عندما ترى شيخك، كبير القوم، القائد ورئيس الدولة، يجلس في فناء الجامع مع الصائمين العابدين عند الإفطار، ومعه أبناؤه وأحفاده وإخوته، يكسر صيامه بفردة تمر وشربة ماء، من نفس العلبة التي تقدم لآلاف المصلين الذين يتوافدون يومياً في رمضان ليفطروا في رحاب بقعة طيبة تحمل اسم الأب الراحل المؤسس والرمز الذي لا يغيب عن الذاكرة، ويحتضنه ثراها، هنا تقف متأملاً هذه المدرسة العظيمة التي ولدت في الصحراء، فأثمرت لتفردها منهاجاً قل أن يراه غيرك في أحلامه قبل يقظته.
في كل يوم، وفي كل ساعة، وكل خطوة، نتعلم درساً من دروس القيادة، ونتذكر البدايات، فهذا الذي ترونه أمامكم لم ينجزه حاكم، حدوده قصره، وناسه من يدخلون مجلسه، يرى بعين الآخرين ويسمع بآذانهم، ويتخذ قراراته بناءً على أقوالهم، بل شيخ كان في صباه يحلم، وفي شبابه يرسم أمانيه على الرمال، وفي اللحظة الفارقة يحول كل ذلك إلى واقع، ذلك كان زايد، طيب الله ثراه، من كان محمد، حفظه الله، يقف أمام ضريحه بالأمس، قارئاً الفاتحة، وطالباً له الرحمة، وشاكراً له إنجازه المحفور في صفحات تاريخ يرويها بفخر واعتزاز، زايد الذي كنا نراه خالعاً نعليه، يمشي فوق رمال شاطئ عاصمته، ناظراً إلى الأفق البعيد، متحدثاً عن حماية المدينة وكسر حدة أمواج البحر، وهو من خاض في مياه سد الشويب الترابي المنهار موجهاً الجرافات لإصلاح الضرر، ومن زرع في كل ناحية شجرة رعاها حتى كبرت وتكاثرت، زايد الذي يمشي في الصحراء فيرى حاضرة تنبت في المستقبل القريب، فإذا بالعقد تكتمل حباته، مدن وبلدات تتلألأ بين التلال معلنة عن مجتمعات جديدة.
تذكرت «زايد» عندما شاهدت «محمد» في جامع زايد الكبير، في يوم جمعة بمنتصف عقد السبعينيات، ونحن نستمع إلى خطبة الإمام، فإذا بالحضور يرون «زايد» بينهم فيهمون بالوقوف وإفساح الطريق، فيشير بيده للجميع بأن يجلسوا في أماكنهم، وجلس بتواضع ووجه بشوش بين اثنين من الناس، وقد تكرر المشهد، نفس المشهد، وعدت إلى الوراء خمسين عاماً، نفس الروح، ونفس النقاء، إرث ينتقل من الأصل إلى النسل، فهذه مدرسة، سهلة دروسها، وكبيرة العبر التي نعتبر بها، من أفعال قادة لا يقطع السلطان حبال المودة بينهم وبين الناس.
بقلم: محمد يوسف