فلتعلم بأن َّ هذا الصباح لم يعد حاملا ً معه ضوء الشمس واشراقتها فحسب، هذا الصباح لم يحمل هذه الرياح الهادئة وهذا الحفيف المتناثر ِ أنغامه ُ عن عبث ٍ وعدم دراية! فهو َ يعلم تمام العلم والمعرفة ما تخبئه الذاكرة وما قد ترتكبه بضع رياح ٍ خفيفة ٍ من فوضى وبعثرة وتناثر ٌ في الروح حال استيقاظها في ذاكرته، فكم من خريف ٍ تساقطت أوراقه ُ في دواخلنا في الصيف والشتاء والربيع؛ فالخريف فينا لا فصول له؛ فهو يبدأ لحظة سقوطنا جثثاً مُرهقة ً على وسائدنا . وكم من خريف ٍ حوّلتنا أنغامه ُ الى عباقرة ٍ موسيقيين حتى نتمكن من قراءة أبجدية وقع سقوطه ِ فينا، وحتى نتمكن من قراءة أبجدية أصواته ِ وألحانه.
وكم من أرواح ٍ أرهقها الخريف بنسيانه وجفائه أحيتها أرواح ٌ أُخرى كفصل الربيع؛ فحالت كبراعم الزهور الخضراء المتفتحة، بل كوشاح ٍ ثقيل ٍ ملقى ً على سفح جبل ٍ عال ٍ يُداعبه النسيم بفضول.
#كم_هي_جميلة!
كم هي جميلة ٌ ..
لحظة إنتهاء فصل الخريف في أروقة ذكرياتنا، لحظة الإنتصار على الذات المحطمّة، والكيان المرَهق واللون الباهت، لحظة إرجاع النبض إلى إيقاعه ِ السابق، لحظة توقّف إيقاع سقوط أوراق الخريف وإنتهاء أبجدية الأصوات الحادّة الناجمة عن التكسّر والإصطدام بالأرض القاسية ، لحظة إحياء أبجدية الروح والروائح؛ كتفتح الروح وإزدهارها كما يتفتح زهر المشمش واللوز والزنبق، لحظة طغيان العبق ذو الأثر والرمَق، لحظة عزول فوضى الروح السوداء عن هيمنتها ، لحظة أن يُدرك الإنسان بأن َّ لحياته معنى ً ومقصداً وهدفاً ومصيراً علوياً ، لحظة أن ينتصر الإنسان لأنه عاش وازدهر، لحظة أن يمتلك ذلك القدْر من الحرية الذي يكفيه لمتابعة العيش بذلك الشغف والحب للتجريب، بذلك الإصرار للوقوف بعد السقوط، بذلك الحب للحياة والإستمرار والوصول.