|  آخر تحديث أكتوبر 11, 2016 , 9:14 ص

محمد بن راشد يصف دبي «هيه عندي مثلما عمر الشباب»


محمد بن راشد يصف دبي «هيه عندي مثلما عمر الشباب»



كعادة سموه إذا حلّق فإنه يحلّق فوق ناطحات السحاب عالياً، فلا يطاله فكر شاعر، ولا تضارعه مخاطرة مغامر، ولا تلحقه صهوات فارس، ولا يدركه ذكاء عالم دارس، وإذا غاص سموه في بحر قصيد لُجّي أو أمعن في مغزى مقال لوذعي، فإنه يغوص بالطبع في القيعان كأمهر الغواصين.

هكذا يبدو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في قصيدته الجديدة التي بعنوان: اكسروا القالب، بأنه عميق في تعبيراته، عنيد في تغييراته، دقيق في تقديراته، صريح في تحذيراته، متقن في تحبيراته، قائد متمرس في تنويراته، متقدم على الناس في تطويراته، متفوق عليهم في قدراته وتصويراته.

في قصيدته هذه يبدو وكأنه يتغزل بفتاة لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها، وقد وصفها بأدق الصفات وأعذب الشمائل:

 

يوم تظهر يوقف الكون ويصاب

                 بالذهول ويصبح الموقف خطير

ما أظن أنه أصلها من تراب

                 غير طينة مسك وإلا من حرير

سالبة لبي بطلتها استلاب

                   ولا نفعني لا حذير ولا نذير

نعم ويمكن أن يكون هذا التغزل في دبي التي تعشقها اليوم مشارق الأرض ومغاربها، فدبي أصبحت أرض الخرافة والأساطير، وأصبحت تروى على جميع الألسن حكاية وراء حكاية كأنها ألف ليلة وليلة، أو أي حديث من تلك الأحاديث الخيالية التي أخذت بألباب الناس زمانا، وبقيت تروى إلى يومنا هذا، فدبي هكذا أرض الأعاجيب السبعين لا السبعة:

من ملاحتها تخاف الانجذاب

                    من أخوها ومن أبوها اللي كبير

زينها ما يستوي إلا ف كتاب

                          أو رواية ألف ليلة والأمير

دونها الدنيا أحس بها خراب

                وكل شيء إذا إحضرت ينحس غير

عينها نشاب ترمي بالهداب

                      ولي تصيبه يا صريع ويا كسير

ودبي لا شك أنها اليوم دانة الدنيا، وهي على لسان كل مغرد، وهي أمنية كل صاحب أحلام يريد أن يمتلك جناحا في برج العرب أو فيلا في نخلة جميرا، ودبي يكفي أن يزورها الزائر مرة واحدة ثم ينجذب إليها لا شعوريا إلى الأبد، فيقرر عدم الخروج منها، وإذا خرج عاد إليها كالظمآن، ما ذلك إلا لأنها تملك أعينا سحرية إذا نظرت بها إلى أحد قتلته عشقا، وألقته في شباك غرامها، وقيدته بتباريح الشوق فلم يغادرها وهام في حبها.

لكن يترجح عندي أن الشاعر الكبير الشيخ محمد بن راشد قصد بهذه الوصفة التي تشبه الخلطة السحرية في هذه القصيدة المثيرة للجدل والتي بلغت حد الإعجاز، ( فندق برج العرب ) الذي هو أعجوبة واحدة من أعجوبات دبي، وإلى هذا اليوم هو وحيد عصره وقد أكمل سبعة عشر عاما من إنشائه، ولعل الذي يرشدنا إلى هذا القول هو البيت الذي يقول فيه:

ظبي اعفر بس تكسيه الثياب

                     توسنه بوسبع تعشر صغير

والبيت الذي يقول:

ما اتسمع لي بها يبدي عتاب

               وما أشوفه صادق أو عنده ضمير

ومما لا شك في أن مشاريع الشيخ محمد بن راشد منذ انطلاقتها تبدو عملاقة وفريدة ومعجزة، ولا تقف عند الخطة الخمسية والعشرية أو الخمسينية الأولى التي وضعها يوم توليه مقاليد الحكم في دبي، وقد مضى عليها اليوم أكثر من عشر سنوات.

كلا ففي السنوات العشر هذه وضع على الأقل خطتين خمسينيتين، ومع ذلك ففي كل يوم تتزاحم المشاريع العملاقة الأجد والأجمل على باب مكتبه الهندسي، وهو في سباق مع الزمن، وفي تحدٍّ مع العالم، وفي كل يوم ينظر إلى هاتين الخطتين فلا يتقيد بما وضعه في ذلك اليوم من جدول زمني، بل يحرك مشاريعه بحسب متطلبات الوقت والعصر، فخطة سموه كرقعة الشطرنج، تحتاج إلى لاعب ماهر ذكي ليتفاعل معها ومع الوقت، والشيخ محمد بن راشد هو الأذكى والأمهر طبعاً وهو ليس بلاعب ماهر فقط بل هو الأول دائما ولن يرضى إلا بالرقم واحد:

لذلك فإنه بلغ به اليقين لدرجة أنه قال للعالم اكسروا قوالبكم لأن مثله لن تبنوا، وإذا بنيتم الآن فلن تكونوا الأول.

هيه عندي مثلما عمر الشباب

                          ما تحب أنه يفارقك ويسير

وهيه عندي مثلما برد الشراب

                       وأنا في صحرا لهايبها سعير

وهيه عندي مهرة حطت خضاب

                       ما عسفها حد م البطرة تطير

أو مثل جر النفس ما به عذاب

                       ينزل ويطلع إلى اليوم الأخير

من غواها تمون تلعات الرقاب

                         رقم واحد هيه والثاني كثير

كنها من عقب ما صارت كعاب

                     اكسروا القالب مثلها ما يصير

شوف يا حمدان في هذا المصاب

                 لي محيرني ولا كنـــــــــــــي الخبير

هكذا أقرأ قصيدة سموه، وهذا الذي استشفه من خلال أنفاسه التي تشبه التورية في علم البديع، والتورية أن يحتمل اللفظ معنيين أحدهما قريب غير معني والآخر بعيد ولكنه هو المعني، وبعد هذا لكل أن ينظر إلى المحبوب بعينه، وأنا أنظر إلى المحبوب بعين شاعرنا القدير.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com