|  آخر تحديث فبراير 18, 2016 , 23:06 م

مكتبة الإسكندرية تُعيد إصدار 50 كتابًا من التراث الإسلامي الحديث


مكتبة الإسكندرية تُعيد إصدار 50 كتابًا من التراث الإسلامي الحديث



الإسكندرية في 18 فبراير أصدرت مكتبة الإسكندرية الكتيب التعريفي لسلسلة “في الفكر النهضوي الإسلامي”، الصادرة عن مشروع “تقديم مختارات من التراث الحديث للمجتمعات الإسلامية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين/ التاسع عشر والعشرين الميلاديين”.

وقام المشروع الذي تنفذه مكتبة الإسكندرية بإعادة إصدار 50 كتابًا من الإسهامات الكبيرة التي قام بها المفكرين والعلماء المسلمين في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين. وتتناول الكتب عدة محاور؛ منها: قضايا النهضة، التمدن الإسلامي، التجديد والإصلاح، الشريعة ونظام الحكم، قضايا الحرية والتحرر، وقضايا المرأة.

ويقول الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب؛ شيخ الأزهر الشريف، إن هذا المشروع الذي تقوم به مكتبة الإسكندرية، وهي تستهدف إعادة نشر الإنتاج العلمي والثقافي لأعلام نهضتنا في العصر الحديث، من أهم المشاريع العلمية التي تهدف إلى تأصيل المفاهيم الثقافية في العالم الإسلامي وإعادة تأسيس عقل إسلامي معاصر يستوعب أصوله ويعيش عصره. ودعا شيخ الأزهر إلى ترجمة هذه الأعمال إلى اللغات الحية، وتعميم نشرها، بكل الوسائل الورقية والإلكترونية.

وأكد الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي جمهورية مصر العربية، أن التجديد ضرورة دينية وبشرية على حد سواء، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”. وفي ظل توسع الأمة واتساع رقعتها والانفتاح العالمي وارتفاع الأسقف المعرفية للعلوم والمعارف، وتضخم الخلل الموجود في واقعنا المعاصر، فإن إرادة التجديد يجب أن تتم بأيدي الراسخين في العلم وعن طريق المتخصصين كل في مجاله، من أجل إيجاد خطاب ديني واع ومنضبط مرتبط بالأصل ومتصل بالعصر”.

وأضاف: “وفي هذا السياق، تأتي هذه السلسلة الهامة التي تصدرها مكتبة الإسكندرية إعلانًا عن أهمية الاجتهاد وضرورة التجديد”.

من جانبه، قال الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية، إن فكرة سلسلة “في الفكر النهضوي الإسلامي”، الصادرة عن مشروع “تقديم مختارات من التراث الحديث للمجتمعات الإسلامية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين/ التاسع عشر والعشرين الميلاديين” قد نبعت من الرؤية التي تتبناها مكتبة الإسكندرية بشأن ضرورة المحافظة على التراث الفكري والعلمي في مختلف مجالات المعرفة، والمساهمة في نقل هذا التراث إلى قطاع عريض من القراء والمثقفين من طلاب الجامعات والمعاهد والباحثين والمهتمين بالفكر النهضوي في تراثنا، من خلال إتاحته ورقيًا وإلكترونيًا، كي يتمكنوا من الاطلاع على أفكار هؤلاء الرواد وأعمالهم، تأكيدًا لأهمية التواصل بين أجيال الأمة عبر تاريخها الحضاري.

 

وأضاف أن السبب الرئيسي وراء اختيار هذين القرنين هو وجود انطباع سائد غير صحيح عن أن الاسهامات الكبيرة التي قام بها المفكرون والعلماء المسلمون قد توقفت عند فترات تاريخية قديمة ولم تتجاوزها، في حين أن استعراض وثائق هذه المرحلة يشير إلى غير ذلك، ويؤكد على أن عطاء المفكرين المسلمين، وإن مر بمد وجزر، قد تواصل عبر الأحقاب الزمنية المختلفة، بما في ذلك الحقبة الحديثة، والتي تشمل القرنين الأخيرين.

والسلسلة لا تهدف فقط إلى تقديم آخر طبعة أصلية صدرت للكتاب في حياة المؤلف وتدقيقها، وإنما الأهم أنه يتم لأول مرة عمل دراسات تقديمية موسعة لكل كتاب، يقوم بها باحثون متخصصون من جيل الشباب والوسط، في محاولة لترسيخ التواصل بين الأجيال. وتقوم اللجنة العلمية للمشروع بمناقشة هؤلاء الباحثين ومراجعة دراساتهم، كما تشترك معهم في حوارات علمية رصينة تضم كاتب التقديم ونظراءه من فريق الباحثين، وذلك قبل إقرار الدراسة التي تخضع لمنهجية علمية صارمة تتضمن تعريفا بالكتاب، وردود الفعل عليه وقت صدوره، وبمؤلفه وأهم ملامح مشروعه الفكري التجديدي، بالإضافة إلى توافر أركان الدقة والضبط والمراجعة.

ويضيف سراج الدين: لقد حاولنا اختيار الكتب التي تعرض للأسئلة والتحديات التي واجهت الأمة، لدى احتكاكها بالعالم الغربي منذ بدايات القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي، وكيف حاول مفكرو الأمة وعلماؤها الاجتهاد في الإجابة عن هذه الأسئلة والتحديات التي واجهوها في زمانهم. ومازال كثير من هذه الأسئلة والقضايا والتحديات مطروحًا علينا، وهو ما يلقي على علماء الأمة ومفكريها الآن مسئولية استيعاب تلك الأفكار والاسترشاد بها، ومن ثم مسئولية الاجتهاد والتجديد للإجابة عن هذه الأسئلة والتحديات، من منطلق متغيرات العصر في قضايا لا تزال تحتل أهمية كبيرة في حياتنا. ولقد كان هذا المشروع سباقًا في رؤيته لأهمية التجديد في الفكر الإسلامي وضرورته، ولفت نظر المفكرين إليه باعتباره ضرورة دينية وبشرية على حد سواء، وسنة من سنن الله في الكون لا تتبدل ولا تتحول، ومدخلاً محوريًا، كان ومازال مهمًا، لتطوير اجتهاد إسلامي معاصر ينعكس على الخطاب الديني الذي أصبح اهتمام وحديث المجتمعات الإسلامية الآن.

وتبلورت هذه الرؤية التجديدية للسلسلة من خلال مختارات المرحلة الأولى من كتب التراث الإسلامي الحديث (50 كتابًا) ودراساتها التقديمية، التي تعمق هذا المفهوم، وتجعله تجارب حية وممارسات واقعية، وكذلك من خلال ما عُقد من مؤتمرات حول قضايا التجديد، ومنها: “الإمام محمد عبده .. مائة عام على رحيله”، و”اتجاهات التجديد والإصلاح في الفكر الإسلامي الحديث”، و”تعارف الحضارات … رؤية جديدة لمستقبل العلاقات بين الحضارات”، و”قضايا المرأة: نحو اجتهاد إسلامي معاصر”. وخلال ذلك كان هناك تواصل وتعاون مع مؤسستي الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية.

وأكد سراج الدين أن مختارات المرحلة الأولى أبرزت التنوعات الجغرافية والفكرية والثقافية للمجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، التي تقتضيها مجالات التجديد والاجتهاد المعاصر؛ ومن ثم كانت هناك مختارات من بلاد المشرق العربي كمصر والشام، وشبه القارة الهندية وباكستان وأفغانستان، وبلاد المغرب العربي كتونس والجزائر، وغرب إفريقيا كنيجيريا، والخليج العربي كالعراق، وعمان وإيران، وأوروبا والبلقان وألبانيا وتركيا والبوسنة. وقد تنوعت المحاور الفكرية للكتب المختارة، وقد استدعى حرص المكتبة على هذا التنوع ترجمة بعض المؤلفات والنصوص النهضوية من لغاتها الأصلية كالإنجليزية والأردية والبوسنية إلى اللغة العربية.  

 

ويأتي ضمن إصدارات المشروع كتاب “العودة إلى الذات” للمؤلف علي شريعتي، وأعده للدراسة زكي الميلاد. هذا الكتاب عبارة عن سلسلة محاضرات ألقيت بالفارسية خلال الفترة من(1389-1393ه- 1969-1973م) بحسينية الإرشاد بإيران، وهو من أهم مؤلفات المفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي؛ يشرح طبيعة مشروعه الفكري النهضوي ويلخص فلسفته في الحياة. ومعظم الذين تحدثوا عنه وعن تراثه الفكري لفتوا النظر إلى فكرة “العودة إلى الذات” بوصفها فكرة محورية ومعبرة عن رؤيته لمشروعه الفكري. وفي نظر شريعتي أن قضية العودة إلى الذات من القضايا الأساسية التي يدور حولها الحوار في ساحة المفكرين في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهي محل جدل وحوار في إيران أخيرًا، وقد تعرف علي شريعتي على النقاشات التي جرت حولها، حينما كان في فرنسا وتحدث عنها واعتبرها من قضاياه الأساسية بعد عودته إلى بلده إيران. وتطرق إليها بوصفه مفكرًا مسئولاً ينهض بواجبه تجاه مجتمعه. وجاء الحوار حول هذه القضية في سياق تأكيد الاستقلال الحضاري ونقد الغرب ورفض التبعية له ولإثبات وجود الذات شرطًا لنهضة الأمة.

أما كتاب “الحياة الرُّوحية في الإسلام” لمؤلفه محمد مصطفى حلمي، ويقدمه محمد حلمي عبد الوهاب، فقد طُبع لأول مرة عام (1364هـ/ 1945م)، وهو يُعيد الاعتبارَ للحياة الروحيّة في الإسلام، بوصفها تحقيقًا أمثل للعقيدة الإسلاميّة الخالصة، الجامعة ما بين الرُّوح والعقل من جهة، وبوصفها الممثلَ الأصيل لمبحث الأخلاق في الإسلام من جهة أخرى، وذلك من خلال الرد على فريق المستشرقين الذين لم يمنحوها حقها من الدّرس والتمحيص، وأغلب الإسلاميين ممن انحصر جل همهم في تقدير قيمتها بميزان الدّين. وفيه يتتبع المؤلف الجذور الإسلامية لنشأة الحياة الروحيّة في الإسلام، ثم تدرجها وتطورها فيما بعد، انتهاءً بتحولها إلى مجرد طرق ودروشة فيما بعد القرن السابع الهجريّ. كما يُعَد الكتاب أيضًا محاولة جادة لاستعادة نهج الشيخ مصطفى عبد الرازق في تكوين الدرس الفلسفيّ في الجامعة المصرية، ليفصله عن كتب الطبقات التراثية من ناحية، وعن مناهج المستشرقين التي نحَّت الجذور الإسلاميّة، وجعلت من التصوف الإسلاميّ محض ميتافيزيقيا من ناحية أخرى.

وأعاد المشروع إصدار كتاب “امرأتنا في الشريعة والمجتمع”، لمؤلفه، الطاهر الحداد، وتقديم محمد الحداد. ففي نهاية عام (1929م/ 1384هـ)، انتهى الشاب التونسي الطاهر الحدّاد من خطّ الفقرات الأخيرة من هذا الكتاب، الذي ربّما لم يدرك هو نفسه ما سيثيره من جدل عندما ينتشر بين الناس؛ داعيًا فيه إلى تحرير المرأة من أصفاد التقاليد البالية التي سجنتها قرونًا طويلة، بين مطرقة الجمود في فهم النصوص وسندان المجتمع، ومن سيطرة القراءات الخاطئة لنصوص الشريعة وأحكام الدين. ونبه المؤلف إلى أن تيار التطور الحديث سيفرض نفسه، فمن الأفضل معالجة ملف المرأة في مجتمعاتنا، بدل الإعراض أو التغافل الذي لا يزيد الأمور إلا تفاقمًا. وفي هذا الكتاب رؤية في قراءة النصّ الديني تختلف عما كان سائدًا، سعى الحداد من خلالها إلى تأسيس خطاب إصلاحي، قوامه الفصل بين الثابت والمتحول، أو بين جوهر الإسلام (رُوح الشريعة) وبين ما هو عَرَضي يمكن أن يطاله قانون التدرج الذي لا يقف عند جيل أو قرن. وتعميمًا للفائدة، فقد ألحقت الدراسة بمقتطفات مطولة من أشهر الردود على الحداد في عصره، وهي للشيخ محمد الصالح بن مراد.

 

ويأتي ضمن الإصدارات كتاب “الإسلام دين الفطرة والحرية” لمؤلفه عبد العزيز جاويش، وهو تقديم مجدي سعيد. أُلِّف هذا الكتاب خلال فترة وجود المؤلف في جامعة أكسفورد بإنجلترا وذلك عام (1323هـ/1905م)، ثم قدَّمه إلى مؤتمر المستشرقين في مدينة الجزائر، ولم يُطبع إلا في عام (1371هـ/ 1952م) بعد وفاة المؤلف. وفيه قدم عبد العزيز جاويش تجديدًا وتصويبًا لفهم الدين وتأويل مصادره، ومراجعة للأفهام السقيمة والتأويلات الباطلة التي علقت به طوال مسيرته، جاعلاً من ذلك مدخلاً للنهضة؛ حيث إن إعادة ذلك الفهم وتلك التأويلات إلى حقيقتها – التي تقدم الإسلام بحسبانه دينًا للفطرة والحرية – يجعل منه دينًا صالحًا للإنسانية في كل زمان ومكان. والكتاب على قسمان: يتناول الأول منهما بعض السمات المهمة في الإسلام التي تجعل منه دينًا يتوافق مع الفطرة، أما القسم الثاني فيتناول أثر القرآن في تحرير الفكر البشري.

أما كتاب “المرأة والعمل” فهو تأليف نبوية موسى وأعدته للدراسة منى أبو زيد. طُبع هذا الكتاب لأول مرة عام (1338هـ/ 1920م)، وهو أحد الكتب التي حاولت تصحيح وضع المرأة المصرية التي أصابها التخلف والجمود بسبب الحجر عليها، ومنعها من التعليم والعمل بدعوى أن عملها يخالف الدين، وأن خروجها من المنزل يخالف عاداتنا الشرقية. وهذا الكتاب أول كتاب تضعه سيدة للدفاع عن حق المرأة في العمل بعد حقها في العلم، وكانت نبوية موسى مثالاً حيًّا لهذه الدعوة. وساهمت نبوية موسى بكتابها هذا في الدفاع عن حق المرأة في العمل والتعليم الراقي. ودعت إلى ترقية المرأة وفك الحصار عنها، وإعطائها حقوقها المدنية والاجتماعية. إن دعوة نبوية موسى دعوة تجديدية تقدمية، بحثت عن جذورها في التاريخ المصري والإسلامي، وأثبتت أن هذه الدعوة غير بعيدة عن أصالتنا الإسلامية وثقافتنا العربية.

ويضم المشروع كتاب “تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية” للمؤلف مصطفى عبد الرازق، وإعداد محمد حلمي عبد الوهاب. طُبع هذا الكتاب لأول مرة عام 1363هـ/ 1944م، ويكتسب قيمة تاريخية ومذهبية كبرى بين الكتب التي أُلِّفتْ في مجال الفلسفة الإسلامية خلال القرن العشرين، حيث يختلفُ عنها جميعًا في موضوعاتهِ ونتائجه. فمن ناحية؛ لم يأت الكتاب على النحو المألوف، والنهج المعروف عند المؤلفين الشرقيين والمستشرقين، ممن اتهموا الفلسفة الإسلامية بعدم الدّقةِ والأصالةِ والعجز عن الابتكار، وبأنها ليستْ إلا مُحاكاة للفلسفةِ اليونانية، أو اختصارًا سيئًا قامَ به مترجمون ضُعفاء للفكر اليونانيّ القديم! ومن ناحية أخرى؛ يعد “التمهيد” كتابًا في المنهج بالدرجة الأولى: منهج الشيخ في دراسة تاريخ الفلسفة الإسلامية، حيث قدم فيه تصورًا خاصًّا بنشأة الفكر الفلسفيّ في الإسلام بعد أن كان يدرَس قبل ذلك على نحو يميل إلى النظر الغربيّ. لقد أراد الشيخ بمحاولته هذه أن يثبّت في الأذهان أهمية الدرس الفلسفيّ وضرورته في جهود النهضة المعاصرة.  

 

وكتاب “دفاع عن الشريعة” فهو تأليف علاّل الفاسي ويقدمه دريسا تراوري. طُبع هذا الكتاب لأول مرة عام (1386هـ/ 1966م)، وهو واحد من أهم أعمال علاّل الفاسي ضمن مشروعه الإصلاحي؛ حيث تناول فيه الجانب التشريعيّ من المشروع. وتتركّز إشكالية الكتاب حول سؤال مركزيّ هو: كيف يمكن لنا اليوم – ونحن نعيش زمن التطور – أن نُحَكِّم تشريعًا نزل منذ ما يزيد عن أربعة عشر قرنًا؟ وللإجابة عنه تناول المؤلّف ثلاث قضايا أساسية، هي: أصالة الشريعة الإسلامية، وعناصر صلاحيّتها لكل زمان ومكان، ومقاصد القوانين الاستعمارية؛ ليؤكّد على ضرورة استمداد القوانين من الشريعة الإسلامية. إن الفكرة الأساسية لهذا الكتاب تتمثل في ضرورة الانطلاق في بناء نهضتنا من خصوصيتنا الثقافية؛ لأن الذّات معبر إلى العالمية، فلا عالميّة لمن بنى نهضته على خصوصية الآخرين.

أما كتاب “مقاصد الشريعة الإسلامية” فهو تأليف الطاهر ابن عاشور وتقديم حاتم بو سمة. طُبع هذا الكتاب لأول مرة عام (1366هـ/ 1946م)، وهو فتح جديد يقوم عليه تأسيس علم المقاصد الشرعية، وقفزة نوعية في البحوث الأصولية، ويعدّ تأسيسًا كبيرًا لذاتية هذا العلم، ورسمًا لإطاره الذي ميزه عن غيره. قام فيه العلامة ابن عاشور (تونس) بوصل ماضي الفكر المقاصدي بحاضره، وأعاد لفت انتباه المسلمين إليه، وبعث الاهتمام بمجال المقاصد الذي كان قد توقف البحث فيه منذ عصر الشاطبي. وهو ليس مجرّد تأصيل للفقه، بل يبدو أنه نظر في مشاغل حركة الإصلاح والنهضة، وما واجهها من مشكلات وتحديات في سياق السعي لأن تستأنف الأمة مسيرتها الحضارية، فحاول أن يرسم لها قاعدة مرجعية تضبط سيرها وتحدد وجهتها وترتب أولوياتها. فالكتاب جاء أصلاً لتطهير الشريعة من شوائب علقت بها وأضرار لحقتها؛ فأثقلتها وأقعدتها عن مسايرة الحياة في فاعليتها وتطورها المستمر؛ محاولاً إعادة تشكيل العقل المسلم، وإعادة ترتيب موازينه وأولوياته.

وصدر عن المشروع أيضًا كتاب “تجديد الفكر الديني في الإسلام”، وهو تأليف محمد إقبال، ترجمة محمد يوسف عدس، وتقديم الشيماء الدمرداش العقالي. طُبع هذا الكتاب لأول مرة بالإنجليزية عام (1349هـ/ 1930م)، وتُرجم إلى العربية وطبع لأول مرة عام (1374هـ/ 1955م). وهذا الإصدار ترجمة جديدة وكاملة تنشر لأول مرة، تتلافى عيوب الترجمة السابقة وتكمل ما أغفلته، وتكون أقرب لروح النص الأصلي الذي ضمنه خلاصة فكره ومشروعه الفذ لنهضة المسلمين في العالم الحديث؛ لتكون إضافة مهمة لمعرفة المسلمين – وغير المسلمين – بتطور الفكر الديني في الإسلام. ويُعد هذا الكتاب علامة بارزة في الفكر النهضوي الإسلامي؛ حيث يوضح أن القرآن الكريم كتاب يُعنى بالعمل أكثر مما يُعنى بالنظر، ويرى أن الإسلام قد سبق الفلسفات المعاصرة في الدعوة إلى التفكير الواقعي، ويدعو إلى ضرورة مراقبة تطور الفكر الإنساني والوقوف منه موقف النقد والتمحيص، حيث إن التفكير الفلسفي ليس له حد للوقوف عنده؛ فهو في حالة حراك دائم وتجدد مستمر، فكلما تقدمت المعرفة فتحت مسالك لفكر جديد.

 

وتضم الإصدارات كتاب “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”، تأليف عبد الرحمن الكواكبي وتقديم مجدي سعيد. طُبع هذا الكتاب لأول مرة عام (1320هـ/1902م)، ويتناول الكواكبي فيه الإجابة التي استقر عليها عن السؤال المتعلق بالمسألة الكبرى، وهي مسألة الانحطاط وأسبابه وعلاجه، والتي ذهب فيها المفكرون كل مذهب، لكن الكواكبي استقر بعد طول تفكُّر إلى أن الاستبداد السياسي هو أصل الداء، ودواؤه دفعه بالشورى الدستورية، فالاستبداد هو الذي يقلب سير الأمم من الترقي إلى الانحطاط، ومن التقدم إلى التأخر، ولتقديم الدواء يجب السعي لتحرير العقول، ورفع الضغط عليها الذي يسببه الاستبداد؛ لينطلق سبيلها في النمو، فتمزق غيوم الأوهام التي تمطر المخاوف.

أما كتاب “الإسلام وأصول الحكم” للمؤلف علي عبد الرازق، وهو تقديم عمار علي حسن، فقد طُبع لأول مرة عام (1344هـ/ 1925م)، ويُعد من أكثر الكتب ذيوعًا في تاريخ العرب المحدثين والمعاصرين على حدٍّ سواء، صغير الحجم، مُركَّز الفكــرة، مفعم بالشجــاعة، ومثير للجدل، فتح الباب لكـتب أخرى نبتت على ضفافه، إما ردًّا عليه قدحًا، أو مساندته مدحًا، وإما معالجة لفكرته الجوهرية. ومن أهم الردود على الكتاب في عصره ردود المشايخ محمد الخضر حسين ومحمد بخيت والطاهر بن عاشور ومحمد رشيد رضا. وينقسم الكتاب إلى ثلاثة كتب فرعية: الأول عن “الخلافة والإسلام”، والثاني عن “الحكومة والإسلام”، أما الثالث فيدور حول “الخلافة والحكومة في التاريخ”.

وكتاب “أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك” فهو تأليف خير الدين التونسي وتقديم محمد الحداد. طُبع هذا الكتاب لأول مرة عام (1285هـ/ 1868م) وتضمن برنامجًا إصلاحيًّا يختزل مجموع ما سعى النهضويون العرب إلى تحقيقه في القرن التاسع عشر، استوحاه خير الدين التونسي من مصادر ثلاثة: تجربته السياسية، ومطالعاته في التاريخ السياسي والاقتصادي وجغرافية العالم، ومشاهداته أثناء الرحلات التي قام بها إلى أوروبا. يتألف من مقدمة طويلة هي أهم ما فيه، وكثيرًا ما يُختزل الكتاب فيها، بالإضافة إلى جزأيْن: يحتوي الأول منهما على عشرين بابًا، كل باب مخصص لبلد من البلاد الأوروبية، يتناول فيه  تاريخ البلد، وجغرافيته، وموقعه، ومساحته، وأهم ملوكه، وتنظيماته الإدارية والسياسية والعسكرية. أما الجزء الثاني فيحتوي على ستة أبواب: خمسة منها لجغرافية القارات الخمس، والسادس للبحار. والكتاب يصارح معاصريه بأنّ قضية الإصلاح لم تعد قضية اختيارية. ورغم مضيّ كل تلك السنين على تأليف هذا الكتاب فإنه بقي أثرًا خالدًا، تتداوله الأجيال، وتستفيد من رؤاه ومقترحاته؛ فكأن خير الدين قد خُلق ليشحذ عزائم الإصلاح في حياته وبعد مماته.

ويضم المشروع كتاب “الحرية الدينية في الإسلام”، تأليف  عبد المتعال الصعيدي وتقديم عصمت نصار. طُبع هذا الكتاب لأول مرة عام (1375هـ/ 1955م)، ويُعد من أهم مصنفات الشيخ عبد المتعال الصعيدي؛ ويرجع ذلك إلى مضمونه الذي يحوي جوهر مشروعه الذي جاهد فيه لتفعيل واستمرارية باب الاجتهاد، وتجديد علم أصول العقيدة، وتحديث آليات الدعوة، والمواجهة والنقد، فضلاً عن جِدَّة وأهمية القضية التي تناولها، ألا وهي: تجديد فقه الحدود، والحكم على المُرْتَدّ، تلك القضية التي
ما زالت أصداؤها تتردد في كتابات المحافظين والمجدِّدين على حدٍّ سواء. ويكشف الكتاب عن حقيقة الخطاب الإصلاحي الإسلامي، المتمثل في دفاع المفكرين المسلمين المعاصرين عن حرية الاعتقاد؛ استنادًا إلى اجتهاداتهم وفهمهم لمقاصد الشريعة، من خلال تلك المناظرة التي دارت بين الشيخ عبد المتعال الصعيدي والشيخ عيسى منون، وأثبت فيها الأول أن أصول الشريعة الإسلامية لم تكن قط مناهضة للحرية الإنسانية، ولا معادية لحرية البوح والعقيدة.

 

وكتاب “الرسالة الحميدية في حقيقة الديانة الإسلامية وحقية الشريعة المحمدية” تأليف حسين الجسر وتقديم عصمت نصار. طُبع هذا الكتاب لأول مرة عام (1306هـ/ 1888م)، ويُعدّ بحق مثالاً رائدًا للخطاب الدعوي الإسلامي في بدايات العصر الحديث؛ نظرًا لبراعة صياغته، وعمق أفكاره، ودقة وجاذبية منهجيته في العرض والمعالجة. لا يقف هدفه عند حدود الدفاع عن حقيقة الشريعة الإسلامية فحسب؛ بل يشرح أصول الإسلام، وشروط الإيمان، بمنحى عقلي في ثوب لغوي بسيط لأواسط المثقفين والعوام الذين لم يتفقهوا في الدين، وضل بعضهم ولا سيما بعد ذيوع الفلسفات المادية في مطبوعات ومجالس المستشرقين. قال عنه صاحبه تقديرًا لقيمته: “إذا تم لي تأليف هذا الكتاب فلا أُبالي بعدَه بموت أو حياة”.

أما كتاب “السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث” فهو تأليف محمد الغزالي وتقديم نصر الدين شريف باعطوة. طُبع هذا الكتاب لأول مرة عام (1409هـ/ 1989م)، ويُعَدّ محاولة لزحزحة العقل الإسلامي عن دوائره التقليدية، وإذكاء فاعليته للعمل على تجسير العَلاقة بين مستلزمات الواقع ومتطلبات الشريعة التي جاءت لتحقيق مصالح الناس. وتأتي أهميته في تناوله لقضيتين محوريتين في الفكر الإسلامي: أولاهما أن أحاديث الآحاد ظنية الثبوت، وأنه لا حجية للحديث النبوي إذا تعارض مع القرآن الكريم، أو خالف المحسوس، أو تنافى مع العقل السليم، أو العلم المقطوع به. وثانيهما أنه لا سُنّة من غير فقه؛ ومن ثَم فإن عمل الفقيه يتمم عمل المُحدِّث. والشيخ الغزالي في كتابه هذا لم يطرح أو يبتدع قواعد جديدة؛ وإنما أراد إحياء مجموعة من القواعد العلمية في الحُكم على الحديث، وحاول مُخلِصًا دفعها إلى حيز البحث العلمي الرصين.

وكتاب “القرآن والفلسفة” فهو تأليف محمد يوسف موسى وتقديم محمد حلمي عبد الوهاب. طُبع هذا الكتاب لأول مرة عام (1378هـ/ 1958م)، ويسعى إلى توضيح علاقة القرآن بالتفلسف، بتأكيده أن دعوة القرآن تخاطب الناس جميعًا، على اختلاف حظوظهم من العقل والقدرة على التفكير؛ فمنه ما يتجه للقلب ليتفتح للموعظة، ومنه ما يتجه للعقل ليُذْعن للمنطق والدليل؛ ومنه ما يشتمل على الحقيقة سافرة كما يفهمها الجميع؛ ومنه ما يجيء في صورة أمثال يضربها الله للناس. ورغم أن القرآن كان من أهم العوامل التي دفعت المسلمين للتفلسف؛ لاشتماله على مختلف الجوانب الفلسفية الإلهية والطبيعية والإنسانية؛ فإن المتخصصين في علم الكلام لم يفيدوا من القرآن الكريم إفادة كاملة، للوصول إلى معرفة الله المعرفة الحقة التي يؤمن بها القلب قبل العقل، والتي يجب أن تكون على رأس الأغراض التي ننشدها من دراسة القرآن.

وكتاب “كشف المخبَّا عن فنون أوربا”، تأليف أحمد فارس الشدياق وتقديم عصمت نصار. طُبع هذا الكتاب لأول مرة عام (1283هـ/ 1866م)، وينقل فيه العلامة فارس الشدياق صورة تفصيلية عن الحضارة الأوروبية من خلال معايشته لها نحو ربع قرن من الزمان، بالإضافة إلى نقل ما كتب في أشهر المؤلفات الإنجليزية والفرنسية عن المعالم، والأعلام، والأحداث التي مرت بها الثقافة الغربية منذ عصر النهضة إلى منتصف القرن التاسع عشر؛ ومن ثم يُعَد بحق مصدرًا لا غنى عنه للتعرف على الهيكل الاجتماعي للمجتمع الأوروبي، والحياة اليومية والعادات والتقاليد السائدة، وأهم المعارف والعلوم، والحالة الدينية في أوروبا خلال القرن التاسع عشر. تحلى فيه مؤلفه بالموضوعية في النقد، وانتهاج المنحى العلمي في الحكم على الوقائع والواقعات التي عايشها وشاهدها في رحلته. يهدف صاحبه من تأليفه تبصير العالم العربي والإسلامي بصور التمدن الحديث في أوروبا؛ ليلحق بركب المدنية الحديثة؛ حتى لا تتعمق الفجوة، ويتسع الخرق على الراقع.

وتتضمن إصدارات المشروع كتاب “المرشد الأمين للبنات والبنين” لمؤلفه رفاعة الطهطاوي، وتقديم منى أبو زيد. طُبع هذا الكتاب لأول مرة عام (1289هـ/  1872م)، ويُعد أول كتاب عربي حديث يُكتب في التربية، ويدعو إلى تعليم البنات، ليس مثل كتب المطالعة المؤلفة في عصرنا الحاضر التي تجمع موضوعات شتى لا تربط بينها فكرة، ولا يجمعها خط، بل هو كتاب ذو غاية واحدة ترمي إلى خلق المواطن الصالح، يُعرِّفه حقوقه وواجباته، ويجعل منه إنسانًا متميزًا بعقله وخلقه، سواء كان ذكرًا أو أنثى، يحببه في وطنه، ويطالبه بالعمل بكل قوته لإسعاده ومجده. يقسم الفكرة إلى أبواب، ويضع للأبواب فصولاً تتناول جزئيات صغيرة، وينتقل بين معارف تربوية، ومعلومات سياسية، وعواطف وطنية، ومبادئ إصلاحية، وشئون اجتماعية، وعلاقات أسرية، ومسائل دينية، وتبدو فيه أثر الثقافة الأجنبية من حيث وَحْدة الفكرة وتنظيمها، وأثر الثقافة العربية من حيث كثرة استشهاده بالشعر، وإتيانه بالحكم، ويبدو فيه الأثر الإسلامي بوضوح حين يلجأ لتأكيد أفكاره بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وأقوال السلف والصحابة، وأخبار من التاريخ الإسلامي.

أما كتاب “شروط النهضة” للمؤلف مالك بن نبي وتقدين محمد همام، فقد طُبع لأول مرة باللغة الفرنسية عام (1367هـ/ 1948م)، ويلخص المشروع الفكري لمالك بن نبي؛ ذلك المشروع الذي يقوم على محورية الفكرة الدينية في صناعة التاريخ وفي التغيير الاجتماعي. وقد سلك منهجًا تحليليًّا اجتماعيًّا ونفسيًّا يمزج بين العلاقات الاجتماعية والمعرفة الإنسانية والغيب
والطبيعة والتاريخ.  ويؤكد أن مشكلة الأمة في جوهرها (مشكلة حضارة)، وحلها هو استعمال مفاتيح أساسية هي الإنسان والتراب والزمن، ممتزجة بالفكرة الدينية؛ بها يمكن تحقيق النهضة والدخول إلى التاريخ. وقدم عرضًا نقديًّا لنظريات بناء الحضارة، دارسًا أطوار الحضارة الإسلامية من خلال رصد العلاقة بين الفكرة وحاملها، معتمدًا على التحليل النفسي والرصد الدقيق للصور الزمنية للأفعال وردود الأفعال المتبادلة بين الفكرة الدينية والفرد والحركة والنشاط الذي ينبعث من تواصلهما لتأسيس شبكة روابط داخلية.

 

وكتاب “مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية” للمؤلف رفاعة الطهطاوي وتقديم عبده إبراهيم علي، طُبع لأول مرة عام (1286هـ/ 1869م)، ويطرح رفاعة الطهطاوي من خلاله برنامجًا عمليًّا ومنهاجًا واضحًا يتناسب مع وضع الأمة السياسي والاجتماعي والثقافي في ذلك الوقت، كما يقدم رؤية واضحة للطريق الذي ينبغي لمصر أن تسلكه وتسير فيه. والمشكلة الكبرى التي أراد المؤلف معالجتها هي مشكلة التنظيم الاجتماعي الجديد الذي كان يريد اقتراحه على أهل وطنه، بما يناسب احتياجات عصره، التي لا تتمثل في أهمية محاكاة أوربا فحسب، بل كذلك في ضرورة التمسك بالثوابت القِيمية للحضارة الإسلامية، ويناسب أيضًا تصوراته الشخصية التي توصل إليها إما من خلال مشاهداته وقراءاته عن فرنسا، أو من خلال تأمله في تاريخ مصر وبلاد الإسلام، وحال الإنسان بصفة عامة، ومكانته في الكون. ولا نتعدى الحقيقة إذا قلنا: إن أهمية هذا الكتاب لا تأتي فقط من كونه وثيقة تاريخية مر عليها نحو قرن ونصف من الزمان؛ بل لأن كثيرًا من القضايا التي طرحها مازالت حاضرة رغم كل تلك السنين.

ويضم المشروع كتاب “نهضة الأمة وحياتها” للمؤلف طنطاوي جوهري، وتقديم حازم زكريا محيي الدين. طُبع هذا الكتاب لأول مرة عام (1326هـ/ 1908م)، ويسعى إلى تجديد الفكر الإسلامي؛ ليواكب محاولات نهضة المسلمين على كل المستويات العلمية والحضارية، كما يحاول تقديم نظرية شبه متكاملة في النهضة، مؤصلة تأصيلاً شرعيًّا ومعرفيًّا، ومعززة بالخبرة التاريخية، والأمثلة الواقعية. وتقوم رؤيته في النهضة بشكل رئيس على أساس المؤاخاة بين العلم والدين، وإحياء قيم الاجتهاد والنقد في الفكر الإسلامي، والانفتاح النقدي على الثقافة الغربية، ومحاصرة ظاهرتي الاستبداد والاستعمار، وتعزيز قيم الحرية والشورى والمشاركة السياسية، والعمل الدؤوب على نشر فكرة السلام العالمي بين الشعوب.

أما كتاب “البيان في التمدن وأسباب العمران” فهو تأليف رفيق العظم وتقديم عبد الرحمن حللي. طُبع لأول مرة عام (1304هـ/ 1887م). ويعتبر هذا الكتاب بمثابة المحور الفكري لمشروع رفيق العظم وآرائه. ورغم أنه أول كتاب ألَّفه؛ فإنه اشتمل على ما يدل على وضوح رؤيته، وتكامل تصوره للمشروع النهضوي ومرجعياته. يأتي هذا الكتاب ليمثِّل صرخة في نقد المجتمع والواقع، وتصحيح بعض التصورات حول: التمدن، والعمران، والتقدم، والتعليم، والحرية، والعدل، والهيئة الاجتماعية، وأصول الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالتمدن والعمران؛ هذه الهموم والهواجس التي شغلت المؤلِّف قبل قرن من الآن هي نفسها لا تزال تشغل اليوم المجتمعات الإسلامية بل العالم أجمع، مع تغير في تجليات المشكلات وصورها، والتشخيص لحل شامل لا يزال هو الحل المقنع والمنطقيّ، ولم يتحقق هذا الحل منذ عصره إلى اليوم.

وأصدر المشروع كتابي “تحرير المرأة” لقاسم أمين و”تربية المرأة والحجاب” لطلعت حرب، وهما تقديم أمينة البنداري. صدر كتاب “تحرير المرأة” لأول مرة عام (1316هـ/ 1899م)، وعقب نشره أثار معركة فكرية واجتماعية في الثقافة والمجتمع العربيين، ونال قاسم أمين قدرًا كبيرًا من الهجوم الشخصي والموضوعي؛ بلغ حد أن مُنع من دخول قصر الخديوي، وانبرى العديد من الكُتّاب للردّ عليه، وكان من أبرز هؤلاء طلعت حرب في كتابه “تربية المرأة والحجاب” الذي طُبع لأول مرة عام (1317هـ/ 1899م) وتم طباعة الكتابين في مجلدٍ واحد. وأرجع قاسم أمين تخلف الأسرة والوطن إلى عادات حجب الوجه وعزل النساء وحرمانهن من التعليم؛ مما جعل من قضية المرأة قضية محورية وتأسيسية تتعلق بالأُمَّة ككل وليس بالنساء فقط؛ وهو ما زاد من حِدة الهجوم عليه. يأتي الكتابان في سياق الرأي والرأي الآخر، في حقبة شهدت بزوغ وتطور فكرة الحرية وقضية التحرر كقضية وطنية شاملة، تتضمن تحرر الإنسان، وتحرر الوطن من قيود التخلف والتبعية والاحتلال. في هذا السياق جاءت قضية تحرر المرأة كجزء من سياق أشمل لتحرر الإنسان الفرد، وتثبيت قيم المساواة.

أما كتاب “تنبيه الأمة وتنزيه الملة” فهو تأليف محمد حسين النائيني. طُبع لأول مرة عام (1327هـ/ 1909م) بالفارسية، ويُعدّ كتابًا ذا مكانة خاصة في الفكر السياسي الشيعي، وبيانًا من بيانات النهضة الإسلامية الحديثة، ومعلمًا بارزًا فيها، يكشف عن خصوبة الفكر الإسلامي، ومدى قابليته لمعالجة قضايا العصور المتوالية والمجتمعات المختلفة. ويثبت أن التحرر والتجديد والنضال من أجل التغيير والإصلاح عناوين غير طارئة في حياة المسلمين، بل هي عناوين أصيلة لها جذور في تاريخ المسلمين وتراثهم الفكري. كما تكمن أهميته أيضًا في أنه يُعد وثيقة تاريخية تدوِّن واقع الفكر والسياسة الذي كان قائمًا أيام صدوره، وتسجل البحوث والمناقشات السجالية الرافضة للحركة الدستورية.

وكتاب “خاطرات جمال الدين الأفغاني الحسيني” تأليف محمد باشا المخزومي وتقديم منى أبو زيد. طُبع لأول مرة عام (1349هـ/ 1931م). وهو يحتوي على الخاطرات التي ألقاها جمال الدين الأفغاني أثناء إقامته الأخيرة في الأستانة. وترجع أهميته إلى أنه ضم آخر ما صرح به الأفغاني من آراء قبيل وفاته. بالإضافة إلى أن مُسجِّل هذه الخاطرات (محمد باشا المخزومي) كان موضع أسرار الأفغاني، فهو صديقه وتلميذه وملازمه. وقد كشف له الأفغاني عن نواياه، وأوضح له آراءه بحرية وصراحة؛ لذا جاء الكتاب صورة حيّة وصادقة لآراء جمال الدين؛ جامعًا بين دفتيه خلاصة ما أنتجه عقل هذا المفكر الإسلامي الكبير؛ من أحاديث ومحاورات ودروس وآراء كان يتلوها على مجالسيه ومريديه.

أما كتاب “لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟”، لمؤلفه الأمير شكيب أرسلان، وتقديم سامر عبد الرحمن رشواني، فقد صدر لأول مرة عام (1349هـ/ 1930م)، في وقت عصيب  عقب انهيار الخلافة العثمانية، وخضوع معظم شعوب العالم الإسلامي تحت وطأة الاستعمار، محاولاً أن يجيب عن السؤال المرير ومعضلة المعضلات: لماذا تأخر المسلمون؟ وفي إجابته عن ذلك السؤال المرير، يرجع شكيب أرسلان (لبنان) تأخُّر المسلمين إلى مجموعة من الآفات والرذائل الخُلُقية والنفسية التي حاقت بهم؛ فتسببت في بتأخرهم وتخلفهم، كالكسل والجبن والبخل والخيانة وفقدان الحمية لنشر الدين وفساد الأخلاق واليأس والقنوط. ويضع المسلمين دومًا في مقابلة ومقارنة مع حال أجدادهم بالأمس، وحال الأوروبيين والأمريكيين واليابانيين اليوم. ويلحق بهذه الرذائل بعض الأسباب الفكرية كالجهل والعلم الناقص والجمود والجحود. ملخصًا جوابه في أن المسلمين ينهضون بمثل ما نهض به غيرهم، وأن الواجب على المسلمين لينهضوا ويتقدموا كغيرهم من الأمم المتقدمة؛ أن يجاهدوا بالمال والنفس.

وكتاب “المدنية الإسلامية” تأليف شمس الدين سامي فراشري وإعداد محمد الأرناؤوط. طُبع لأول مرة عام (1296هـ/ 1879م) باللغة التركية في إسطنبول، وتلك هي أول ترجمة عربية له. جاء صدوره في وقت عصيب؛ ليشحن القُراء- آنذاك- بالأمل في نهضة جديدة، بإطلاعهم على ما وصل إليه المسلمون من مدنية على مستوى العالم بفضل اهتمامهم بالعلم والمعرفة، في الوقت الذي كان ينبهر فيه البعض بالمدنية الأوروبية الحديثة التي أخذت تسيطر على العالم بآلتها العسكرية، وتأكيده على أن المسلمين يمكن بذلك الطريق نفسه أن يستعيدوا مشاركتهم في المدنية الحديثة. يركز شمس الدين سامي فراشري على “المدنية الإسلامية” وإسهاماتها على المستوى العالمي في كل المجالات العلمية، وأن “المدنية الأوروبية الحديثة” قامت بالاستناد إلى “المدنية الإسلامية”، ولم تنشأ مباشرة من “المدنية اليونانية القديمة”. كما يُلحّ على: إعلاء قيمة الإنسان والعقل، وأن الإسلام ليس دين عنف، ولم ينتشر بالسيف، ولا يتعارض مع العلم والحقيقة والحياة، بل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمدنية. وأن التمدّن لا يبدأ من فراغ ولا يختص بشعب؛ بل هو حصيلة التراكم البشري.

أما كتاب “المدنيَّة والإسلام” فهو تأليف محمد فريد وجدي وتقديم معتز شكري، طُبع لأول مرَّة في عام (1316هـ/ 1898م) تحت عنوان: “تطبيق الديانة الإسلامية على النواميس المدنية”، ثم أعاد المؤلف طباعته عام (1322هـ/ 1904م) تحت عنوان “المدنية والإسلام”، ويعد من أهم أعمال المفكرين المسلمين دفاعًا عن علاقة الدين بالمدنية. ينطلق محمد فريد وجدي في موقفه من مسألة الدين والمدنية من فكرة أن كلَّ تقدُّم يحصل في العالم، وكلَّ خطوة تخطوها العقول في سبيل الكمال ليس إلا تَقرُّبًا إلى الإسلام، وأن الإسلام فتح باب الارتقاء الرُّوحي ووسَّع مداه، كما فتح باب الارتقاء الماديِّ، فلم يُحرِّم علمًا نافعًا، ولم يضع للعلوم حدودًا. ويسعى الكتاب لإثبات أن المسلمين أضاؤوا للبشرية أنوار المدنية، وأسَّسوا أركان العدل والإنسانية في جميع أرجاء الكرة الأرضية، وسادوا أغلب ممالكها بالعدل وحينما كانت دولتهم دولة العالم بأسره، كان غيرهم يعيش في جهل وضلال.

وتتضمن إصدارات المشروع كتاب “وجهة العالم الإسلامي” للمؤلف مالك بن نبي، وتقديم عمار الطالبي. طُبع لأول مرة بالفرنسية عام (1374هـ/ 1954م)، وتُرجم للعربية ونُشر عام (1379هـ/1959م). سلك مالك بن نبيّ فيه منهجًا تحليليًّا نقديًّا لحركتين رئيستين في العالم الإسلامي، هما: الإصلاح والحداثة، ورغم أنه كان إصلاحيًّا حادًّا كما يصف نفسه، فإنه انتقد الحركة الإصلاحية، وبنى نقده للحركة ومنهجها على أن المشكلة ليست في أن نعلِّم المسلم عقيدة يملكها، وإنما أن نردّ لهذه العقيدة فاعليتها وتأثيرها الاجتماعي.كما انتقد الحركة الحداثية ونُخبتها التي تريد أن تجدد على النمط الغربي؛ ورأى أنهم لا يرون الحضارة الغربية في نشأتها وتطورها، وإنما يرونها في مظاهرها السطحية، فالحضارة ليست تكديس منتجاتها واستهلاكها، وإنما هي إرادة وبناء وتخطيط، وخطأ الحداثيين أنهم لم يصلوا إلى أصول الفكر الغربي، ليصبح مصدر إلهام، لا مصدر تقليد انبهاريّ يَشلّ طاقة الإبداع والتغيير؛ ومن ثم أصبح العالم الإسلامي “مستهلكًا” لمنتجات الحضارة الغربية، لا مُتجهًا إلى سبل إبداعها وإنتاجها. ويرى أنه كي يقوم العالم الإسلامي بدور فعال في حركة التطور العالمي، ينبغي له أن يعرف مجريات العالم وواقعه، وأن يعرّف الآخرين بنفسه، فيُقوِّم قيمه الذاتية بفعالية وإيجابية، إلى جانب تقويمه لقيم الآخر.

وكتاب “طلعــة الشمـس” (شرح شمس الأصول) للمؤلف: نور الدين عبد الله بن حميد السالمي وتقديم عبد الله ربيع، فقد طُبع لأول مرَّة عام (1317هـ/ 1899م)، لم يقتصر فيه الإمام نور الدين السَّالمي على استيفاء مباحث أصول الفقه لدى شيوخ المذهب الإباضي؛ بل قارن تلك الأصول بأصول المذاهب الفقهية الأخرى، وأضاف لذلك تعليقات مستنيرة ومستفيضة. تميَّز بالعودة إلى سائر المصادر، مع نسبة الأقوال إلى أصحابها رغم كثرتها، ولم يقتصر على مجرد النقل، بل كان يرجِّح ما يراه راجحًا في عبارة سهلة لا غموض فيها، دون تعصب لأحد من العلماء الأصوليين. كما تميز بتوضيح كثير من مصطلحات أهل العلم في كتاباتهم ومؤلفاتهم، وعدم الخضوع للتقليد المذهبيِّ المقارن؛ إذ قد يصل الشيخ لرأي ما، ذكره السابقون؛ فلا يتردد في الأخذ به لقوته وصحته، كما اشتمل على تحقيقات وانفرادات في بعض المسائل الأصلية والفرعية، وتحرير محل النزاع، كلما احتاج الأمر ذلك.

أما كتاب “أدب الطلب ومنتهى الأرب” فهو تأليف محمد بن علي الشوكاني وتقديم سعيد إسماعيل علي. انتهى الشـوكاني من تأليف هذا الكتاب منــذ نحـو مائتي عام، وطُبــع لأول مرة عــام (1399هـ/1979م)، وهو واحد من أهم وأشهر المؤلفات التي حفل بها التراث الإسلامي في مجال التعليم والمتعلمين. يتناول بالتفصيل الركنين الأساسيين لطلب العلم: الركن الأول أدب النفس وتربيتها، ويشتمل على أمهات الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها طالب العلم، والأخلاق التي يجب أن يتخلى عنها، مثل: التعصب أو التقليد غير المستند إلى الأدلة والأسباب. أما الركن الثاني فهو أدب الدرس والتحصيل العلمي، ويخضع لمنهج متكامل يبدأ بعلوم الآلة كالنحو والصرف والبلاغة والمنطق ومصطلح الحديث وأصول الفقه، وينتهي بالمقاصد كأصول الدين والتفسير وعلم الحديث والفقه. كما يتضمن الكتاب كثيرًا من الخبرات العملية والتجارب الواقعية التي مر بها المؤلف في رحلته مع العلم، طالبًا متعلِّمًا، وعالمًا معلِّمًا.

وكتاب “الإسلام في نيجيريا والشيخ عثمان بن فوديو الفلاني” تأليف آدم عبد الله الإلوري وتقديم عبد الحفيظ أولادوسو. طُبع لأول مرة عام (1369هـ/1950م) لأجل سدّ الفراغ في المكتبات عن الإسلام في إفريقيا، وخاصة بلاد السودان الغربي أو بلاد “التكرور” -نيجيريا- التي دخلها الإسلام منذ نحو ألف سنة مضت، لتصبح جزءًا من العالم الإسلامي، ومنطقة ذات ثقافة مكتملة وحضارة مزدهرة. ولكنها انطوت منذ عصور في زوايا المجاهيل من أثر ما أصابها من تدهور وانحطاط وحروب؛ فجاء الكتاب ليكشف اللثام عن هذه الجهات المجهولة، ويثلج بعض الصدور الغليلة. ويبيِّن الدور والنقلة اللتين أحدثهما الإسلام في نيجيريا منذ دخوله تلك البلاد، وتاريخ ذلك وتأثيره على حياة الناس ومعيشتهم وثقافتهم. كذلك يتناول الكتاب دور واحد من أبرز مُصلحي هذه المنطقة ألا وهو الشيخ عثمان بن فوديو الفلاني وآثاره الإصلاحية، والذي يعتبر المؤلف امتدادًا لمدرسته.

أما كتاب “أم القرى” فهو تأليف السيد الفراتي (عبد الرحمن الكواكبي) وتقديم فاطمة حافظ. طُبع لأول مرة عام (1317هـ/1899م). تتلخص فكرته في تخيل مؤلفه عبد الرحمن الكواكبي انعقاد مؤتمر إسلامي جامع بمكة المكرمة على هامش شعائر الحج عام (1316هـ/1898م) بحضور ثلاثة وعشرين من المفكرين والمصلحين، تم اختيارهم بحيث يمثلون العالم الإسلامي شرقه وغربه، شماله وجنوبه؛ بدعوة من “السيد الفراتي”؛ وذلك لمناقشة قضية أسباب “الفتور العام” الذي سيطر على العالم الإسلامي، وكيف يمكن التخلص منه. وفصول الكتاب عبارة عن سجل مفصل لاجتماعات هذه الجمعية التي عُرفت باسم “أم القرى”، والتي استغرقت أسبوعين كاملين. وحاول الكواكبي في كتابه هذا وكتابه الآخر “طبائع الاستبداد” الإجابة عن الإشكالية المزدوجة التي طُرحت في زمنه، وحاول معاصروه من النهضويين الإجابة عنها، ألا وهي: لماذا تأخر المسلمون؟ وكيف يمكن أن ينهضوا مجددًا؟ وخلال مقاربته قدم الكواكبي أفكارًا ملهمة بحق ليس لأبناء جيله فحسب؛ بل للأجيال اللاحقة التي لم تتوقف عن قراءة كتابيه؛ بحثًا عن حل لتلك الإشكالية التي لم تزل قائمة منذ ذلك الحين.

ويضم كتابتجديد الفقه ونصوص أخرى” للمؤلف محمد بن الحسن الحَجْوي، وهو تقديم سعيد بن سعيد العلوي، أربعة نصوص إصلاحية، صدرت في بدايات القرن الماضي لمحمد بن الحسن الحَجْوي، وهو أحد أعلام النهضة في بلاد المغرب العربي، وصاحب كتاب “الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي” الذي اقترن اسمه به، والذي سلك فيه مسلكًا نهضويًّا، واستلهم فيه النظرية الخلدونية في الأطوار الأربعة (النشأة، الشباب، الكهولة، الهرم). وهذه النصوص هي: “تجديد الفقه”، و”تعليم الفتيات لا سفور المرأة”، و”النظام في الإسلام”، و”التعاضد المتين بين العقل والعلم والدين”. إن قراءة هذه النصوص تجعلنا أمام صورة عجيبة ومثيرة، بل نادرة من حيث الوعي بها، تلك هي صورة الفقيه التاجر، التي يتجاور فيها السلفي “المتنور” مع الليبرالي المتمسك بالفكر “السلفي”.

أما كتاب “الحضارة الإسلامية” للمؤلف أحمد زكي وتقديم عصمت نصار، فقد طُبع لأول مرة عام (1327هـ/1909م)، وتكشف هذه الدراسة عن باكورة الدراسات المصرية الحديثة عن الحضارة الإسلامية، التي ألقيت على طلاب الجامعة الأهلية عام 1909م، وكانت ترمي إلى ضرورة إعمال العقل النقدي في الموروث الثقافي، لتخليصه من آفات التحريف والاختلاق والتزييف والقصص الخرافي، وإثبات الحقائق من الوقائع والواقعات من جهة، واستلهام الأسس والمناهج والآليات التي كانت وراء سطوع نجم الحضارة العربية الإسلامية، واستنباط علل أفولها من جهة أخرى. كما تُفصح الدراسة عن عبقرية الأستاذ أحمد زكي (باشا) والذي لُقِّب بشيخ العروبة، ودوره الرائد في تحقيق التراث العربي الإسلامي، ومنهجه التوفيقي بين الأصالة والمعاصرة، والأنا والآخر، ودعوته الصادقة إلى تجديد الخطاب الإسلامي، وتحديث المشروع الحضاري للأمة العربية.

وكتاب “الرسالة الخالدة” هو تأليف عبد الرحمن عزام وتقديم: عصمت نصار، طُبع لأول مرة عام (1365هـ/1946م)، وتُعد هذه الدراسة من أهم المؤلفات العربية الحديثة، التي عبَّرت بمنحى موضوعي عن حقيقة الخطاب السياسي الإسلامي، الجامع بين الثوابت العقدية التي لا يمكن التفريط فيها ولا تبديلها في المجتمعات الإسلامية، والمتغيرات الحضارية التي يجب الأخذ بها لتجديد وتحديث المشروع الإسلامي، على نحو يمكنه من قيادة العالم وتحقيق العدالة والأمن والسلام العالمي. كما تكشف كذلك عن أصالة أفكار عبد الرحمن عزام وطرافة نهجه في المصالحة بين القديم والجديد، وصدق جهاده وكفاحه في مناصرة الحركات التحررية في العالم العربي، وجهوده في تأسيس الجامعة العربية، ودعوته لإنشاء منظمة أو اتحاد للأمم الإسلامية. وقد أثرت آراء المؤلف في الدوائر البحثية المعنية بالفكر الإسلامي في الشرق والغرب، وتُرجمت هذه الرسالة إلى العديد من اللغات، وطُبعت عدة طبعات.

 

ويضم المشروع كتاب “مسألة الخلافة وجزيرة العرب” للمؤلف أبو الكلام آزاد وترجمة وتقديم: مصباح الله عبد الباقي، طُبع لأول مرة باللغة الأردية عام (1338هـ/1920م)، وهو من تأليف العلامة الهندي أبي الكلام آزاد، ويتناول واحدة من القضايا الكبرى التي شغلت بال المفكرين والمثقفين العرب والمسلمين منذ بدايات القرن الماضي، ويقدم العديد من الأطروحات والمناقشات حولها، رابطًا بين هذه القضية والجامعة الإسلامية ومقاومة الاستعمار. وبالإضافة إلى مسألة الخلافة ركز المؤلف على أهمية بقاء الجزيرة العربية أرضًا إسلامية بحتة، بعيدة كل البعد عن سيطرة غير المسلمين؛ لتوفر أساسًا آخر لوحدة الأمة.

وحرصًا من مكتبة الإسكندرية على تقديم روائع الفكر الإسلامي المعاصر للباحثين والمثقفين يسعدها أن تقدم أول ترجمة عربية كاملة للكتاب؛ حيث لم يسبق أن نقل إلى العربية إلا جزء يسير منه، ترجمه الشيخ عبد الرزاق المليح؛ أحد تلاميذ أبي الكلام آزاد، ونشره السيد رشيد رضا في مجلة المنار، (وهو ملحق بهذه الطبعة).

أما كتاب “النبأ العظيم (نظرات جديدة في القرآن)” فهو تأليف محمد عبد الله دراز وتقديم مجدي محمد عاشور. طُبع لأول مرة عام (1352هـ/ 1933م)، ويُعَدُّ الكتاب علامةً بارزةً وفارقةً في تقديم منهج جديد لتفسير كتاب الله، مِن عالِم جمع بين علوم التراث وعلوم العصر واشتباكاتها بالواقع؛ والدكتور دراز في هذا يشكل امتدادًا لمدرسة الإمام محمد عبده ومشروعه الفكري.وظهر إبداعه الفريد في إحياء مباحث من علوم القرآن الكريم بتناول جديد في المنهج وإن كان قديمًا في الموضوع، خاصة المتعلق منها بوجوه الإعجاز اللغوي، والإعجاز البياني، والإعجاز العلمي، والإعجاز التشريعي الإصلاحي الاجتماعي. وجاء تفسيره لسورة البقرة في ختام الكتاب كنموذج تطبيقي لمنهجه في التفسير، منطلِقًا في هذا من الوحدة الموضوعية، لتجلية الهداية القرآنية، مع بيان سنن الله في الكون والإنسان والحياة.

وكتاب “الدين والوحي والإسلام” فهو تأليف مصطفى عبد الرازق وإعداد عصمت نصار. طبع لأول مرة عام (1364هـ/ 1945م)، وفيه يُقدم الشيخ مصطفى عبد الرازق تحليلا لُغويًّا واصطلاحيًّا وسياقيًّا لثلاثة ألفاظ ومصطلحات طالما استخدمناها في حياتنا الثقافية العامة ومصنفاتنا العلمية، ألا وهي: الدين، والوحي، والإسلام. ولم يقف المؤلف عند ضبط وتحديد المعاني بل ذهب إلى أبعد من ذلك؛ حيث ناقش العديد من القضايا التي أثارها الباحثون حول طبيعة العلاقة بين الدين والعلم والفلسفة، وطبيعة الوحي والإعجاز المعرفي الإلهي، ثم طبيعة الإسلام بوصفه الرسالة الخالدة التي تستوعب الجميع جنسًا ونوعًا ومعتقدًا. متناولا هذه القضايا بأسلوب مبسط ورؤية نقدية متجردة، مرجحًا ومستشهدًا بآيات من القرآن الكريم، وبأقوال المفسِّرين واللغويين والمتكلمين. والكتاب في بابه يُعدّ من أندر الكتابات الفلسفية المبكرة التي أثَّرت في معظم تلاميذ الإمام مصطفى عبد الرازق من المشتغلين بالفلسفة في العالم العربي، بالإضافة إلى كونه من بواكير الردود العلمية على بعض كتابات المستشرقين.

وتضم الإصدارات أيضًا كتاب “النسائيات” لملك حفني ناصف، وهو تقديم منى أحمد أبو زيد. طبع الجزء الأول منه لأول مرة عام (1328هـ/1910م) في حياة مؤلفته باحثة البادية ملك حفني ناصف، وأضيف الجزء الثاني عام (1343هـ/1925م) بعد وفاتها. ويضم الجزء الأول مجموعة من المقالات الـتي نـشرتها باحثـة الباديـة في صـحيفة “الجريـدة، حول قضايا اجتماعية عديدة ومتنوعة، منها ما يتعلق بقضية المـرأة مباشـرة، ومنـها مـا يتطـرق إلى الوضـع الاجتماعي العام؛ ومن ثم فهي تناقش قضايا الحجاب والسفور والـزواج والطـلاق والعلاقـة بـين الـزوجين، وما يتفرع عنها من أمور قانونية واجتماعية ونفسية، كذلك قضايا تربية المـرأة وتعلـيمها مـع عقـد المقارنـات بين المرأة الشرقية والغربية، كما تتطرق إلى نقد بعض السلوكيات الاجتماعية مـن قبيـل التكلـف والمغـالاة والإيمان بالخرافات وتقليد العوائد الغربية. أما الجزء الثاني فيضم مجموعة من المكاتبات بينها وبين الأديبة مي زيادة، بالإضافة إلى فعاليات ندوة مرور سبع سنوات على رحيلها. وقد أسهمت مقالات هذا الكتاب بصورة كبيرة في تطور الصحافة النسائية، كما أرَّخت لبدايات النهضة النسائية التي كتبت بأقلام سيدات مصريات في العصر الحديث. 

أما الجزء الأول من كتاب “في الفلسفة الإسلامية .. منهج وتطبيقه”، تأليف إبراهيم مدكور وتقديم منى أحمد أبو زيد. طبع لأول مرة عام (1366هـ/1947م). وهو من أهم المؤلَّفات الرائدة خلال النصف الأول من القرن العشرين في حقل الفلسفة الإسلامية وتاريخها. مؤلِّفه هو الدكتور إبراهيم بيومي مدكور؛ أحد أهم الرواد العرب في دراسة الفلسفة الإسلامية في العصر الحديث. أصل هذا الكتاب فصول متتابعة نُشرت في مجلة الرسالة. رسم المؤلف فيه منهجًا لدراسة الفلسفة الإسلامية، ثم طبقه تطبيقًا كاملًا على ثلاث من نظرياتها الكبرى، هي: نظرية السعادة، ونظرية النبوة، والنفس وخلودها. دَرَس المؤلف هذه النظريات أولاً في بيئتها وظروفها الخاصة، وشرحها على لسان القائلين بها، ثم ربطها بما سبقها من أشباه ونظائر، وبيَّن ما لها من أثر في الفلسفات اللاحقة التي تمتد إلى العصر الحديث.

أما الجزء الثاني فقد طبع لأول مرة عام (1396هـ/1976م). وهو مع الكتاب الأول من أهم المؤلَّفات الرائدة في القرن العشرين، في حقل الفلسفة الإسلامية وتاريخها. مؤلِّفه هو الدكتور إبراهيم بيومي مدكور؛ أحد أهم الرواد العرب في دراسة الفلسفة الإسلامية في العصر الحديث. وهو تكملة للكتاب الأول والذي رسم المؤلف فيه منهجًا لدراسة الفلسفة الإسلامية، ثم طبقه تطبيقًا كاملًا على ثلاث من نظرياتها الكبرى، وهي: نظرية السعادة، ونظرية النبوة، والنفس وخلودها. درس هذه النظريات أولاً في بيئتها وظروفها الخاصة، وشرحها على لسان القائلين بها، ثم ربطها بما سبقها من أشباه ونظائر، وبيَّن ما لها من أثر في الفلسفات اللاحقة. وفي هذا الكتاب (الثاني) أضاف المؤلف قضيتين، هما: الألوهية، وحرية الإرادة، بالإضافة إلى دراسته لتاريخ الفلسفة الإسلامية وخصائصها، وموقف المستشرقين منها، والدفاع عنها ضد منتقديها من الشرق والغرب.

جدير بالذكر أن الكتيب إشراف الدكتور إسماعيل سراج الدين، رئيس التحرير ومدير المشروع الدكتور صلاح الجوهري، سكرتير التحرير الأستاذة ألفت جافور، وتضم اللجنة العلمية الدكتور محمد عمارة، الدكتور محمد كمال الدين إمام، الدكتور صلاح الجوهري، الدكتور إبراهيم البيومي غانم، والدكتورة منى أبو زيد.  

 

المصدر: المكتب الإعلامي بمكتبة الإسكندرية


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com