|  آخر تحديث يناير 26, 2025 , 18:05 م

الوقت مفتاح النجاح وميزان الحياة


الوقت مفتاح النجاح وميزان الحياة



 

بقلم: المستشار أحمد فريد

 

 

الوقت هو أثمن ما يملكه الإنسان ، فهو المورد الوحيد الذي لا يُعوض ، ورأس المال الذي يُبنى به الحاضر ويُخطط به للمستقبل ، فمن أدرك قيمة الوقت وأستثمره أستطاع أن يصنع لنفسه مكانة رفيعة ومن أهمله عاش أسيراً للفوضى والخسران .

لقد جعل الله الوقت علامة على عظمة خلقه وأقسم به في مواضع كثيرة من كتابه العزيز، تنبيهاً على أهميته وقيمته يقول الله تعالى :

“وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ” (العصر: 1-2) ، حيث يشير القسم بالعصر إلى أن الإنسان في خسارة مستمرة ما لم يستثمر وقته في العمل الصالح والحق والصبر.

“وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى” (الليل: 1-2) ، فالليل والنهار هما مظاهر الزمن التي تدعو الإنسان إلى التفكير والعمل .

أما في السنة النبوية فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من إهدار الوقت وأكد على اغتنامه فيما ينفع ، يقول صلى الله عليه وسلم : ” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ” .

فالفراغ من أعظم النعم التي لا يدركها الإنسان إلا إذا ضاعت ، ولهذا كانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم واضحة للإستفادة من الوقت قبل فوات الأوان .

وفي حديث آخر قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” اغتنم خمسًا قبل خمس شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ” .

هذه الكلمات تحمل رسالة عميقة تحث على استثمار الوقت في جميع مراحل الحياة .

وقد أدرك العلماء منذ القدم أهمية الوقت ، فجعلوا من استثماره أحد أسس النجاح ، يقول الحسن البصري رحمه الله : ” يا ابن آدم إنما أنت أيام ، فإذا ذهب يومك ذهب بعضك ” .

وقال ابن القيم رحمه الله : ” إضاعة الوقت أشد من الموت ، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة ، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها ” .

 

ومن المؤسف أن هناك من يضيع وقته الثمين في الإنشغال بعيوب الآخرين ، منتقداً إياهم ومتجاهلًا ما فيه من العيوب ، إن هذا التصرف ليس فقط إهداراً للوقت ، بل أيضاً علامة على ضعف الإدراك وسوء استغلال العمر يقول أبو العتاهية :

” يا من يعيب وعيبُه متشعبٌ … كم فيك من عيبٍ وأنت تعيبُ “

 

إن الإنشغال بعيوب الناس لا يثمر إلا حسرة وضياعاً ، بينما التركيز على إصلاح النفس هو السبيل إلى تحقيق النجاح الحقيقي والإنسان الحكيم هو من ينشغل بوقته في تحسين ذاته ، ويترك الإنشغال بما لا يعنيه .

ومن أعظم صور إستثمار الوقت هو توجيهه إلى طلب العلم ، فالوقت الذي يُنفق في التعلم هو أثمن استثمار يمكن أن يقوم به الإنسان يقول الله تعالى : ” قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ” (الزمر: 9) ، وهذا يوضح مكانة العلم والعلماء الذين يُقدرون الوقت ويستغلونه في إكتساب المعرفة .

وطلب العلم ليس فقط وسيلة لتطوير الذات ، بل هو واجب يرفع من مكانة الإنسان ويجعله قادراً على الإسهام في بناء المجتمع ، يقول الإمام الشافعي رحمه الله : ” الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ” ، وهذه العبارة تختصر أهمية الوقت في حياة الإنسان ، خاصة في طلب العلم .

فالوقت هو العمود الفقري لتقدم المجتمعات ، فالأمم التي تحترم الوقت وتستثمره في التعليم والعمل والابتكار، هي التي تقود العالم وتصنع الحضارة ، أما الأمم التي تهدر وقتها في اللهو والفوضى ، فإنها تبقى في دائرة التخلف .

تأملوا كيف قامت الحضارات العظيمة على أكتاف العلماء والمفكرين الذين استثمروا وقتهم في التعلم والبحث ، هؤلاء لم يتركوا لحظة تضيع دون أن يضيفوا شيئاً جديداً للبشرية .

أن الوقت هو الحياة ، وهو الكنز الذي إن أُحسن استثماره كان مفتاحًا للنجاح والتميز، وإن أُهمل كان سبباً للندم والخسران ، العمر قصير والأيام تمضي سريعاً ، وما يمضي من الزمن لا يعود ، لذلك علينا أن نجعل من كل لحظة فرصة لتحقيق أهدافنا ، وبناء ذواتنا ، وخدمة أوطاننا .

إن استثمار الوقت في طلب العلم والتطوير المستمر للنفس هو السبيل الوحيد إلى تحقيق التقدم الفردي والجماعي ، كما أن ترك الإنشغال بما لا يعني ، والتوقف عن تضييع الأوقات في متابعة عيوب الآخرين أو السعي خلف الأمور التافهة ، هو دليل على وعي الإنسان ونضجه .

فلننظر إلى الحياة على أنها فرصة واحدة ، لا مجال فيها للتأجيل أو التسويف ، ولنحرص على أن تكون أوقاتنا شاهدة لنا لا علينا ، وأن نترك أثرًا طيبًا يذكرنا به الناس بعد رحيلنا.

نسأل الله أن يجعلنا ممن يحسنون إستغلال أوقاتهم ، وممن يسيرون على درب الناجحين والصالحين ، وأن يعيننا على إستثمار أعمارنا فيما يرضيه وينفعنا في دنيانا وآخرتنا .

وختامًا تذكروا دائماً قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك ” .

فلنجعل هذا الحديث نبراسًا نهتدي به ، ونجعل من وقتنا أعظم إستثمار نرسم به طريق المجد لأنفسنا ومجتمعنا .

 

 


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com