يزحف “الذكاء الاصطناعي” اليوم من مختبرات البحوث ومن صفحات روايات الخيال العلمي والأفلام، ليصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وما بين قبوله كرافد مهم لحياة البشر وتطورهم وخدمتهم…وبين رفضه كعدو شرس للبشرية يعتزم اغتصاب الحضارة والسيطرة عليها ، بات الخوض أكثر في تفاصيل هذه الجزئية وردود الفعل على منطقها أمراً مفروضاً لا يُستساغ تجاهله مع كل مناسبة تفسح المجال لتقصي كل ما هو جديد وما هو جامع بنفس الوقت للأفكار والرؤى وحتى الاستعداد، ولـعلَّ لـ “انطباعات” أهل الإعلام والفن زاويتها الخاصة في هذا الإطار، كونه أُخذ على مسألة “الذكاء الاصطناعي” أنها “الند المباشر” لهذه الفئة على عكس الاختصاصات المجتمعية الأخرى التي يمكن أن تكون رادفة لها وليس منافسة:
لاهروب بل مواجهة
“محمد الحمادي”، رئيس جمعية الصحفيين الإماراتية، وجد أنه من المهم جداً أن نكون على استعداد لمواجهة المتغيرات الكثيرة التي يشهدها عالمنا لاسيما فيما يتعلق بالقطاع الإعلامي، بحيث تُعنى كل مؤسسة إعلامية بتطوير محتواها وكادرها بما يتواءم مع مانحن مقبلون عليه خلال السنوات القليلة القادمة، خاصة إذا علمنا أن التطور المطلوب لن يقف عند مرحلة إنتاج الأخبار والمقالات فقط بل سيتعداها ليصل إلى توفير محتوى إعلامي يناسب اهتمامات كل شخص، وبيّن أن الذكاء الاصطناعي لحد الساعة كان مفيداً ومهماً في تحسين جودة المنتج الإعلامي بكافة أشكاله لاسيما فيما يتعلق في إنتاج محتوى صحفي خال من الأخطاء اللغوية عند الصياغة باللغة العربية الملأى بالمفردات والقواعد الجزلة، إلا أن هذه الإفادة وحتى تبقى متاحة دون مشاكل تحتم علينا البقاء على تماس واتصال مع كل ما هو جديد لحظة بلحظة.
سلاح ذو حدين
الإعلامي السوري “مصطفى الأغا”، أكد بأن العلم مهما وصل جبروته سيبقى مسيّراً من قبل الإنسان، إلا إذا ـ والله أعلم ـ ظهرت آلة متطورة جداً تعمل على ” تهكير” عقل الإنسان والسيطرة عليه ـ كما نشاهد في بعض أفلام الذكاء الاصطناعي ـ وهذا أمر مُستبعد وغير منطقي توقعه إلا إذا البشر قرروا القضاء على أنفسهم بأنفسهم لقادم الأيام.
وأوضح: أن فكرة الذكاء الاصطناعي لا تخرج عن أنها سلاح ذو حدين هي في حضورها اليوم تشابه تماماً حضور وسائل التواصل الاجتماعي بمنصاتها وأشكالها في وقت مضى، بالبداية كان هناك حذر ورفض ثمّ تحوّل لحالة من المضي والنمو والاستخدام إلى أن غدا جزءاً من حياتنا اليومية.
وتابع الأغا: لكن مع كل ذلك وبعد كل التخوف الذي رافق البدايات لم تستطع وسائل التواصل بكل ما دخل عليها من تطوّر أن تلغي قدرة الإنسان على الاختيار والتمييز والانجذاب والتأثر بالمحتوى الذي يحمل العمق والإبداع البشري البحت بكل أشكاله وهو الأمر الذي حقيقةً نعوّل عليه مع دخول مفردات جديدة و أكثر تطوراً لحياتنا. واعتبر بأن استقدام تجربة متقدمة كتجربة اليابان، هذا البلد الذي يستنشق التكنلوجيا مع كل طلعة شمس دون أن يجعل أبناءه ينجرفون باستخدامات تكنولوجية مضرّه، هو بحد ذاته المطلوب تطبيقه في كل الدول المُهيأة لهذه التجربة، والتي يجب ومن وجهة أخرى أن تقتدي أيضاً برؤية “دبي ” في التطوّر والازدهار وما يسمى ب “الاقتصاد الإبداعي” الذي يعني تسخير الذكاء الاصطناعي والتكنلوجيا لدعم عجلة الاقتصاد وتنميتها.
على طريقة أنشتاين
أما الإعلامي “فيصل بن حريز” وجد أن وضع الأهداف والرؤى والغايات لمثل هكذا طفرة تقنية تحاول أن تفرض وجودها على البشر اليوم أو في المستقبل القريب، هو الحل الأمثل لما نواجهه من توجسات لنكون على الأقل متمكنين أو ضامنين لطبيعة النتائج والنهايات، وهو الأمر الذي يتعلق بطبيعة الحال بمواكبة هذه الخطوة على طريقة أنشتاين التي تقول: “لو كان لدي مشكلة ولدي ساعة واحدة لحل هده المشكلة، لقضيت 55 دقيقة للبحث عن الحل و5 دقائق للتنفيذ وضبط التفاقم أو الانفلات لهذه المشكلة ” وبالتالي لابد إذاً في عصر السرعة أن نبحث عن الطريقة الأمثل لمواكبة هذا التحدي وضبطه بحيث ألا نكون فيه مغلوبين بل مواكبين لكل ما يجري.
الصوت البشري…ونقطة انتهى
“فيليب رياشي” مدير (راديو الرابعة) قال: من الضروري ضمن هذا الواقع بأن نأخذ الموضوع دون مبالغة أو تهويل، فالذكاء الاصطناعي لابد أن يخدم البشر بقطاعاتهم المختلفة بحيث يعزز من سوّية العمل أو الإنتاج وبالتالي المردود المعنوي والمادي، فمثلاً لن نستطع إنكار كم التقدم الإيجابي الذي طرأ على عالم الإذاعة بالعقد الأخير بكل ما يخص الراديو من وسائط رقمية دعمت جودة الصوت وآلية الإرسال للمتلقي، لكننا بذات الوقت لن نتغافل عن حقيقة أن “الصوت البشري” بحدّ ذاته هو الأساس لكل شيء، فهو الذي يصل مباشرة إلى الدماغ دون عوائق أو شوائب، وهو الذي يصل للأذن بكل عفوية من دون تمثيل ذاتي للمعلومات، وبيّن أن الآلة بهكذا عملية مهما تمادت في تطوّرها لن تخترق العقل البشري وتلغي الصوت الذي يُعدُّ بتأثيره هو السبّاق على الصورة والشاشة، كيف لا وهو الذي وُلد حتى من قبل أن تولد اللغة المحكية بين البشر.
كوكتيل بلا نكهة
الإعلامي اللبناني “وسام بريدي” يردّ على فكرة تقبل المجتمع لآلة لا تشبه البشر إلا بالشكل والصوت، بالرفض القاطع والمضحك أحياناً، والدليل على ذلك هو ما تمّ تصديره مؤخراً من حالات تقنية تستحضر أصوات مغنين على سبيل المثال لتطبقها بشكل عشوائي على أشخاص لا على التعيين، أو ما تم القيام به أيضاً على مستوى استرجاع بعض من رحلوا من القامات الفنية ليحيّوا أغنياتهم ضمن تواجد افتراضي بالحياة… كل ذلك من وجهة نظر بريدي لن ينافس أو يطغى، إلا أنًّ كلّ ما يجب فعله بالوقت الحالي هو الضبط والسيطرة والمراقبة ليس خوفاً على أنفسنا بقدرما هو خوف وحرص على أطفالنا والأجيال القادمة بالمجمل التي ستحيا وتكبر ضمن زمن متطوّر وسريع لن يفسح مجال للتدارك في حال لم نقم نحن بالمطلوب.
لا إحساس …لا تواجد
الإعلامي “عمرالحلبي” اعتبر أن الذكاء الاصطناعي عبارة عن آلة متكاملة المواصفات باستخداماتها المادية والتقنية إلا أنها بالمقابل آلة مفتقرة كل الافتقار لكل ما من شأنه أن يجسد الإحساس والتخاطب الحقيقي الضروري للتأثير والإقناع والتواصل، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي بهكذا حالة سيبقى هو وعلى عكس الصورة النمطية التي يتهيأها الكثيرون، سيبقى هو المتأخر عن التماشي مع البشر لأن الإحساس لن يُخلق فيه مهما اجتهد العلماء بالابتكار والتطوير والتجسيد .
برمجة بلا أثر
الإعلامي اللبناني “رودولف هلال” رأى بأن العالم بات مُجتاحاً من قِبل هذا التقدم المُرعب بالتكنولوجيا وأشكالها، لدرجة لايمكن بعدها التعامي عمّا سيفرضه على البشر شاؤوا أم أبوا، لكن كما أن منصات التواصل الاجتماعي من وجهة نظره نمت وتطورت بغض النظر عن القبول والرفض وبقيت تحت السيطرة أو المحاكمة العقلية من خلال قبول البشر لمحتويات ونماذج ورفضهم لأخرى، كذلك سيكون مصير الآلة البشرية بحيث يتم تطويعها لخدمة البشر وليس العكس.
وتابع: “نعم” إن الآلة قادرة لأن تجلس مكاني وتحاور ضيوفاً ومشاهير لكن ستبقى مبرمجة على إجابات وتعاطي معيّن دون فهم واستيعاب وحتى جدوى للحوار يمكن أن يشعر به أي متابع أو مشاهد.
رفاه بشري لا أكثر
الإعلامي “راشد الخرجي” وجد أن الرهبة من انعكاسات الذكاء الاصطناعي تعود بالأصل لعدم الإلمام الكافي بمدخلات ومخرجات هذه الصناعة التي تتطلب من وجهة نظره البحث والتقصي والمواجهة لإبطال كل هذا التهويل ليتم تقبله والتعايش معه فيما بعد، حيث رأى أن الذكاء الاصطناعي حتى هذه اللحظة لا يغدو عن كونه شكلاً من أشكال الرفاه البشري أو العقلي بالرغم من كل مظاهره التي قد تكون خطيرة، وخصوصاً فيما يتعلق بالإعلام وتسريب محتويات “مزيفة” مقنعة وسريعة التغلغل في عقول البشر، وهو ما يتعلق بطبيعة الحال بمستوى تأهيل الجمهور.
رفض…وتساؤل مشروع
“ريم خليل” المؤثرة وصانعة المحتوى وجدت أنه من الصعوبة بمكان تقبل فكرة أن تحل آلة بشرية تأخذ نفس الصوت والشكل وردود الفعل الآدمية محل الإنسان، وهو ما يعني في مغزاه تقويض إبداع صانع المحتوى نفسه وتحويله مع الزمن لمتلقي ومتلقن وليس منتجاً، وهو الرأي الذي شاركتها فيه الفنانة ” ماغي أبو غصن” حينما رفضت جملةً وتفصيلاً فكرة استنساخ صورة تنوب عنها في عالم الفن والتمثيل، واصفةً الحال بسؤال: “وهل يمكن أن يستعاض عن اللحم والدم والروح في تجسيد أي مشهد لمن هم خلقوا أساساً من لحم ودم وإحساس؟! ” بالتأكيد عندها لغة التخاطب ستسقط وستكون مُحمّلة بشروخ كبيرة ظاهرها مقبول وباطنها مرفوض وغير مقنع وتأثيره مؤقت، وتابعت : نحن بالمطلق مع كل ما يخدم الإنسان لكن لا يلغيه، ومع كل ما يضمن استثمار التكنولوجيا بالحدود الخادمة لمصالحنا.
موضوعية…وواقعية
الفنان “قصي خولي” تبنى محور الذكاء الاصطناعي بشكل موضوعي، بمعنى لا يجوز تجاهل ما تم الاقتداء به عالمياً على مستوى هذه التقنية فنكون متأخرين عنهم ولا يجوز قبول استخدامها أيضاً بعشوائية ودون ضبط لنكون نحن الخاسرين فيما بعد، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي سنعتمد عليه وبشكل كبير مثله مثل الانترنت الذي بات لاغنى عنه اليوم، إلا أن هذا الاعتماد يجب أن يكون دوماً محكوماً بشروط وضوابط يوافق عليها الفنان .
وبالانتقال للفنانة ” ياسمين صبري” التي رأت بأن النظر بواقعية وبشيء من التحيّز لهذه القضية هو الأنسب، من باب الحقيقة المُعتَرِفة بالذكاء الاصطناعي كأمر مفروض ومُخطط له، مثله مثل أي مُنتج يتم تحضيره لغزو المجتمعات بوقت سابق.
لذا أن نكون واقعيين من وجهة نظرها دون أن نكون مستسلمين، هو الأنسب للتعامل وإبرام صفقة مع هكذا حالة، قد تتغلب على الإنسان يوماً ما بالرغم من أنه هو من أنتجها وأطلقها.
بقلم: لين محمود