|  آخر تحديث يوليو 3, 2016 , 17:40 م

في الملف اللبناني: الدعوة إلى الفدرالية.. ضربٌ للكيان اللبناني واللامركزية هي الحل


بقلم الكاتب: د. زكريا حمودان - ( فرنسا )

في الملف اللبناني: الدعوة إلى الفدرالية.. ضربٌ للكيان اللبناني واللامركزية هي الحل



  •  تعيش المنطقة المحيطة بلبنان حالة من عدم التوازن الجيوسياسي جعلها عُرضة لكثيرٍ من الطروحات المتأرجحة بين وأد الصراع وحقن الدماء من جهة من خلال تشكيل دُوَل لامركزية موسّعة، وبين تقدّم الطروحات التقسيمية الديمغرافية في سوريا والعراق من جهة أخرى من خلال طرح الفدرالية. هذا التأرجح الصاعد يدفعنا للتعقّل والتفكير بالرؤية الأفضل في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ لبنان، هل هي اللامركزية الموسّعة أو الفدرالية؟ عادت المشاريع والطروحات المتعددة للأفرقاء السياسيين إلى التداول في طرح الفدرالية مع غياب الوعي الحقيقي حول تبعات هذا الطرح وتأثيره الكبير على مستقبل الوطن. فما هي الفدرالية وبماذا تختلف عن اللامركزية الموسّعة؟ وكيف ستكون صورة لبنان في حال تطبيق كلٍ من الطرحين؟ الفدرالية؟ الفدرالية هي نظام سياسي لإتحاد إختياري بين ولايات أو أقاليم، تختلف قومياً أو عرقياً أو ديانة أو لغة أو ثقافة، ويوجد تفويض للكيان المركزي للإتحاد بالبعض من الصلاحيات المشتركة كسياسة الدولة الخارجية والدفاع، مع الإحتفاظ ببعض الصلاحيات الحصرية لهذه الأقاليم أو الولايات. بما يعني توافر الإستقلال الذاتي للولايات أو الأقاليم المكونة للإتحاد، ولهذا أهم ما تتميّز به الدول الفدرالية أو الاتحادات الفدرالية هو الاستقلال الذاتي لكل ولاية. وبذلك تتمتع كل ولاية بدستورٍ إتحادي لكل إقليم، بحكومة للإقليم تتألف من رئيس الإقليم ورئيس الحكومة والوزراء، برلمان مُصَغَّر يشرف على أداء الحكومة الإقليمية، كما يتمتع الإقليم بثروته البشرية والإقتصادية والإنتاجية الذاتية.

     

    إنَّ أهم ما يُمَيز الفدرالية عن اللامركزية الموسّعة هي بُعدها السيادي الذي يمنحها إياه نظامها السياسي في وقتٍ لا تدخل اللامركزية الموسّعة ضمن النُظم السياسية المعروفة عالمياً وتبقى إستراتيجية تنظيمية للبلاد لها أبعادها الإنمائية والإجتماعية والسياسية. الفرق بين اللامركزية الموسّعة والفدرالية في لبنان يأتي تطبيق اللامركزية في لبنان اليوم بهدف الوصول إلى العديدِ من النقاط والأهداف التي لن تستطيعَ الفدرالية تأمينها، ومن أهمها: – إنشاء مجالس محليّة منتخبة على أساس نسبي تهدف إلى إقرار وتنفيذ المشاريع الإنمائية بأسرع وقتٍ ممكن وبفعالية أهم مقارنةً بالنظام المركزي الحالي. الهدف من هذه المجالس أن تكون مدنية تراعي الكفاءة في شروط الترشّح، وقد تكون هذه هي الخطوة الأولى نحو التخفيف من الطائفية. تتميّز هذه المجالس المحلية الموجودة في الأنظمة اللامركزية مقارنةً بالاتحادات المحليّة الموجودة في الأنظمة الفدرالية بالطابع المدني. بالمقابل، سيُبنى تطبيق الفدرالية في لبنان على أساس طائفي، وبالتالي ستكون الحكومات المحلية لكل إقليم ذات طابع طائفي يتبع للأكثرية الطائفية الموجودة في المحيط الجغرافي الذي سيبنى عليه تطبيق الفدرالية (أقضية أو محافظات). – تحصين الساحة الداخلية من الداخل والداخل فقط لا غير، عبر لقاءات روحية موسّعة تشمل جميع الأطراف الأساسية في الداخل اللبناني دون أن تأخُذ أي طابع سياسي، وهنا يكمن دور اللامركزية في هذا النوع من الدُوَل، حيث يمكن إستحداث مجالس روحية مصغّرة تهدف إلى نشر الوعي والتآخي بين الطوائف كما هي الحال في مدينة بوردو الفرنسية، وقد تتناول حاجات المواطنين وتنقلها إلى المجالس المحليّة فيتم بذلك الحفاظ على التعددية اللبنانية التي تَعَمَقَ كثيرون بالحديث عنها وعن أهمية الحفاظ عليها. هنا نكون قد خلقنا رابطاً واقعياً بين مجتمعنا الديني ومجتمعنا السياسي الإنمائي من ما قد يُسَهّل عملية الإنماء. – تجنيب لبنان الغرق أكثر في البحر الطائفي عبر إنشاء مناطق مذهبية من خلال الفدرالية، الأمر الذي قد يكون حلاً للإستقرار على النحو القريب ولكنه سيُفَجِّرُ حروباً مستقبلية تكون أكثر تعقيدا من الحرب الأهلية الأخيرة التي عصَفَت بلبنان، وإنَّ ما يحدثُ حالياً في منطقة الشرق الأوسط هو أفضل دليل على ذلك، فنعود هنا الى اللامركزية ودورها في إرخاء جوٍّ من المدنية واللِحمة الوطنية والإنصهار الوطني. – إمكانية تحقيق الإنماء المتوازن أكبر بكثير في ظل تطبيق اللامركزية الموسعة نظرا لغياب التوازن بين مختلف المناطق اللبنانية، وهنا تلعبُ الحكومة المركزية دَورَ المُوَزِّع لموارد الدولة ثُمَّ المراقب والمُوجّه بهدف الحفاظ على التوازن السكاني في المناطق وتَجَنُب الهجرات الداخلية التي قد تؤدي لخللٍ ما في الإكتظاظ السكاني مما قد يُحدث إنفجارات سكانية في بعضِ المناطق. هذا الأمر لا تستطيع الأنظمة الفدرالية تحقيقه بحيثُ يتمتع كل إقليم بثروته البشرية والإقتصادية والإنتاجية الذاتية كما ذكرنا سابقاً، الأمر الذي قد يُنشئ خللاً إقتصادياً بين المناطق. – في ظل تطبيق اللامركزية الموسّعة، يمكن وصول الأحزاب الصغرى المحلية أو إمكانية وصول عددٍ من المُستقلّين وغير االمرتبطين بمشاريع سياسية كُبرى على مستوى الوطن والتي قد تكون مفيدة جدا لتحريك عجلة الإنماء، وهنا التباين مع الأنظمة الفدراليّة التي تَتَمَيّز بالكانتونات المناطقية التي ستتحَوّل في لبنان إلى بؤرٍ طائفية نظراً لتقسيمة لبنان الجغرافية، الأمر الذي سيزيد من الشرخ الطائفي وبروز أحزاب أكثر طائفية من الأحزاب الحالية. تباعاً لما ذكرناه آنفاً، نرى الدور المهم الذي قد تلعبه اللامركزية من جهات عدة أهمها الإنماء المتوازن ونشر الوعي السياسي في المجتمع عبر تعزيز المنافسة والمُشاركة إضافةً إلى تحقيق الإنصهار الوطني وتخفيف الإحتقان المذهبي، وهذا ما لا تستطيع الفدرالية تحقيقه. أما الهواجس لدى الأفرقاء السياسيين فهي كثيرة ومتعددة وبدأ الكثير منها بالظهور عبر التسلّط والتربص بالوطن من خلال تعطيل عمل الدولة المركزية، لذلك أصبحنا اليوم بحاجةٍ أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى إلى نظامٍ يحمي وحدتنا الداخلية المهزوزة بسب الإختلاف العامودي الواضح بين الفرقاء السياسيين.

 

إذاً، هذه الدعوة إلى التقسيم على نحو طائفي من خلال تطبيق الفدرالية لا يجب أن تتم، ولا بُدَّ لطرح داخلي متماسك وحديث أن يُبصِرَ النور، فيستطيعُ أن يُعَزّزَ اللِحمَة الوطنية ويُقَرِّبُ وجهاتِ النظرِ المحلية إنطلاقاً من الإنتماء الوطني الذي يجب أن ينوَجِدَ عند جميع المهتمين بالشأن العام في لبنان، وذلك عبر تطبيق اللامركزية الموسّعة متعالين عن أي مكاسب سياسية.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com