عبد العزيز محمود المصطفى – كاتب وأكاديمي
ربما يجدُ القارئ الكريم مبالغةً في ربط اللغة العربية بوجودنا، وهذا أمرٌ طبيعيٌ في ظل الاستقرار الذي تعيشه لغتنا، وما تنعم به من انتشار قلَّ مثيله؛ حيث يتحدث بها قرابة أربعمائة مليون شخصٍ ونيف حول العالم، كما أنها الرابعة انتشارًا بين المجتمعات؛ فهي أعرق اللغات عمرًا، وأفضلها بيانًا، ولا يخفى على متابعٍ أنها لغة العلم وشعرٍ، وقبل هذا كله هي لغة القرآن الكريم التي خصّها الله دون غيرها، وحفظها بحفظ كتابه المُنزل على حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ولكن من الواقعية وصوابية الرأي أن ننظر كذلك لما ألمّ بالعربية من لحنٍ وتهميش وتهشيمٍ في بعض بلداننا العربية على مدى قرونٍ ماضيةٍ، ولا سيمّا تلك المجتمعات التي تعرضت لاحتلال واستعمار من قبل دول أخرى، أو بسبب اختلاط أبناء البلد بالأجانب، أو المدارس الخاصة التي تفرض لغاتٍ أجنبية في تدريس مناهجها، الأمر الذي يؤدي شيئًا فشيئًا إلى ضعف في اللغة تحدثًا وممارسة، وكذلك التحديات التي تواجهه لغتنا في شتى الميادين، بحجج واهية وغير عادلة ولا منطقية.
ولا بد في هذه المقالة من التعريج ولو بغيضٍ من فيضِ سحرِ العربية وجمالها؛ إذ كان بعض العرب يسجدُ أحدهم بدونِ شعورٍ حين يقرأ أو يسمع شعرًا متميزًا، كما حصلَ مع الفرزدق بمسجد “بني أقصر” حين سمع رجلًا يُنشد قولَ لبيد:
وجلا السّيول عن الطلول
كأنها زبرٌ تجدّ متونها أقلامها
فما كان من الفرزدق إلاّ أن سجد، وقال لمن حوله: “أنتم تعرفون سجدة القرآن وأنا أعرفُ سجدة الشعر”. فاللغة العربية هي انتماؤنا لهذا الدين القيم، وهي مخزوننا القيم وثقافتنا وعلمنا، كما أنّها الوسيلة الوحيدة اليوم لتوحيدنا كأمة واحدة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.
وفي هذا الصدد لا بدّ من الإشادة بمساهماتٍ كان لها الأثر البالغ في غرس حبّ العربية في نفوس جيلنا الصاعد، الذي يواجه زعزعةً في ثقته بقوة لغته، وقدرتها على الثبات والاستجابة لمتطلبات العصر، نذكر من تلك المبادرات ما ينادي به صاحب السمو الشيخ الدكتور “سلطان بن محمد القاسمي” عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، الذي يشجع وباستمرارٍ على بذل كل الوسائل لتبقى العربية كائنًا يعيشُ ويتفاعل بين الأجيال.
ويعبّر كذلك بوضوح عن أنّ ما تتعرض له اللغة العربية “لا يخلو من الخبث، فلا بد من توحيد الجهود لحماية اللغة التي هي حماية وجودنا وتراثنا”.
فحريٌ بنا أن نقتفي أثر هذه القامة الوطنية الشامخة في حب العربية وإظهار محاسنها، والتشبث بها والمحافظة عليها، وتكريم أهلها؛ من معلمين وطلابٍ، فلغتنا تستحق منا كل فضيلة وعطاءٍ، ومالم نهتم بها اليوم فإننا نسير نحو الهاوية التي يريدها لنا أعداء أمتنا وتاريخنا وهويتنا.
من أجل ذلك كله لا بدّ من مضاعفة إسهامات الجميع؛ من مؤسساتٍ تعليمية، ووزارات ذات صلة، وأولياءِ أمورٍ، وطلاب مدارس وجامعات، للأخذ بعزيمة لا تلين للحفاظ على رابطة العقد بيننا، لغتنا لغة القرآن الكريم، فهي الوحيدة التي بها نكون أولا نكون.
azizabdu346@gmail.com