ينتظر المثقفون والقراء نتائج جائزة نوبل كل عام بذات الطريقة، يطرحون نفس الأسئلة، ويعلنون تخوفاتهم واستنتاجاتهم ذاتها، ويحتجون على نتائج العام الماضي والذي قبله، ثم يتذكرون كيف أن نوبل للآداب أعطيت في عام 2016، للمغني الأمريكي بوب ديلان، الذي يعتبر أول كاتب أغانٍ يحصل على جائزة نوبل، ثم ما يكادون ينسون هذه الصدمة (للذين لم يتقبلوا فوز كاتب أغانٍ لا يعرفونه)، حتى يفاجئهم فوز النرويجي يون فوسه بها عام 2023، وهو أحد الكتاب الذين يكتبون بلغة أقلية في النرويج، لا يتحدث بها سوى 8 % من سكان البلاد!
هذا العام، وبمجرد أن أعلنت النتائج، وفازت الكورية (هان كانغ)، صاحبة رواية «النباتية» الشهيرة التي ترجمتها دار التنوير، وتعرّف من خلالها القراء العرب على هذه الكاتبة، وخطها الحداثي في الكتابة، حتى سارع الجميع لطرح السؤال نفسه: ما الذي جعل كانغ تفوز بنوبل؟
لا أحد يستطيع أن يقرر بشكل دقيق مواصفات وذائقة لجنة الحكام التي تختار الأدباء الذين سيحملون الجائزة الأدبية الأرفع، فهذه واحدة من أكثر أسرار الجوائز الكبيرة، وكأنها قدس الأقداس، لكن علينا كقراء أن نكون مستعدين دائماً لكسر (التابو)، وهو هنا (تابو السلفية الأدبية)، القراء والمثقفين المؤمنين باستمرار، بأن الفائز بنوبل، يجب أن يكون شبيها بديستويفسكي أو فيكتور هوغو أو نجيب محفوظ أو.. بينما في العالم آلاف، بل ملايين الكتاب والعقول والتوجهات، وما لا يحصى من أنواع وأشكال الذائقة!
إن تهمة الانحياز تطارد كل لجان التحكيم وكل الجوائز، حتى إذا ظهر تهافت التهمة، ذهب الناس لاتهام الجائزة بأنها تخدم توجهات وتيارات معينة، يراد لها أن تنتشر وتقوى، رغم كراهة الناس لها، ثم يزيد الناس على ذلك، بأن الأمر له علاقة بالتمويل والسوق، وخدمة الأفكار المناقضة والمخالفة للفكر الرصين، بهدف إشاعة وتشجيع فكر التفاهة والتسطيح، ثم يتم الحديث عن الكوتا الجغرافية والإقليمية… وهكذا.
نوبل تمنح جوائزها حسب معاييرها، وكل زمن له تياراته ورموزه وأدباؤه، والعصر الذي أنتج تولستوي، لم يعد موجوداً، لكن عصوراً أخرى أتت بهواجسها وأسئلتها وتحدياتها، منتجة أدباء يعبرون عنها، وعلينا أن نتقبل أن لا ثابت في أي شيء، الثابت الوحيد، هو التغيير!!
بقلم: عائشة سلطان