إعداد وحوار: شيرين فريد
في عالمٍ تتحدث فيه الموسيقى بلسانٍ أبلغ من الكلمات، تبرز سيلفيا سعد كأحد الوجوه المضيئة في المشهد الموسيقي العربي. عازفة الهارب الأولى في أوركسترا البحرين الفيلهارمونية، تحمل في عزفها مزيجًا من الرقة والقوة، وتُعيد إلى الذاكرة حضور الآلة التي طالما ارتبطت بالأسطورة والشاعرية.
بخلفية أكاديمية رصينة وتجربة دولية ثرية، استطاعت سيلفيا أن تُقدم آلة الهارب للجمهور العربي بلغة جديدة تمزج بين الأصالة والحداثة، وأن تفتح لها مكانًا على المسارح الكبرى في المنطقة. في هذا الحوار، تتحدث سيلفيا عن رحلتها مع الموسيقى، وعن علاقتها الخاصة بآلة الهارب، وتجربتها في أوركسترا البحرين الفيلهارمونية تحت قيادة الموسيقار الدكتور مبارك نجم.

من الشغف إلى الاحتراف
س: متى بدأتِ رحلتك مع آلة الهارب؟ وما الذي جذبك إليها؟
ج: بدأت رحلتي في سن العاشرة. كنت أتعلم العزف على البيانو، لكنني في إحدى الحفلات سمعت الهارب للمرة الأولى، وشعرت أنه آلة تتكلم لا تعزف فقط. كان صوته نقيًّا وشفافًا، ووجدت فيه شيئًا يُشبهني. منذ تلك اللحظة، أدركت أن هذه هي الآلة التي سأكمل بها طريقي.
س: كونك من القلائل الذين يعزفون الهارب في العالم العربي، كيف تنظرين إلى هذه المسؤولية؟
ج: أراها مسؤولية جميلة، وليست عبئًا. أشعر أن عليّ أن أُعرّف الناس بهذه الآلة الرقيقة، وأُقربها إلى قلوبهم. الهارب ليست آلة غريبة كما يظن البعض، بل شاعرية جدًا، قادرة على لمس أي قلب إذا أُتيح لها أن تُسمع.
مع أوركسترا البحرين الفيلهارمونية
س: كيف تصفين تجربتك مع أوركسترا البحرين الفيلهارمونية؟
ج: إنها تجربة ثرية ومُلهمة للغاية. فالأوركسترا لا تجمع موسيقيين فحسب، بل تُكوّن عائلة فنية تتناغم فيها الطاقات وتلتقي فيها الرؤى. هناك احترام عميق لكل آلة ولكل عازف، مما يخلق بيئة موسيقية راقية تدفعنا دومًا إلى التميز.
س: وكيف كان العمل تحت قيادة الموسيقار الدكتور مبارك نجم؟
ج: الدكتور مبارك نجم هو حجر الزاوية في هذا الكيان الفني الرائد. يمتلك رؤية شاملة تجمع بين الحس الموسيقي العميق والتنظيم الدقيق. ما يُميّزه أنه يُؤمن بالتنوع، ويدعم الآلات غير التقليدية مثل الهارب، ليُدخلها في النسيج الأوركسترالي بروح منفتحة ومستنيرة.
العزف تحت قيادته تجربة لا تُنسى؛ فهو لا يوجّه الأداء فحسب، بل يُلهِمنا جميعًا. يعرف كل آلة في عمقها، ويمنح كل عازف مساحة للتعبير ضمن انضباطٍ جماعي راقٍ. تحت قيادته، يتحول الأداء الجماعي إلى طاقة موسيقية حيّة تُترجم انسجامًا فنيًا نادرًا.
صوت الهارب في قلب الجمهور
س: ما أبرز التحديات التي تواجهينها كعازفة هارب ضمن أوركسترا كبيرة؟
ج: الهارب آلة حساسة ودقيقة جدًا، تحتاج إلى صبر كبير وضبط متواصل. كما أن إبراز صوتها وسط الأوركسترا يتطلب تقنيات خاصة وانتباهًا عاليًا. لكنها في المقابل تُكافئك بلمسة من السحر، تجعل كل عرض تجربة فريدة لا تتكرر.
س: هل تفضلين مؤلفات موسيقية معينة؟
ج: أحب أعمال ديبوسي ورافيل، وخاصة مقطوعةلكنني أيضًا أُحب أن أُعيد توزيع موسيقى عربية للهارب، مثل أعمال فريد الأطرش وعبد الوهاب. أجد متعة كبيرة في الجمع بين روحنا الشرقية وصوت الهارب الغربي، في حوارٍ موسيقي متجدد.
س: كيف كان تفاعل جمهور البحرين مع آلة الهارب؟
ج: جمهور البحرين يتمتع بذائقة راقية وفضول موسيقي جميل. في كل حفل، أرى الدهشة تتحول إلى إعجاب، والإعجاب إلى حب. كثيرون يطلبون أن يسمعوا الهارب مجددًا، وهذا يسعدني جدًا. أفكر في المستقبل في تقديم ورش تعريفية للأطفال والجمهور العام، لأن الموسيقى تنمو بالمعرفة والمشاركة.
نحو أفق موسيقي أكثر شمولًا
س: ما حلمك الشخصي والفني؟
ج: أحلم بتأسيس مدرسة للهارب في العالم العربي، تُخرّج جيلاً جديدًا من العازفين. كما أتمنى إقامة مهرجان عربي للهارب يضم مشاركات من مختلف الدول، ليكون منصة للتبادل الثقافي عبر الموسيقى، ولإيصال رسالة أن الجمال لغة مشتركة لا تعرف الحدود.
س: كلمة أخيرة؟
ج: الموسيقى لا تحتاج إلى ترجمة، فهي اللغة التي يفهمها القلب مباشرة. وآلة الهارب بالنسبة لي وسيلتي للتعبير عن هذا التواصل الإنساني العميق. أشكر أوركسترا البحرين الفيلهارمونية والدكتور مبارك نجم على دعمهم وإيمانهم، وأتمنى أن يظل الفن يحتل مكانته الطبيعية في وجدان الإنسان العربي.
شيرين فريد
كاتبة وصحفية ثقافية تهتم بتوثيق التجارب الفنية العربية وتسليط الضوء على الموسيقيين الذين ينسجون الجمال بأوتارهم وأحلامهم.



(
(





