|  آخر تحديث يناير 9, 2017 , 22:01 م

« الرحمة لأرواحنـا »


بقلم: زدروني سومية – ( الجزائر )

« الرحمة لأرواحنـا »



خرجت أنا وهي من المقبرة و نحن نردد أدعية الترحم على كل من فارقوا الحياة ، دخلنا السيارة ونحن نحمل مشاعر الحزن على وجوهنا ، الصمت كان سيد الموقف ، فالحزن أحيانا يعقد الأحبال الصوتية ، فتختلط الكلمات ببعضها ، لتلد لغة غير مفهومة ، و غير مرتبة و كأنها شظايا إنفجار بالقلب ، ظل سؤال يجول في شوارع عقلي ، على من تجوز الرحمة بالحياة ؟ – تجوز الرحمة على الذين يبدؤون في سرد قصصهم ، و عندما يصلون منعطف الوجع ، يخفضون سرعة النطق، يقفلون أفواههم، فترى الكرة الأرضية بضخامتها، تعبر البلعوم بريق تظنه للوهلة الأولى ماء بحر مالح ، فيصدر صوتا لمرورها ، أتابع سيرها كلما صادفتهم في جلسة فضفضة ، و أتسائل أين يذهب كل هذا الوجع ؟ أنتظر أن تشق صدورهم، وأن تقطع ثيابهم ، لكن هيهات أن يفضحهم الخذلان ، يمتص القلب كل هذا البؤس ، يهشمه إلى قطع صغيرة في دقائق قليلة ، ثم يلفظه على شكل تنهيدة ساخنة ، ابتسامة لم يكتشفوا بعد لونها و لا حتى اسمها ، دمعة تخرج لشجاعة صاحبها ، هؤلاء أيضا تشملهم الرحمة . – الرحمة تجوز على من يرتجلون الحياة بملابس ملونة ، لا كفن يصنفهم في غرف الأموات ، الذين تمارس قلوبهم رقصتها الشهيرة صعودا و نزولا على جهاز في كل مرة يذكرنا بأنه كاذب ، لكن سرعان ما تنبعث من كلماتهم رائحة أشياء طال موتها فتحللت بداخلهم ، كلما حدثهم عن الأمل عن المستقبل عن الحياة ، تجدهم يعذبون بما اقترفوه من صدق و نبل و وفاء.

الرحمة ليست حكرا على المقابر ، و لا مخصصة للأموات ، فهي واجبة عند رؤية دموع الرجال، وثرثرة النساء الموجوعات، صراخ الأطفال وعجز الكبار، تجوز على من يبكون أوطانهم على الحدود، و من يموتون على تراب الوطن، الرحمة تطول العاطلين عن العمل و العاطلين عن الأمل، على الذين يبنون بروج الأحلام ليلا، و تهدم صباحا على أول تغريدة عصفور، الرحمة لم تكن للأجساد الباردة فقط، بل كانت أيضا للأرواح التي فقدناها في معترك الحياة.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com