أعادت تصريحات محمد عيسى وزير الشؤون الدينة والأوقاف الجزائري، إلى الواجهة قضية العلاقات الجزائرية الإيرانية، بعد أن كشف الوزير عيسى عن مساع جهات أجنبية لزرع الفتنة في الجزائر من خلال نشر العديد من النحل والمذاهب المرفوضة شعبيا وحكوميا على غرار التشيع وفتح تحقيقات أمنية في هذا المجال.
العلاقات الجزائرية الإيراني عرفت منذ القدم فترات من التحسن وأخرى من التوتر، حيث تشهد في الفترة تقاربا كبيرا من الناحية السياسية بالنظر للعديد من القضايا الإقليمية والدولية، وضعفا من الناحية الاقتصادية بسبب أزمة النفط ورغبة الجزائر في حفظ الإنتاج في حين ترى ايران غير ذاك، وتدهورا من الناحية الدينية العقدية بسبب ظاهرة التشيع.
الجزائر قطعت علاقاتها مع طهران سنوات التسعينيات
وفي ذات السياق يعتقد زهير بوعمامة، استاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، أنه بشكل عام الجزائر تحرص على ان تكون لها علاقات طيبة مع جميع اشقائها في العالمي العربي والاسلامي وهي على هذا الاساس لها علاقات طيبة مع ايران في الحالات الطبيعية، ولكنها في الوقت ذاته ترفض اي تدخل في شأنها الداخلي كما تنأ بنفسها عن التدخل في شؤون الآخرين خاصة في ظل التعقيدات التي يشهدها الوضع الجيوسياسي المتقلب في المنطقة، والجميع يذكر أن الجزائر قطعت علاقاتها الدبلوماسية في تسعينيات القرن الماضي مع طهران حين تأكدت من ممارسات ايرانية مريبة كانت تهدف الى التدخل في شان البلد آنذاك حين كان يمر بفترة عصيبة.
الأن وقد عادت العلاقات بين البلدين الى طبيعتها اعتقد ان الايرانيين يدركون جيدا حساسية موضوع التدخل في الشأن الجزائري وإن كان هذه المرة عبر بوابة ‘نشر التشيع’ كما يقال، لذلك لا اعتقد ان الايرانيين سيجازفون بما يمكن ان يجعل علاقاتهم ببلد مهم في المنطقة الآن عرضة للمخاطرة مرة أخرى.. صحيح ان بعض الأوساط في ايران وعند حليفاتها يحاولون الاستثمار في بعض مواقف دبلوماسيتنا وتصويرها على انها اقرب الى توجهاتهم منها الى خصومهم الاقليميين في المنطقة ولكن هذا غير دقيق وغير صحيح… لأن مواقف الجزائر من مختلف القضايا المطروحة في المنطقة تستند الة مبادئ تلتزم بها سياستنا الخارجية منذ عقود وهي ابدا ليست منحازة لصالح طرف ضد آخر … على العكس لطالما كانت الجزائر تعمل على لم شمل ابناء المنطقة والدفع بالحلول السلمية التفاوضية بين الاطراف المختلفة لتسوية الملفات الشائكة بيننا وقناعتها مبنية على قاعدة ان المنطقة ستكون بحال افضل اذا خضعت سياساتها لمعادلات تحتوي جميه ابنائها وتجنبهم المواجهات العبثية التي تستنزفهم جميعا وتكون نتائجها في الاخير في صالح خصوم المنطقة التقليديين
على هذا الاساس تتعامل الجزائر مع ايران، حسب الدكتور بوعمامة، ليس انحيازا لها او لأطروحاتها ولكن التزاما بمبادئها التي تمسكت بها حتى وهي تمر بأصعب الظروف وحتى وهي تتعرض لضغوطات كبيرة… مذكرا ان موقف الجزائر من الملف اليمني بعيد تماما عن موقف طهران.. “صحيح اننا ضد الحل العسكري الذي لن يكون نتائجه الا تعقيدا للوضع”، معتبرا الجزائر مع الاجماع العربي في دعم حكومة هادي الشرعية واعتبار الحوثيين حركة متمردة تريد ان تستولي على الحكم في اليمن بقوة السلاح.
علاقة الجزائر وطهران ممتازة
يرى الأستاذ جمال بن عبد السلام، رئيس حزب الجزائر الجديدة، أن العلاقات الايرانية الجزائرية ممتازة ومتجذرة، ومن المنتظر ان تتعمق أكثر وتتوسع الى المجالات الاقتصادية وخصوصا بعد توقيع إيران للاتفاق النووي مع مجموعة 5+1، ولا يرى الأستاذ بن عبد السلام تأثيرا سلبيا للازمة السورية بين البلدين “بل بالعكس سوريا حلقة وصل اضافية في سلسلة العلاقات الجزائرية الإيرانية”.
اما موضوع التشيع في الجزائر والمدعوم من إيران، فيتقد أنها “صخب اعلامي اكثر منه حقيقة قائمة”، مشيرا الى أنه حقيقة يوجد في الجزائر من ينشط في حركية التشيع “ولكن ليس بغطاء ايراني رسمي”، فايران حسب رئيس الحزب تعرف درجة حساسية الجزائر من اي موضوع كهذا يسيء للعلاقات الثنائية وهي حريصة جيدا على تطويرها وتمتينها.
ويذكر بن عبد السلام أن الفترة الوحيدة التي ساءت فيها العلاقة بين البلدين كانت في عهد حكومة رضا مالك، سنوات التسعينيات من القرن الماضي بسبب “توجهاتها الاستئصالية والتغريبية والعمل على قطع اية علاقة بين الجزائر وعمقها العربي والإسلامي”، مشيرا الى انه تم حينها “اختلاق تهمة دعم ايران للجبهة الاسلامية للإنقاذ ومن بعد للجماعات المسلحة”.
اما موضوع النفط والطاقة، قال بن عبد السلام، أن نظرة البلدين كانت متوافقتين الى الاشهر الاخيرة بعد الاتفاق النووي، اين ظهرت حاجة ايران الى رفع انتاجها وهذا ما ينعكس سلبا على الاقتصاد الجزائري “لكن التدخل الروسي الاخير لدى ايران حول الموضوع قد ساهم في معالجة الموضوع”.
شعرة معاوية تحكم العلاقة بين البلدين
قال أحمد الدان، أمين عام حركة البناء الوطني “حزب إسلامي التوجه إخواني”، أن العلاقات الجزائرية مع إيران تعكس مبدأ شعرة معاوية، مبررا ذلك كون الجزائر تحاول التخفيف من الصراع البيني داخل الأمة الاسلامية وتعتبر ان المرحلة الحالية من التوترات هي حالة طارئة لا بد من إبقاء العلاقات مفتوحة وفرص المصالحة قائمة بعيدا عن التدخل في الشؤون الداخلية، وأما موضوع التشيع فالجزائر -يؤكد الاستاذ أحمد الدان- مستعصية لان فقهاء المالكية هم الذين انهوا الوجود الشيعي في الجزائر بالرغم من أن “الجزائر من الدول القليلة جدا التي تحتفل بعاشوراء كيوم عطلة مدفوعة الاجر لحبها لآل بيت رسول الله”.
وحذر المتحدث من كون العلاقات العربية المبنية على التضاد سوف تنهي الدول الصغيرة، والجزائر -حسبه-كما إيران وسوريا والعراق والسعودية هي دول محورية في جغرافيا العالم الإسلامي.
التوقيع على 5 برامج تعاون و3 مذكرات تفاهم
نهاية سنة 2015، عرفت زيارة لنائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، للجزائر، حيث تم التوقيع على 05 برامج تعاون و03 مذكرات تفاهم، وتخص البرامج التنفيذية للتعاون التي وقعت على هامش اجتماع اللجنة العليا المشتركة للبلدين وزارات الشباب والرياضة لسنة 2016-2017، والتكوين والتعليم المهنيين لسنة 2016-2017، والثقافة لفترة 2016-2018، والأشغال العمومية وكذا التعليم العالي والبحث العلمي لفترة 2016 -2018.
أما مذكرات التفاهم تتعلق بمجال التعليم العالي والبحث العلمي، والعدالة، والثالثة بين المعهد الدبلوماسي والعلاقات الدولية التابع لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية والكلية الإيرانية للعلاقات الدولية بوزارة الشؤون الخارجية.
بدوره أكد النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري بان العلاقات السياسية التي تجمع بلاده بالجزائر “متميزة” وأن الطرفين يجمعهما “تنسيق وتعاون على أعلى مستوى”.، معتبرا أن إيران “بحاجة إلى توطيد تعاونها مع الجزائر في اطار تطوير علاقاتها السياسية مع الدول الأخرى”، واصفا علاقات البلدين بـ”الاستراتيجية”.
السفير الإيراني بالجزائر تعرض لحملة طرد
لم تشفع زيارة النائب الأول للرئيس الإيراني، للجزائر نهاية شهر ديسمبر 2015، لتبدأ سنة 2016 على وقع حملة كبيرة تعرض لها أمير موسوي، سفير إيران بالجزائر، تطالب بطرده من بلد المليون ونصف المليون شهيد، قادها أنور مالك الكاتب والحقوقي الجزائري المعروف المقيم بفرنسا، والذي اتهم السفير موسوي بأنه “يسعى إلى صناعة لوبي شيعي ومنه طائفة شيعية معترف بها في الجزائر”، الأمر الذي جعله يخوض حملة ضده، وهي الحملة التي وجدت تفاعلا كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، عبر كل من الفايسبوك والتويتر، حيث انتشر شهر جانفي من السنة الحالية هشتاغ ( #اطردوا_أمير_موسوي ). الأمر الذي دفع السلطات العمومية للتحرك، حيث برأ حينها وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى السفير الإيراني من التهم الموجهة إليه المتمثلة في نشر التشيع، وهو ما دفع العديد من وسائل الإعلام لجزائرية بشن حملة ضد وزير الأوقاف بعد التصريحات التي أدلى بها.
بقلم الكاتب: عبد الله ندور – الجزائر