إذا كان الإنسان ماضويا فسيكون أسيرا للماضي ، و إذا كان محدودا فسيعيش الحاضر فقط ، أما إذا كان إماراتيا فسيستشرف المستقبل
( الغاية من الإدارة الحكومية هي خدمة الناس )
بهذه العبارة المفتاحية يطلق الشيخ محمد بن راشد مسبارا للعمل ، فالفهم الإماراتي للعمل الحكومي هو : ( إعطاء ) و ليس ( أخذ ) .
و الوزير الحصيف الأريب هو راسم سياسات ، لكن ليست أي سياسات ، التخطيط الحكومي ثم العمل الحكومي يجب أن يكون منبثقا من روح رحيمة ، بعيدا عن شهوة التحكم بالمتبوعين .
أعني السلطة و ليس التسلط … السلطة بمفهومها الأبوي الرحيم ، لا التسلط القائم على النيل من كرامات المأمورين .
الأمر الرحيم الأمر الحكيم الأمر العليم ، قابل للتنفيذ ، القرار المبني على الرحمة و الحكمة و العلم واجب التنفيذ ، بينما القرار الذي هدفه إقصاء الآخرين فحتما مصيره إلى أسفل السافلين .
وهذا التلازم بين الرحمة و الحكمة و العلم تلازم لازم ، أعني إن اتصف متخذ القرار بالرحمة فلا يكفي ، و إن اتصف بالحكمة فلا يكفي ، و إن اتصف بالعلم فلا يكفي ، الرحمة ضعيفة دون حكمة و علم ، و الحكمة مع العلم قاسية دون رحمة ، و العلم دون حنان الرحمة و حلاوة الحكمة : لا شيء … و هكذا فعلى متخذ القرار أن يضع نصب عينيه مصلحة المحكوم لا الحاكم ، ألم يقل حاكم دبي : غاية الإدارة خدمة الناس ؟
من هذه الينابيع الثرة نبعت القمة العالمية للحكومات 2024 بدبي ، بعد عقد كامل من تأسيس مفاهيم مضيئة في عالم الإدارة ، ثم في عوالم القيادة ، الإمارات الجمّاعة للخيرات ، انتخبت من العالم كله مجموعة ضخمة من العلماء و السياسيين بشعار ( استشراف حكومات المستقبل ) ، و المقصود بالاستشراف ، هو البناء من الأول على أسس قوية مدماكات من الوعي الصائب بحقيقة الخدمات التي تقدمها الحكومات للأفراد و للمؤسسات .
8 من العلماء الحاصلين على جائزة نوبل ، 200 متحدثا ، 120 وفدا حكوميا ، 120 ورشة عمل ، 15 منتدى ، 85 منظمة ، 25 رئيس دولة و حكومة ، 300 وزيرا ، 100 من المتخصصين في الذكاء الاصطناعي ، يسلطون الضوء على ستة محاور لخدمة البشرية : نمو الحكومات الفعالة ، الذكاء الاصطناعي ، اقتصادات المستقبل ، مجتمعات الغد ، الاستدامة ، الصحة .
فضيلة استشراف المستقبل
المواطنة ، نعم المواطنة السليمة القويمة هي أفضل ثمار استشراف المستقبل لأنه الدليل الأبرز على مجهودات الحكومات في سبيل نيل أعلى الدرجات في سلم الامتيازات ، يشعر المواطن – بعد استشراف تطبيقي لا نظري – بعلاقة طيبة مع الوطن ، و هذا لعمري هو تعريف المواطنة الحقة ، سلامة العلاقة التي تربط بين المواطن و الوطن ، فإذا شعر المقود أن القيادة تسهر على مصالحه المستقبلية من الآن ، اطمأن على أحواله المعيشية و على أحوال أبنائه من بعده ، و هذا بالضبط المفهوم العميق للعبارة الذهبية : ( لا تشلون هم ) التي أسس فيها سمو الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات ، لعصر جديد جميل من هناءة العيش ، أنتم الآن في أمان سيشرق على أولادكم من بعدكم ، لا هم في الماضي و لا في الحاضر و لا في المستقبل .
مرادات قمة الحكومات
جمعت دولة الإمارات الحكومات العربية و الغربية لتقول لهم : لا بد من هوية لمآلات الأيام ، مشوار الألف ميل يجب أن يبدأ أولا بخطة ، ثم ثانيا بخطوة ، المحكومون لن يرحموا عملا حكوميا عشوائيا ، لن تتنعم أي حكومة بالاستقرار و الازدهار إن لم تخطط من الآن لما بعد دوران عجلة الزمان .
ستفوز الحكومة التي تدرسس خططها بوعي استشرافي بمصير أخضر ، ستحقق إيرادات مادية مالية ، و الأهم منها ستحقق إيرادات معنوية ثرية تجعلها ضمن الدول المتقدمة في تراتبية البشرية .
جملية جدا الأحلام اللازوردية ، لكن الأنفع منها تقديم عمل علمي عملي يساهد بنهوض المتعثرين ، و يحض الماشين على الركض ، و يحض الراكضين على الطيران .
نجحت القمة العالمية للحكومات 2024 في دبي برسم خارطة طريق لمستقبل آن أوان البدء فيه من الآن ، نحو إنجازات حكومية تربط القاعدة بالقمة ، تربط الشعب بالقيادة ، تربط الماضي بالمستقبل .
بقلم: د. أحمد طقش