ما بين غلاء الأسعار وكثرة المتطلبات، يعاني المواطن ويعجز عن توفير أساسيات الحياة؛ سواء لأنها تفوق طاقته وقدراته المالية، أو لقلة الأجور التي لا تكفي قوت اليوم، أو لغلاء الأسعار المبالغ.يكتوي النّاس في عصرنا الحاضر بنار أسعار السّلع المستعرة في كثيرٍ من بلدان العالم، فدخول النّاس المتأتّية من العمل والتّجارة لا تكاد تكفي لتأمين الحياة الكريمة للنّاس فضلًا عن قدرتها على مجاراة الارتفاع المستمر في الأسعار، والحقيقة أنّ السّياسات الاقتصاديّة التي تعاملت مع ارتفاع الأسعار اختلفت وتنوّعت طبقًا للأنظمة الاقتصاديّة التي تتبنّى تطبيقها الدّول والحكومات، فمن الدّول ما كانت سياستها اشتراكيّة تكون للدّولة فيها يدٌ طولى للتّحكم في السّوق وتقلّباته وضبط أسعاره، وهناك الدّول التي تبنت المبدأ الرّأسمالي الذي يقوم على مبدأ ترك السّوق يتحكّم في أوضاعه ويضبط أسعاره وفق معطيات العرض والطّلب من قبل المستهلكين، فما هو سبب ارتفاع الأسعار ولماذا تحصل هذه الحالة الاقتصاديّة التي تؤثّر على النّاس؟ وما هي السّياسات الاقتصادية النّاجعة التي تتمكّن من معالجة هذه الحالة؟تحدث حالة ارتفاع الأسعار نتيجة أسباب مختلفة منها حالة العرض والطّلب في السّوق، فهناك فترات زمنيّة تحدث فيها زيادة طلب على سلعٍ معيّنة وبالتّالي ترتفع أسعار تلك السّلع نتيجة نقصان المعروض، وقد يكون سبب ارتفاع الأسعار جشع التّجار واستغلالهم للوضع الاقتصادي الذي يسمح لهم بزيادة الأسعار بدون وجودٍ رقيبٍ عليهم وعلى تصرّفاتهم، وقد يكون الاحتكار أيضًا من الأساليب التي تؤدّي إلى ارتفاع الأسعار، فالتّاجر عندما يقوم باحتكار السّلع من خلال وضعها في المخازن ثمّ عرضها في وقت حاجة النّاس إليها فإنّ ذلك يؤدّي إلى ارتفاع الأسعار بلا شكّ، وقد يكون سبب ارتفاع الأسعار قلّة إنتاج السّلع في الدّول المنتجة والمصدّرة.
إنّ الدّول تتّخذ سياسات اقتصاديّة متنوّعة للتّعامل مع حالة ارتفاع الأسعار، فالدّول الاشتراكيّة تقوم بتنفيذ سياسات تستهدف إعطاء الدّول دوراً أكبر للتّدخل في سياسات السّوق وضبط الأسعار من خلال تحديد قائمة أسعار لعددٍ من السّلع والخدمات وخاصّة السّلع الأساسيّة منها، كما توفّر تلك الدّول سياسة أمان اجتماعي تستهدف توفير الحماية لذوي الدّخول المتدنّية والمحدودة للحدّ من تغوّل ارتفاع الأسعار في حياتهم ومعيشتهم، وهناك الدّول الرأسماليّة التي تترك السّوق على حاله بمعنى أنّه يحكم نفسه بنفسه وفق معطيات العرض والطّلب وإن وفّرت بعض تلك الدّول حزمة سياسات لتحقّق الأمان الاجتماعي لبعض الشّرائح الفقيرة، أمّا النّظام الإسلامي فقد مثّل النّموذج الأمثل للتّعامل مع حالة ارتفاع الأسعار من خلال تطبيق نظام مختلط يترك السّوق أحيانًا ليفيد التّجار والمتكسّبين ويتدخّل أحيانًا أخرى حينما يرى الغبن والاحتكار والمبالغة في الرّبح الفاحش لحماية النّاس وفق سياسة غاية في الرّشد والحكمة.
بقلم الكاتبة: رحمة وجدي – ( مصر )