|  آخر تحديث أبريل 2, 2017 , 2:41 ص

كن معى فى عالمى .. أطفال التوحد والعلاج بالفن


كن معى فى عالمى .. أطفال التوحد والعلاج بالفن



بقلم التشكيلية: ريهام السنباطى – ( مصر )

 
تُعتبر مرحلة الطفولة من أهم المراحل في حياة الإنسان لما لها من تأثير قوي فى تكوين شخصيته، ويُقاس تقدم المجتمعات من خلال مدى إهتمامها برعاية الأطفال، وما توفره لهم من رعاية صحية ونفسية جيدة تتيح لهم نموا سليما.
ومن هُنا جاء الاهتمام بالأطفال ذوى المشكلات والإضطرابات السلوكية المختلفة، حيث أن هؤلاء الأطفال يختلفون عن الأطفال العاديين، فقد لُوحظ على بعض الأطفال فى مرحلة الطفولة أنهم غير قادرين على التفاعل الاجتماعي، وإستطاع أحد أساتذة الطب النفسي بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكـية وهو الطبيب النفسى “ليو كانر “Leo Kanner أن يتعرف على أحد هذه الإضطرابات حيث قام بإجراء دراسة بعنوان (Autistic Disturbances of Affective) على (11) طفل، وأطلق عليهم إسم التوحد الطفولي المبكر (Early Infantile Autism)، فقد كان سلوكهم يتميز بالإنغلاق الكامل على الذات وإبتعادهم عن كل ما حولهم من ظواهر أو أحداث أو أفراد حتى لو كانوا أقرب الناس إليهم، وهؤلاء الأطفال دائمي الإنطواء والعزلة، وقد أطلق كانر على هذه الأعراض مصطلح التوحد الطفولى المبكر (Early Infantile Autism) .

 

والطفل من ذوى التوحد لا يُعطى اهتماما بتواجد الآخرين معه، ولا يستطيع ضبط سلوكه وفقا للبيئة الاجتماعية، ولديه صعوبة فى التعرف على مشاعر الآخرين، حيث تقل وسيلة التفاهم والتفاعل بين هذا الطفل وبين المحيطين به.
ويتسم الطفل من ذوى التوحد بصفات أولية تتمثل فى ضعف القدرة على تكوين العلاقات الاجتماعية، ويُظهر اهتماما ضئيلا بالكائنات الحية، ويُفضل الوحدة لفترات طويلة من الوقت، حيث يُفرط الطفل فى الإنطواء والتقوقع داخل عالمه الخاص ولديه صعوبة فى التعرف على مشاعر الآخرين، ومعظم الأطفال ذوى التوحد لا يستطيعون عمل تواصل بصرى، وبعضهم يتحدثون بصوت عالى النبرة، ويوجد عند البعض الآخر ضعف القدرة على التواصل اللفظى حيث يظهر لديهم إنخفاض فى قدراتهم التعبيرية، كما يُعانى الطفل من ذوى التوحد من مشكلة إستخدام الضمائر بحيث يستخدمها معكوسة أو فى غير موضعها، ويكرر نفس الكلمات أو العبارات التى يسمعها من الآخرين، ويفتقد الطفل من ذوى التوحد القدرة على فهم المعنى المطلوب من الحديث بصفة عامة.
ويظهر لدى الطفل من ذوى التوحد الإهتمامات والنشاطات المحدودة والسلوك النمطى وحركات الجسم المتكررة كما أنه يميل إلى إتباع نفس الروتين والعادات اليومية ويُصر على عدم إجراء أى تغييرات فى البيئة التى إعتاد عليها.
تسعى التربية الفنية المعاصرة إلى تدعيم الثقافة والمعرفة من خلال دراسة الفن لما لها من فوائد علاجية وتأهيلية لها تأثيرها المباشر على النواحي الفكرية، والاجتماعية، والبدنية، والانفعالية للعاديين وذوى الاحتياجات الخاصة، والتوحد بوصفه أحد الإضطرابات التي تجعله يُصنف كإحدى الفئات من ذوى الإحتياجات الخاصة يحتاج بصفة أساسية إلى أنشطة الفن وخاصة مجالات وأدوات التربية الفنية المتعددة التى تجذب إنتباه الأطفال ذوى التوحد وتُحفزهم على المشاركة مع الآخرين لتنمى لهولاء الأطفال المهارات الأساسية، والفكرية، والاجتماعية، والإنفعالية لديهم، ومساعدة من يقوم برعاية هولاء الأطفال إلى توجيه الأنشطة الفنية التي يقدمونها لأطفال هذه الفئة لأن تكون هادفة، ولذلك نجد أن “هربرت ريد 1973” إقترح فى كتابه “التربية عن طريق الفن” إستبدال مصطلح التربية الفنية بالتربية البصرية والتشكيلية ، كما أكد “بلور هاوس” Bluer, H على ربط التربية الفنية بالمجتمع وكيف تصبح الممارسات التى تؤدى من خلالها متصلة بحياة الفرد.

 
وإذا كانت التربية الفنية بصفة عامة وسيلة من وسائل التعبير والتنفيس عن رغبات وميول الأطفال الأسوياء ولها دور كبير فى تكوين وبناء شخصياتهم، فهى أيضا تشمل الفئات الخاصة، وتلعب دورا هاما فى المساهمة فى دمج الأطفال من ذوى الإحتياجات الخاصة فى المجتمع والتعايش معه لكى تنمو لديهم القدرة على التذوق وإدراك المفاهيم المختلفة، ويتحقق ذلك من خلال تهيئة بيئة فنية للأطفال ذوى التوحد تُمكّنهم من تنمية القدرات الفنية والإبتكارية، ويظهر ذلك من خلال فنون الأطفال المختلفة ومن أهمها رسوماتهم التي تقوم بالتنفيس عن مشاعرهم وإنفعالاتهم، وتحقيق عوامل الإتزان الإنفعالي بما يُسهم فى إكتشاف سمات الشخصية وميولها وكيفية إشباعها، وتفعيل دور المشاركة لدى الأطفال ذوى التوحد تجاه البيئة المحيطة بهم وإستخدام ما لديهم من حواس مختلفة لتنمية مهارات التواصل لديهم، والتى يُمكن أن تؤدى إلى إندماج الأطفال ذوى التوحد مع البيئة المحيطة بهم، ومع التطور التكنولوجى الحديث تعددت برامج الكمبيوتر ومنها ما صُمم خصيصا للأطفال ذوى القدرات المحدودة، فمن خلال برامج الكمبيوتر الفنية المُخصصة لهم ينتقل الطفل من ذوى التوحد من عالم الورق والقلم إلى التطور التقنى حيث تتشعب مداركه وتُنمى حواسه البصرية واللمسية وتُطور قدراته المعرفية مما يُسهم فى تفاعل الطفل مع البيئة المحيطة به وما يرتبط بها من مثيرات خارجية يُمكنها المساعدة فى تنمية مهارات التواصل لديه، وتتفاوت مشكلات التواصل لدى الأطفال ذوى التوحد حيث تعتمد على النمو العقلى والاجتماعى لديهم، وترجع أهمية تنمية مهارات التواصل لديهم إلى أنها تؤّمن لهم التفاعل والتكيف الاجتماعى من حيث الإستقبال البصري والسمعي والذوقي والصوتي والحركي.

 
ومن هنا نلقى الضوء على أهمية العلاج بالفن ومدى فعاليته فى تنمية مهارات التواصل لدي الأطفال ذوى التوحد ، وذلك لإن العلاج بالفن التشكيلى يلبى لهؤلاء الأطفال الحاجات الأساسية لديهم ويتماشى مع التخطيط العام لتأهيلهم من النواحى البدنية، والفكرية، والإجتماعية، والإنفعالية، ومساعدة من يقوم برعاية هؤلاء الأطفال إلى توجيه الأنشطة الفنية التى يقدمونها لأطفال هذه الفئة لأن تكون هادفة وليست عشوائية .


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com