روسيا أيضاً ديمقراطية، لديها انتخابات وأحزاب ومجلس نواب، هي تحولت بعد التسعين من الشيوعية المكروهة لدى الغرب، وارتدت ثياباً جديدة ذات طابع رأسمالي، وتبرأت من العمال والطبقات الكادحة التي استخدمت وقوداً للاتحاد السوفييتي، وأعادت فتح الكنائس والمساجد والمعابد الأخرى حتى تبعد عن نفسها صفة الإلحاد ومحاربة الأديان والعبادات طوال 70 عاماً.
ولم يشفع لها كل ذلك، صناديق اقتراعها مشكوك فيها، وعدد المصوتين يقال إنه مبالغ فيه، فإذا فاز بوتين تحدثوا عن التزوير في النتائج، فقط لأنهم لا يحبونه، ويرون فيه نسخة لتاريخ قد سلف، يوم كان في روسيا قياصرة يحكمون بالنار والحديد، ولا يسمحون للجيران بالتحالف مع الإمبراطوريات البعيدة، فالأحلاف تستهدف حكم القيصر في كل الأحيان، فأعادوا الكرة مع بوتين الذي لا يحمل لقب القياصرة، واستهانوا به، فقرر أن يلاعبهم، فأجاد استخدام الوسائل التي بين أيديهم، يجمع نواب مجلس «الدوما» المشابه لمجالس النواب، وقادة الجيوش والأجهزة الأمنية، ويطلب رأيهم على الهواء مباشرة، قمة الديمقراطية هذه، فهو لا يعتمد على التقارير السرية والاجتماعات المغلقة، وعندما يغزو دولة جارة يقول إنها عملية عسكرية، وعندما يحتل ثلث أراضي الجارة يصرح بأنه يساعد سكانها المطالبين بالاستقلال، وعندما يريد أن يضم الأراضي يجري استفتاءً شعبياً فيها تحت رعاية قوات الاحتلال، ويحصي الأصوات بعد إحصاء المصوتين، وتكون النتيجة ديمقراطية وبشهادة الصناديق، ويعلن الرئيس بوتين أن القرار عند نواب شعبه، والنواب يوافقون بالإجماع على انضمام أربعة أقاليم أوكرانية إلى روسيا الاتحادية، ليخرج إلى شعبه ويعلن بهدوء احترامه لرأي نواب الشعب وممثليه في الأقاليم الأربعة بإبداء رغبتهم في الانضمام إلى بلاده!
كل ذلك يحدث باسم الديمقراطية التي لا تختلف كثيراً في الشرق عنها في الغرب، فالكل يستخدمها في الغزو وفي إسقاط الأنظمة واحتلال الدول وقتل الأبرياء، ولم يعجز أحد منهم في إيجاد المبررات!
بقلم: محمد يوسف