|  آخر تحديث أبريل 9, 2016 , 14:55 م

« مصر والسعودية .. قيادة وحب »


بقلم الكـاتب: محمد عبدالمجيد علي – ( مصر )

« مصر والسعودية .. قيادة وحب »



الزيارة الملكية التى يقوم بها جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز، هى الزيارة الأولى لجلالته لوطنه الثانى جمهورية مصر العربية منذ توليه مقاليد الأمور فى المملكة العربية السعودية بعد رحيل المغفور له بأذن الله تعالي الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله. فعمق وتجذر العلاقات المصرية السعودية والتى ترجع لتاريخ عريق موغل فى القدم لعل أحدثه منذ ظهور الإسلام وانتشاره، وفتح العرب المسلمين لمصر فى عهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب وكان قائد الفتح عمرو بن العاص الذى أحب مصر حبا منقطع النظير حتى أنه عندما تعاون مع معاوية بن أبى سفيان وانضم لفريقه كان أحد شروط ذلك التعاون أن يعيده لحكم مصر وهو ما تحقق له بالفعل. أما فى التاريخ الأحدث فيرجع إلى قيام المملكة العربية السعودية كدولة على أرض الجزيرة العربية بعد توحيدها وتبادل الزيارات بين القيادتين المصرية والسعودية ثم لقاء الملك عبد العزيز رحمه الله بالرئيس الأمريكى روزفلت على متن المدمرة الأمريكية كوينسى فى البحيرات المرة الذى تم فيه تفاهم بين الطرفين حول العلاقات السعودية الأمريكية فيما يعرف بمعادلة الأمن مقابل النفط، فكانت مصر هى مكان لقاء القيادتين السعودية والأمريكية. ثم جاء إنشاء جامعة الدول العربية فى قمة أنشاص بالقاهرة وازدادت علاقات البلدين توثقا.

 

تربط الرياض بالقاهرة علاقة خاصة ومختلفة، فالبلدان يحملان ثقلاً ووزناً وترابطاً تاريخياً وثيقاً، وحين تتبعثر أوراق وتتداخل ملفات يأتي الحديث دوماً عن علاقة مرتبكة بين هذين القطرين كي تنمو في الساحة حكايات وقصص وتخلق جملة من الأكاذيب، لا سيما أن أي اهتزاز بين الشقيقتين فذاك يعني أن ثمة صداعاً نصفياً يضرب الوطن العربي ويعمّق الجراح، إضافة إلى ما في هذا الوطن الكبير من الآلام والأسى. بحضور العاهل السعودي الملك سلمان في القاهرة تأكيد متصل وظاهر على أن الحليفين الإقليميين على قدر عالٍ من التوافق والالتقاء والتقارب، وبرفقة الحضور رد طازج غير قابل للتكهنات ولا الدخول في تأويلات أو تفسيرات عن أن التواصل على ما يرام والعلاقات تسير بدفء وقوة، ونحو تعاطٍ شفاف وبزاوية رؤية دقيقة ووجهة نظر متحدة تجاه المهددات المحيطة كافة.

لا عيب في أن ينشأ اختلاف الى طاولة نقاش، لكن الاختلاف بين العقلاء والمدركين يثمر عن التوجه سريعاً لنقاط اتفاق هي حجر الزاوية من الحوار بالكامل، والمؤشر البارز في أن أي اختلاف عابر لن يفسد الود الكبير والخصوصية التي تتمتع بها علاقة استثنائية بين بلدين بحجم السعودية ومصر.

توقيت زيارة ملك السعودية توقيت مهم وستحمل الزيارة بلا شك تطلعات كُبرى ورسائل لازمة العرض والإيصال على الأصعدة الإقليمية والديبلوماسية والاقتصادية، ومعها كم كافٍ من الحرص المتبادل على تنسيق سعودي – مصري مشترك وتأكيد للتطابق في المواقف وما من شأنه أن يساهم أولاً في بقاء مصر قوية، ومن ثم التصدي للأزمات بيقظة، فضلاً عن المحــو العاجل لأي تداعيات سلبية طارئة يمكن أن تلد أو تنشأ.

الزيارة التاريخية للعاهل السعودي بالقراءة الهادئة للزمان وجملة المتغيرات الساخنة ستذهب بالعلاقات بين البلدين لما هو أقوى وأعمق، وستقف بثبات إزاء التغيرات المتجددة حول الطاولة العربية والإسلامية، فهناك ما يكفي من محاولات التمدد والعبث والسياسات العدائية التي تستهدف البلدين، ولا يمكن التصدي لها وقطع أوصالها وإيقافها عند الحد الذي يجب أن تقف عنده إلا بركل التخمينات السياسية والمضي نحو المستقبل بصحبة مبادرات ورؤى متقاربة واتفاقات لا تريح الحاضر فقط بل تعطي المستقبل تطمينات كافية وتعزز ثقل البلدين وقدرتهما على الالتقاء بوجهات النظر المركزة في أي وقت، والتكامل بالممكن من القوى تجاه أي خطر ونشر مسيس للفوضى، سيكون باب الرهان مفتوحاً في زيارة ملكية تسكت الأفواه الراغبة في أن تصطاد بأي ماء عكر، وتمرر ما رخص من العبارات وجمل التوتر، وكأن الملك سلمان بن عبدالعزيز يقول لمصر قيادة وشعباً: «يحدث ألا نلتقي – موقتاً – في حراك السياسة، لكننا نلتقي على الدوام ومع أوراق التاريخ ونبض القلوب وعند علاقات المودة والاحترام وتعزيزاً للصلات المتينة في الماضي والحاضر»، ويكفي السعودية ومصر قول المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود: «لا غنى لنا عن مصر ولا لمصر غنى عنا».

 

إن وصية الملك عبد العزيز لأولاده بضرورة توثيق علاقاتهم بمصر. وهذا دليل على عمق الرؤية الاستراتيجية للملك عبد العزيز الذى كان ملكا حكيما ذو بصيرة ويقدر الدول وتاريخها وحضارتها ودورها وهذا ما عرفه عن مصر وتاريخها وعلاقاتها بأرض بلاد الحرمين الشريفين. ومن هنا سار أبناؤه على هدى نصيحته بوجه عام رغم ما كان يعترى العلاقات من شوائب هى طبيعية لاختلاف بعض الرؤى أحيانا بحكم اختلاف المواقع الاستراتجية ومراحل التطور السياسى فبدأت العلاقات قوية بعد ثورة مصر فى 1952 ولكنها فترت قليلا نتيجة تطورات السياسة الدولية والإقليمية ودور كل من الدولتين، ولكن مع هذا وقفت السعودية مع مصر ضد العدوان الثلاثى كما وقفت مع مصر بعد هزيمة 1967 وتطورت العلاقات بصورة أقوى فى عهد الملك العروبى الوطنى الملك فيصل بن عبد العزيز ووقوفه مع مصر فى حرب 1973 وفرض المقاطعة البترولية على الدول التى تعادى مصر وتؤيد إسرائيل وكانت الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية ضمن تلك القائمة . والملك فيصل كان يدرك مكانة مصر ودورها وحروبها من أجل العروبة ومن أجل فلسطين وله قول مشهور “إنه يتمنى أن يصلى فى المسجد الأقصى قبل وفاته ولكنها إرادة الله التى لم تمكنه من ذلك، ومواقف القوى المعادية للعرب والقوى المؤيدة لإسرائيل وكذلك إخفاق بعض الدول العربية والقيادات الفلسطينية فى فهم مبادرة الرئيس الأسبق محمد أنور السادات بزيارته للقدس ومبادرته من أجل السلام بين العرب وإسرائيل والفلسطينيين وترتب على ذلك سوء الفهم من البعض ما أدى إلى تراجع القضية الفلسطينية وإضاعة الوقت والأرض.

الملك عبد الله رحمه الله كان من الملوك العظام الذين أدركوا دور مصر والتخريب الذى كان وما زال يقوم به الإخوان المسلمون من أجل فكرهم الخاطئ وطموحهم النهم للسلطة. واسترجاع التاريخ يوضح أن الملك عبد العزيز فى أول لقاء بينه وبين الشيخ حسن البنا فى موسم الحج عندما طلب فتح مكتب للحركة فى السعودية أجابه على الفور لمن؟ فقال للإخوان المسلمين فقال له بحزم كلنا إخوان وكلنا مسلمين وكان ردا حاسما وقاطعا وصحيحا فنحن أسلمنا منذ فتح مصر وأسلمت العرب منذ فتح مكة فما هذا القول غير المنطقى أنه رد سياسى محنك يرفض أسلوب الالتواء والخداع.

 

الملك عبد لله بن عبد العزيز كان موقفه قويا وجريئا فى مساندة مصر وثورة 30 يونيه تقديرا منه للدور الاستراتيجى لمصر، ورفض أن يعطى اهتماما للقوى الدولية والإقليمية التى ضغطت لتغيير موقفه من مصر . أما الملك سلمان حفظه الله فكان من أولوياته تأمين حدود السعودية ومقاومة الإرهاب ورفض التغلغل الإيرانى بقواه الخشنة أو الناعمة فى سوريا أو لبنان أو العراق والبحرين وآخرها اليمن. ولهذا تأخرت زيارته لمصر رغم قيام الرئيس عبد الفتاح السيسى بأكثر من زيارة للمملكة العربية السعودية. ونتيجة لهذه المشاغل الطبيعية لأى قائد جديد فى أية دولة روج الخراصون الأكاذيب حول العلاقات المصرية السعودية وكان فى مقدمتهم بكل أسف صحفيون وكتاب من البلدين. ولكن لحسن الحظ كانت القيادتان على وعى تام وإدراك كامل بالحقائق وأنه ليس هناك توتر فى العلاقات ولا فتور ولكن مشاغل وأولويات لدى القيادات . البعد الثالث إن الزيارة أكدت للبعيد والقريب أن العلاقات بخير ووضعت حدا للتخرصات الباطلة وللساعين للاصطياد فى المياه الراكدة. ولكن المياه المصرية السعودية لم تكن أبدا راكدة فقد قام الأمير محمد بن سلمان بأكثر من زيارة لمصر وأجرى مباحثات رفيعة المستوى وكان التنسيق قائما دون أى فتور. ثم جاءت أزمة أسعار البترول فوجد الخراصون موضوعا لإثارة الخلافات المصرية السعودية بالادعاء أن السعودية أفلست ولن تساعد مصر المفلسة لأن أموالها استنزفت فى مغامرة اليمن. ولكن الاتفاقات التى عقدت والمشروعات التى تم الاتفاق عليها بين البلدين تكذب هؤلاء الخراصين وجاءت الزيارة الفعلية لتضع نهاية لتلك الأقاويل وتقول لأعداء مصر والسعودية بل موتوا بغيظكم. ومصر تستقبل الملك سلمان أخا عزيزا وضيفا كريما فالملك سلمان ليس غريبا عنها فقد زارها عدة مرات عبر السنين، وتفاعل مع شعبها وقياداتها عبر المراحل العديدة. ومصر تقول له مرحبا بكم يا سلمان يا ابن السعودية البار وابن العروبة والإسلام فى أرض الأزهر الشريف وفى مصر المنافحة دائما عن العروبة والإسلام والتاريخ خير شاهد.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com