هزتنا ـ نساءً و رجالاً ـ أخبار الجرائم الأخيرة التي ارتكبت ضد نساء و فتيات في عمر الزهور في مختلف البلدان، و كنَّ ضحايا للعنف الأسري أو لبعض العلاقات الاجتماعية.
ليست جديدة ظاهرة الجرائم هذه على المجتمع العربي بل و الدولي أيضاً، و إن بحثنا في تاريخ هذه الجرائم لوجدنا أنها كانت موجودة منذ عصور قديمة و تحت مسميات مختلفة، فقد سادت في الجاهلية عادة وأد البنات، حيث كان سلوكاً متعارفاً عليه ينحدر من فكرة أن البنت سبب من أسباب جلب العار، فكانت تدفن حية تحت التراب فور ولادتها.
و في الصين: يعود تاريخ هذه الجرائم إلى قبل ألفي سنة، حيث اكتشف المبشرون المسيحيون في نهاية القرن ال16 أن المجتمع يمارس عادة وأد البنات كعادة عادية، حيث كان يلقى بالبنات في الأنهار أو في أكوام القمامة، و في القرن ال 19 جرّم البوذيون هذا الفعل و اعتبروه جريمة شنعاء حيث كانت منتشرة آنذاك طرق جديدة في قتل البنات كالخنق و التجويع و التعليق في سلال على الأشجار و تركهن للعوامل الطبيعية!
و في الهند : اكتشف الاستعمار البريطاني أثناء حكمه عام 1789 أن وأد البنات معترف به علناً في ( أتر برديش) بسبب الفقر و الخوف من تكاليف المهور الذي ستلزم الفتاة مستقبلاً بدفعه للرجل حسب تقاليد الهند.
كما انتشرت ظاهرة الإجهاض بسبب جنس الجنين في جنوب شرق آسيا و أجزاء من جمهورية الصين الشعبية و كوريا و تايوان و الهند و باكستان، مما سبب زيادة الخلل في التوازن بين نسب الجنسين في مختلف البلدان الآسيوية.
و لا يختلف هذا الوأد و القضاء على الفتيات منذ أن كنّ نطفاً إلى أن أصبحن فتيات و مراهقات و شابات و زوجات ، فالقتل واحد و موجه نحو جنس واحد.
و قد جاءت الآية 9 ) ( في سورة التكوير: ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَت )
بصيغة المفرد، و لكنها تشمل السؤال عن جميع الموؤودات و المقتولات بأي ذنب قتلنَ؟ فقتل النفس بغير حق و إن كانت نفساً واحدة إلا أنها كقتل جميع الناس، لقوله تعالى في سورة المائدة :
(مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) 32
فكل الأديان السماوية تحرم قتل النفس دون استثناء، و كل رسالات الرسل أقرّت بتحريم و تجريم و شناعة هذا الفعل، إلا أننا ما زلنا في القرن ال21 نسمع كل يوم بضحية جديدة تنضم إلى ضحايا كثر في مختلف بقاع الأرض، باساك جنكيز(تركيا)، هاجر العاصي (الكويت) اسراء غريب ( فلسطين )، لبنى منصور (الأردن)، إيمان أرشيد (الأردن)، نيرة أشرف (مصر) و ما زالت نتائج إحصائيات العنف ضد المرأة يندى لها الجبين، فقد نشر المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة BKA أن النساء مثلن نسبة 80% من ضحايا جرائم العنف الزوجي و أغلب الضحايا في العقد الرابع من أعمارهن (30-39)، كما كشفت فرنسا عن زيادة نسبة 10% في حالات العنف المنزلي معظم ضحاياها نساء.
و لا نستطيع إخفاء حقيقة أن تراخي بعض القوانين في العالم العربي زاد من نسبة هذه الجرائم، ففي نص قانون أحد البلدان العربية ورد أنه :
[ يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بثورة غضب شديد] و بناءً عليه لا تتجاوز مدة العقوبة 3 سنوات و لا تقل عن سنة واحدة ، كما أدرج كثير من البلدان العربية هذه الجرائم تحت مسمى ( جرائم الشرف) أو ( الدافع الشريف)
و في نفس الوقت لا يمكننا إنكار جهود بعض الدول في تعديل بعض نصوص المواد القانونية أو إلغائها، كإلغاء المادة رقم 548 من قانون العقوبات في سوريا الذي كان ينص على تخفيف العقوبة على الرجل الذي يقتل امرأة من عائلته في حالة استفزازه جراء أعمال جنسية غير مشروعة. و إلغاء المادة القانونية رقم 334 من قانون العقوبات في دولة الإمارات العربية المتحدة و معاملة قضايا القتل المندرجة سابقاً تحت مسمى جرائم الشرف، معاملة أي قضية قتل من نوع آخر، كما كان القرار الأخير الذي اتخذته جمهورية مصر العربية بإنزال عقوبة الإعدام بالمجرم الذي قتل المغدورة الشابة ( نيرة أشرف) مثالاً يجب أن يحتذى به و يطبق في جميع الدول، حيث أن هذه الجرائم لا مجال للتهاون فيها ولا للتخفيف من عقوبتها.
تحتاج مجتمعاتنا إلى توعية كبيرة و مدروسة و ذات خطط محكمة و محاور واضحة لتغيير الكثير من المفاهيم التي تخص المرأة و احترام قراراتها و كيانها و وجودها ككائن بشري مخلوق و مكلف مثله مثل الرجل، فرغم أن الكتب السماوية و الأديان و القوانين حرمت و أدانت هذه الجرائم، إلا أننا فعلاً نحتاج لزيادة نسبة عدد أفراد المجتمع الذين يقرون و يعترفون بأن جريمة القتل بحق المرأة لا مسميات لها سوى القتل، و لا عقوبة لمرتكبها إلا القتل و لا مبررات للقتل سوى الإجرام ، لتستطيع الأنثى مستقبلاً و التي هي ( أمك، بنتك، أختك ،زوجتك ) أن تقول بأمان ( ظروفك لا تعيبك ..أنا لا أحبك ـ نيرة أشرف -) و لا تقتل !
بقلم: ياسمين احمد حلوبي