ماذا لو عالمنا هو عالماً خالي من كل أشكال المنغثات؟
بلا حشرات مزعجة ولا أخبارا مٌحدقة ،ولا حروب وأمراضاً مُهلكة..
للكثير منا سيكون عالما مثالياً يطيب فيه العيش وتهنأ فيه الحياة.. فما بال عالمنا هذا ولمذا خُلق علي هذا الشكل؟
ألم يكن الله قادراً علي أن يخلقه بهيئة أخُري لننعم به ونشعر فيه بالراحة والسلام ؟
أم أن هناك حكمة خفية تستتر وراء كل هذا
في كتاب الدكتور مصطفى محمود “أسرار القرآن” أكد علي أن الله سبحانه وتعالي أراد الكون أن يكون هكذا بحيث ان يكون لكل شيئا آفة تعتدي عليه..فقد خلق الله النبات والجراد،
خلق الثمرة والعفن،
خلق الحديد والصدأ،
خلق الإنسان وخلق معه جيشا من الأعداء لأغتياله..،بق وبعوض وميكروبات وفيروسات ،سل وجزام وكوليرا،
والله لم يخفي هذه الحقيقة بل أعلنها في كتابه حين قال جل وعلا ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَد) أي في مشقة ومكابدة وعناء
لم يرد الله بالدنيا أن تكون دار سلام وإنما أرادها أن تكون دار عناء وكفاح وشد وجذب بين الأضداد ،أراد ان يمتحن كل شيئا فيُساق عليه ضده وأن يبتلي كل شئ بنقيضه وهذا ما يسمي بقانون “تدافع المتناقضات” وهو ما أشار إليه سبحانه وتعالي
{ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين}
وقال تعالى وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
الله يضرب الجبابرة بالجبابرة والطغاة بالطغاة
كي يستطيع الضعفاء العيش عبر إستنفاذ طاقة الأقوياء في ضرب بعضهم بعضا وهو ما يجعل هذا القانون هو مظلة أمان تحمينا من المتجبرين وذلك ينطبق علي الأفراد كما ينطبق علي الدول والأممم
فلم يترك الله أمريكا تمارس جبروتها علي سائر الدول بل دفعها بروسيا تساويها في القوة وتناقضها في الأفكار والإيدولجية
ومن خلال هذا الصراع تستطيع الدول الضعيفة أن تتنفس وتعيش بل وتستفيد من هذا الصراع ،ولو انفرضت دولة واحدة بالقوة لهلك العالم
لذلك ربط الله سبحانه وتعالى بين هذا القانون وبين الصلاح ولولاه لفسدت الأرض
ومن تجليات هذا القانون في الطبيعة أن في عام 1995 “Yellowstone park” كاد أن ينقرض
وكاد أن يتحول الي صحراء قاحلة نتيجه لتزايد أعداد الحيوانات والحل كان إعادة الحيوانات الي المتنزه ما عاد الي إعادة التوازن للسلسة الغذائية وبعث الحياة فيه من جديد
،وهذا هو القانون الإلهي الثابت “قانون دفع المتناقضات” يعمل في كل شئ بحكمة عظيمة
علي مستوي الأفراد والتاريخ والطبيعة وحتي الأنبياء لم يسلمو من هذا القانون [ وبذلك جعلنا لكل نبيا عدو من المجرمين ]
هذا القانون هو الآداة الربانية التي يصلح بها الحياة والخلق ويحرك بها الأحداث نحو التوازن بين مختلف القوي علي الأرض..
لكي لا يطغي طرفا علي الآخر ولكي تجد جميع المخلوقات والكائنات الحية فرصا متكافئة للحياة
لم يظلمنا الله بخلق المرض والميكروب والحشرات والوحوش وسلط بعضنا علي بعض بل جعل ذلك لخلق النظام والإنسجام بين مكونات الحياة
فمن الصراع مع الميكروب تقوي المناعة، ومن لدغة العقرب تتحفز الأنسجة وتقوي ومن خراب الحروب تُشيد الحضارات وتزدهر الأمم ومن مهابة الفقر والجوع تشتد العزائم وتعلو الهمم ومع كل هذا لم يبعث الله بنا لهذه الحياة بلا قوة ولا حيلة، بل منحنا سلاح العقل لكي نتجاوز كل الظروف الصعبة ونتسيد الطبيعة فقد خلق الله الداء ولكنه جعل لكل داءً دواءِ، وخلق العقل للإستدلال والتحليل ولنعرف كيف نتداوي ونبرأ من أمراضنا فالله خلق السم والترياق ولو سلمت الحياة من الأعداء والظلم والأذي لتخنفت وترهلت وضعفت وأنقرضت..،
جاءت قوانين الله علي الأرض حتي يتقوي الضعيف، ويضعف القوي وكي لا تطغي قوة علي قوة ولا حضارة علي حضارة
وفي المقابل نشر الإنسان التذمر والفوضي بعقله وعمله وحماقته ثم بعد كل هذا يأتي ليتسخط علي ربه!
لماذا خلقت كذا ولم تخلق كذا دون علما منه أن ما يحسبه شرا مهلكا قد يبعث به الحياة!
“وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ”
بقلم: د. رشا أبو العز