تقلد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، “وسام جوقة الشرف برتبة قائد أعلى”، أرفع تكريم وطني على مستوى الجمهورية الفرنسية، والذي منحه فخامة إيمانويل ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية لسموه، وقام بتسليمه سعادة نيكولاس نيمتشيناو سفير جمهورية فرنسا لدى الدولة، وذلك مساء اليوم في قصر البديع.
جاء ذلك بحضور سمو الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي ولي عهد ونائب حاكم الشارقة، وسمو الشيخ عبدالله بن سالم بن سلطان القاسمي نائب حاكم الشارقة، وسمو الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي نائب حاكم الشارقة، وتسلم سموه الوسام نظير إسهامات سموه العلمية والثقافية والأدبية ودعم العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الفرنسية في شتى المجالات.
وألقى صاحب السمو حاكم الشارقة بهذه المناسبة كلمة شكر فيها الرئيس الفرنسي لمنحه أعلى الأوسمة الوطنية، قائلاً: “نشكر فخامة إيمانويل ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية، الذي قرر منحنا بموجب مرسوم “وسام جوقة الشرف برتبة قائد أعلى” ارفع وسام وطني، كما أشكر سعادة السفير الفرنسي لدى الدولة نيكولا نيمتشينو على العناية بتلك الأمانة التي أوصلها إلينا”.
وأشار سموه خلال كلمته إلى تكريم جمهورية فرنسا له في وقت سابق، قائلاً: “في الثاني والعشرين من شهر يوليو عام 2003، كرمتني الجمهورية الفرنسية بتقليدي “وسام الجمهورية الفرنسية للفنون والآداب برتبة الفارس الآمر”، وذلك في قاعة الاحتفالات الكبرى بمقر وزارة الثقافة والاتصال بباريس، وسط مظاهر احتفالية، وقمت بإلقاء كلمة استعرضت فيها دور جمهورية فرنسا الريادي في التنوير الفكري والتواصل الحضاري وإسهاماتها في المجال الثقافي والترجمة والأدب وبسط مفاهيم الحرية والعدالة، ووجهت الشكر للحكومة الفرنسية على ذلك التكريم الذي اعتبرته تكليفاً لمواصلة العطاء الثقافي”.
وأضاف سموه: “منذ ذلك التكليف أخذت أجمع كل ما كتب عن التاريخ الثقافي للجمهورية الفرنسية، مستعيناً بعناوين الكتب في المجمع العلمي المصري في القاهرة، وتجمعني بالمجمع صداقة قديمة، والذي تأسس في الثاني والعشرين من أغسطس عام 1798، حيث كان رئيس المعهد آنذاك “كاسبار مونج” ونائبه “نابليون بونابرت” قائد القوات الفرنسية في مصر، لقد جمعت ما يقارب 8 آلاف عنوان، وقررت أن أقيم معهداً علمياً لتلك الكتب أسوة بالمعهد الفرنسي وكذلك المعهد المصري، وقررت أن يكون معهد الشارقة ثالث الأثافي، والأثافي هي ثلاثة أحجار توضع عليها القدر”.
وتطرق سموه في كلمته إلى الأحداث التي شهدها حريق المجمع المصري، قائلاً: “في مساء يوم السادس عشر من ديسمبر 2011، كنت في مدينة باريس أشاهد التلفاز، وإذا بالمجمع المصري يحترق والناس تهرول وتسرع بنقل الكتب المحترقة، وإذا الحزن قد عم جميع المصريين، فقد امتدت أياد آثمة إلى ذلك المجمع، فاتصلت بإحدى القنوات المصرية وتحدثت من خلالها إلى مصر وشعبها قلت لهم “لا تجزعوا ولا تحزنوا فكل ما احترق لدي نسخة منه، سأقدمها للمجمع المصري”.
وأضاف سموه: “أعيد بناء المجمع المصري وقدمت كل ما اقتنيته من كتب وكانت ما يقارب 8 آلاف عنوان وقمت كذلك ووضعت وديعة مالية للمعهد المصري لتحفظه من العوز، عاودت أجمع كل ما قدمته للمجمع المصري مرة ثانية، حيث إن تلك الكتب الفرنسية نادرة الوجود ولكنني سأنتهي من جمعها قريباً، وقد باشرت ببناء معهد الشارقة وكذلك بدأت بكتابة تاريخ فرنسا الثقافي والمكون من أربعة فصول، الفصل الأول “قرن الأنوار”، في ذلك القرن الثامن عشر تطور المجتمع الفرنسي في مختلف الميادين، الفكري والعلمي والاقتصادي والسياسي، وإن مقومات المجتمع والحضارة الغربية هي وليدة ذلك العصر الذي صنعته أفكار المثقفين الذين كانوا يسمون في ذلك العصر بالفلاسفة، كأمثال “دني ديدرو” مؤسس موسوعة إنسيكلوبيدي “encyclopedie” وبالاشتراك مع “دالامبير، ومن الفلاسفة الأحرار في ذلك القرن جان جاك روسو وفولتير”.
واستطرد سموه حديثه عن كتابه، قائلاً: “الفصل الثاني “قرن الأنوار لا زال نوره يضيء” كان ذلك في القرن التاسع عشر حيث كانت قضية “دريفوس” و”إميل زولا”، حيث ظهر المثقفون كقوة جماعية، عندما قاموا بالدفاع عن “دريفوس” وإخراجه من سجنه، أما الفصل الثالث “العهد الجميل”، فكان في القرن العشرين ، ومن أراد أن يعرف ما في العهد الجميل فليدخل إلى الشارقة، حيث بها الجامعات والمسارح والمتاحف والمكتبات … إلخ، والفصل الرابع “قضايا جدلية بين العولمة والاستثناء الثقافي”، أبيّن كل ما دار حول العولمة، ونظرية الصدام بين الثقافات والحضارات كمنطق للدفاع عن العولمة، لكن فرنسا أخذت تدافع بقوة عن مبدأ الاستثناء الثقافي، حيث كانت على رأس الاتحاد الأوروبي وقد نجحت في ذلك وسأقوم بنشر هذا الكتاب لتعريف جميع العرب بالثقافة الفرنسية”.
وفي ختام حديثه أكد سموه أن الشارقة تفتح ذراعيها لكل تعاون مع الأصدقاء في كل السبل والشركاء في هذا التوجه الثقافي الذي ترتبط بها الجمهورية الفرنسية، متمنياً سموه أن تستمر العلاقات بين البلدين بشكل أكبر.
وألقى سعادة نيكولاس نيمتشيناو، كلمة حيا فيها جهود صاحب السمو حاكم الشارقة، في مختلف المجالات الإنسانية والتعليمية والثقافية والتاريخية والتعايش السلمي والبيئة والمناخ، وغيرها مما جعل فرنسا تفتخر بمنحه هذا الوسام الرفيع كأحد الشخصيات الرفيعة على مستوى العالم.
وثمن السفير الفرنسي تكريم سموه بالعديد من الأوسمة والميداليات المتنوعة في مجالات الفنون والثقافة والآداب والكتابة والتاريخ، مما يشير إلى مكانة سموه المرموقة والجليلة التي تحظى بالتقدير العالمي دوماً.
وقال نيكولاس نيمتشيناو: “إن فرنسا وهي تمنحكم هذا الوسام الرفيع، تود أن تشيد بتميز شخصيتكم عالية المستوى في القيادة والثقافة والصداقة العميقة مع بلادنا التي تحيي وتثمن التزامكم المستمر بالعمل العام المجتمعي وتعليم الشباب والثقافة والعلاقات الثنائية التعاونية المثمرة”.
وتناول سفير فرنسا لدى الدولة أهمية “وسام جوقة الشرف برتبة قائد أعلى” الذي بدأ منحه في العام 1802 وهو يرمز إلى الجدارة والتميز والقيم الأصيلة، والشارة في شكل نجمة خماسية، وهي محاطة بأوراق البلوط والغار وهما يرمزان إلى القوة والوقار والمجد والحكمة والسلام وهي صفات تميز بها صاحب السمو حاكم الشارقة خلال مسيرته الطويلة في العمل لصالح المجتمعات.
وأشاد نيكولاس نيمتشيناو بجهود صاحب السمو حاكم الشارقة في العمل الكبير في إمارة الشارقة في مجال الفنون والثقافة، حيث ازدهرت المشاريع الثقافية والفنية والتعليمية بجميع أنواعها في الإمارة، ما جعلها مرجعاً حقيقياً في المنطقة والعالم في هذه المجالات، ومكاناً فريداً لتنظيم العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية العالمية التي تشرف عليها مؤسسات متخصصة مثل بينالي الشارقة، ومعرض الشارقة الدولي للكتاب، وكذلك الجامعات المرموقة، والاستثمار الحقيقي في تعليم وتدريب الشباب، والعلم والمعرفة، إلى جانب إسهام سموه الشخصي في الكتابة والنشر، وتحقيق المخطوطات التاريخية الهامة، وفي علوم الجغرافيا.
ودعا السفير الفرنسي لدى الدولة، صاحب السمو حاكم الشارقة إلى زيارة فرنسا، مستذكراً زيارات سموه السابقة ولقاءه عدداً من الرؤساء الفرنسيين، ومشاركات الشارقة في معرض باريس وغيرها من المناسبات.
واختتم نيكولاس نيمتشيناو كلمته متناولاً عدداً من المشروعات المستقبلية التي تعتزم فرنسا التعاون فيها مع إمارة الشارقة، لتعزيز الثقافة الفرنسية عبر افتتاح المراكز الثقافية، والتعاون في المجالات التعليمية، إلى جانب تعزيز التعاون والعلاقات في مجالات السينما والمهرجانات الفنية، والزيارات التبادلية للفنانين والمخرجين والعاملين في التراث، والمشاركات في معرض الكتاب، والتعاون مع المؤسسات الفنية، وتنظيم المعارض المشتركة والمؤتمرات العلمية مع الجامعات، والتبادل الاقتصادي المثمر، بالإضافة إلى التعاون في مجالات الطاقة وإدارة النفايات والمياه والنقل والحفاظ على البيئة ومستقبل كوكب الأرض.
ويأتي منح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، “وسام جوقة الشرف برتبة قائد أعلى” تقديراً لدعم سموه مسيرة العمل العام المجتمعي وتعليم الشباب والثقافة وتعزيز العلاقات الثنائية التعاونية المثمرة، ويشكل الوسام إضافة إلى مقتنيات سموه الثرية والحافلة بالإنجازات والأوسمة والميداليات والجوائز والشهادات والمبادرات الرائدة، حيث يحمل سموه العديد من الأوسمة أبرزها وسام زايد الثاني من الدرجة الأولى، ووسام زايد جائزة رئيس الدولة التقديرية، إضافة إلى وسام أم الإمارات أبوظبي على المستوى المحلي، أما على الصعيد العالمي فقد مُنح سموه وسام الجمهورية الفرنسية للآداب والفنون، ووسام أكاديمية العلوم في لشبونة، بالإضافة إلى وسام القديس ميسروب ماشتوتس من جمهورية أرمينيا وغيرها من الأوسمة والنياشين والدروع التقديرية رفيعة المستوى من البلدان في مختلف أنحاء العالم.
ويعد “وسام جوقة الشرف برتبة قائد أعلى” من أعلى الأوسمة الوطنية في جمهورية فرنسا، ويتم منحه لشخصيات فرنسية أو أجنبية، وذلك تقديراً لجهودهم التي بذلوها في تعزيز علاقات التعاون في مختلف المجالات بين الجمهورية الفرنسية والدول الصديقة.
حضر الحفل بجانب صاحب السمو حاكم الشارقة كل من الشيخ محمد بن سعود القاسمي رئيس الدائرة المالية المركزية، والشيخ خالد بن عبدالله القاسمي رئيس هيئة الشارقة للموانئ والجمارك والمناطق الحرة، والشيخة حور بن سلطان القاسمي رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون، والشيخ سالم بن عبد الرحمن القاسمي رئيس مكتب سمو الحاكم، والشيخ خالد بن عصام القاسمي رئيس دائرة الطيران المدني، والشيخ فاهم بن سلطان القاسمي رئيس دائرة العلاقات الحكومية، والشيخ محمد بن حميد القاسمي رئيس دائرة الإحصاء والتنمية المجتمعية، والشيخ ماجد بن سلطان القاسمي رئيس دائرة شؤون الضواحي والقرى، ومعالي عبدالرحمن بن محمد العويس وزير الصحة ووقاية المجتمع، وعدداً من كبار المسؤولين.