عقيمة.
وأضاف أن ذلك يتطلب الآن وليس غدا الانفتاح علي الأفكار المختلفة والمتضادة بشأن التعامل مع اللغة الوطنية وآدابها كأساس للهوية الوطنية، خاصة أن هذه اللغة ترتبط بالدِّين الذي يدين به أغلب المواطنين، وأن هذا ما يأكد أهمية تجنب الثبات علي مجموعة حلول تقليدية للتعامل مع كافة التحديات.
واستهل حديثه قائلا أن هنا يبقي السؤال الأساسي هل باتت اللغة العربية وآدابها محل تساؤلات اليوم في ظل تصاعد رغبات البعض في ترسيخ دور العامية ( كالعامية المغربية ) في المناهج الدراسية، أم أن الأمر يتجاوز ذلك بكثير، فإن التحليل الدقيق لمعطيات الأجيال الجديدة، سيجد أن اللغة العربية تمثل بالنسبة لهم مفتاح إما للتطرف ثم العنف أو للذهاب نحو التوازن النفسي والعطاء، هذا ما يفسر علي سبيل المثال: كثافة إقبال الجيل الثالث من المهاجرين في الغرب علي دراسة اللغة العربية، ليتجاوز موضوع الهوية اللغوية الوطن إليّ خارج حدوده، ليجد هؤلاء لدي تيارات الإسلام السياسي إجابات علي أسئلتهم، في ظل سياسات دول كألمانيا وفرنسا تعزز اللغة كرافد أساسي للهوية الوطنية.
وتطرق الدكتور خيري دومة؛ دكتور بجامعة القاهرة خلال كلمته إليّ الأدبية والتطرف قائلا نحن نقرأ القصائد والروايات وغيرها من أشكال الأدب، نستمتع بها، ونشعر أنها تنطوي علي سرها الذي يسحرنا ويغير حالتنا، ومع أن القصيدة أو الرواية ربما تكون قد غيرتنا فعلا، وغيرت إحساسنا بالعالم، فإن الشك يظل يساورنا دائما في مدي جدواها أو قدرتها علي تغيير ما يحيط بِنَا من واقع سئ، فكثيرا ما سألنا أنفسنا منذ أن بدأنا بقراءة الأدب، ودراسة نظرياته ونصوصه الخيالية، هل لقصيدة أو رواية تقوم علي الخيال أية فائدة ترجي في تغيير المجتمع؟ وهل بإمكان الأدب أن يغير الواقع فعلا؟ وهل يكتب الشعراء والروائيون بقصد تغيير العالم أو إصلاحه حقا؟.
وأكمل حديثه قائلا أنه ما من شك في أن الأدب يغير الواقع في كثير من الأحيان، لكن ما يقوم به من تغيير يتصف بخصائص محددة، أولاها أنه يجري علي المستوي العميق لعقل المتلقي ووجدانه، والثانية أنه يجري ببطء وعلي مهل، والثالثة أنه تغيير يجري علي أساس من إتصال فردي بين كاتب وقارئ يلتقيان علي صفحات نص أدبي يصنع عالما متخيلا، ومن مجموع الأفراد الذين قرأوا عملا أدبيا ما، فيمكن أن يحدث تغيير علي مستوي جماعي في فترة محددة، أو علي الأقل مستوي يتجاوز الفرد إليّ المجتمع في عمومه.
ومن جانبه أكد الأستاذ محمود عزت؛ نائب مدير إدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية علي أن الدول والمجتمعات العربية في حاجة إليّ إعادة النظر في البيئة الإجتماعية والثقافية السائدة لتنشئ عزيمة جدية لتحسين حياتها ومنظومتها الإقتصادية والسياسية علي النحو الذي يحسّن حياتها ويحقق كرامتها، و أضاف أن أضعف الإيمان فيما يمكن فعله في هذا المجال هو مؤتمرات ومنصات النقد للتطرف والعنف والرد عليهما وإثبات عدم صحة علاقتهما بكل ما هو عربي وكل ما هو إسلامي بدون التحرك الفعلي والعملي علي الأرض وهو ما تم إنجازه بالفعل من قبل عدد من المؤسسات الثقافية وعلي رأسها مكتبة الإسكندرية من حيث وضع إستراتيجية للتحرك الفعلي وبدء وعيها بأن المناعة الفكرية تحمي الأفراد والمجتمعات من التطرف والعنف والكراهية، وهذا يقتضي تشكيلات فكرية شاملة لا تقتصر علي الحماية من التطرف وإنما تعد أفرادا فعالين ومستقلين يصعب خداعهم وقيادتهم من دون إدراك، وفِي نفس الوقت قراءة التراث والتجربة التاريخية لاستدراك أخطاء الماضي وإستدعاء ما يحصن المجتمع.
كما أضاف أنه وبطبيعة الحال فإن المناعة الفكرية تعني تزويد الأفراد والمجتمعات بالمهارات والمعارف التي تمكنهم من التفكير الصحيح وتجنب الخطأ والإنحراف والتطرف ونقص المعارف والمهارات.
وفِي نهاية جلسات اليوم الأول تم إصدار إعلان و سمي ب”إعلان تازة لمواجهة التطرف والعنف”، والذي من خلاله تم إدانة كافة أشكال الإرهاب بمختلف دول المنطقة والعالم بأسره وكان آخرها ما حدث في مصر الأسبوع الماضي وراح ضحيتها أبرياء.
كما تم تضمن الإعلان توصيات المنتدي الدولي الأول لمناهضة الفكر التطرفي وهي كالآتي: يجب إعادة الإعتبار للغة العربية كلغة للقضاء علي تلك الظاهرة سواء عبر إحياء تراث الأدب العربي أو من خلال إحياء دور المثقفين والشعراء والأدباء وتخريج جيل جديد من المبدعين يُؤْمِن بدور الأدب والفنون والرياضة في توجيه طاقات الشعوب وتهذيب السلوك، التأكيد علي دور المثقفين العرب في نبذ العنف والتطرف ودراسة أسباب هذه الظاهرة ومنظومة القيم الإنسانية بإختلاف مكوناتها التي تستلزم مواجهة الإرهاب، التأكيد علي دور التربية المدنية بجميع مكوناتها الأسرية والمدرسية والدينية والإعلامية والثقافية في إرساء ثقافة نبذ العنف والتطرف والإرهاب وإنشاء تربية السلام والتسامح بين الشعوب، وأخيرا العمل علي بناء صناعات الإبداع الثقافية للكتابة والنشر والتأليف والتعبير والرواية والموسيقي والفنون التشكيلية والمسرح… إلخ.
واختتمت فعاليات اليوم الأول للمنتدي بأمسية شعرية وفنية تم من خلالها تكريم وتسليم دروع الفائزين بجائزة تازة الأدبية، والجدير بالذكر أنه تم تكريم كلا من الدكتور خالد عزب والأستاذ محمود عزت وكذلك تكريم مكتبة الإسكندرية متمثلة في الدكتور خالد عزب، وذلك للجهود المبذولة في مجال المجابهة الفكرية للتطرف وإسهامهم في إنجاح فاعليات المنتدى الدولي الاول لمجابهة التطرف بالمملكة المغربية.