أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عزم دبي على أن تظل في المقدمة، من خلال تسريع تطوير الاقتصاد الرقمي، الذي لا يحتاج إلى منشآت ضخمة، بل يحتاج إلى عقول وأفكار وخيال، كما قال سموه، في تحفيز واستنهاض لفكر الشباب نحو بناء المستقبل والحافظ على التنافسية في السباق العالمي وفتح ساحات التحدي بين العقول لقيادة تطوير الاقتصاد الرقمي.
وفي رسالة تأتي من عمق رؤيته للمستقبل، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عبر حسابه الرسمي على موقع «تيك توك»: «إننا نعيش في عالم جديد لم يعرفه أباؤنا وأجدادنا، لكن الأجيال تتواصل والكون يعمُر، إنها الاستمرارية»، وكأنه يذكرنا بقدر دبي أن تكون مدينة الوصل بين الشرق والغرب ومدينة التجارة والابتكار والإبداع والعلوم والمعرفة، وأن هذا القدر الذي تحبه دبي يستند إلى ماضي الآباء والأجداد الذين أبدعوا في التجارة وتجاوز الصعاب وإيجاد الحلول، وهو إلهام للجيل الحالي للسير على طريقتهم، ولكن بأدوات العصر.
وفي رسالته، يؤكد سموه أنه «سيكون علينا تمكين شعوبنا وقطاعنا الخاص من المنافسة على مستوى العالم»، مجدداً بذلك طمأنة مجتمع الأعمال والموهوبين ورواد الأعمال بأن دبي والإمارات عموماً، تبقى إلى جانبهم في توفير كل ما يلزمهم للتطوير وتوفير البيئة اللازمة لنمو أعمالهم ورغد عيشهم.
وبعد أن بشرت رسالة سموه بأن «اقتصادنا الرقمي في نمو»، فإنه يرفع سقف الطموحات بتحديد أولويات المرحلة المقبلة، حيث قال «أولوياتنا تطوير قطاعات جديدة، والاقتصاد الرقمي لا يحتاج إلى منشآت ضخمة، بل يحتاج إلى عقول وأفكار وخيال»، داعياً بذلك كل المواهب للتقدم بجرأة إلى ميادين الإبداع والابتكار والانطلاق في المستقبل. وفي نهاية الرسالة يقول سموه «تحولنا من التجارة التقليدية إلى التجارة الإلكترونية»، على اعتبار ذلك سنة الحياة وأن التغيير الإيجابي ضرورة عصرية، ليعود ويؤكد أن «فكر الإنسان ماله حدود» لأنه صانع التطور والحضارة. ومن هنا ومن الفكر اللامحدود يقدم سموه وعداً لشعبه بالقول «نحن مصممون على مواصلة العمل لتسريع تطوير دبي في اقتصاد المعلومات لنحافظ على مكانتنا في المقدمة» وهو القائد الذي إذا قال فعل.
وتأتي هذه الرسالة امتداداً لسياسة وطنية بدأت مبكراً، حيث سبق وأكد سموه على خطط العمل المستقبلية في ملف الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد.
ففي يوليو الماضي وضعت دبي خارطة متكاملة لتطوير الاقتصاد الرقمي ترتكز على أهداف أبرزها تكريس الجهود لمضاعفة عدد الشركات الرقمية التي تحتضنها دبي في غضون سنوات قليلة، وتعزيز مكانتها كبيئة حاضنة وداعمة للشركات الرقمية حول العالم.
كما أعلن مجلس إدارة غرفة دبي للاقتصاد الرقمي، إحدى الغرف الثلاث تحت مظلة غرف دبي، في يوليو الماضي عزمه على تطوير وتعزيز تنافسية الاقتصاد الرقمي لإمارة دبي وقدرته على استقطاب المستثمرين والاستثمارات النوعية في القطاعات الحيوية للاقتصاد الرقمي، وبهدف ترسيخ مكانة دبي كمركز عالمي للاقتصاد الرقمي، والتحول نحو الاقتصاد الرقمي باعتباره ركيزة مسيرة التنمية للخمسين عاماً المقبلة.
وتفتح ريادة دبي في مجال الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي المجال لتطوير العديد من القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة والرعاية الصحية والنقل وغيرها، وبدورها ستخلق تلك القطاعات العديد من فرص العمل المستقبلية. كما مهدت مبادرة مؤسسة دبي للمستقبل (مليون مبرمج عربي) الطريق للمضي قدماً في هذا الاتجاه. ويؤكد خبراء أن الاقتصاد الرقمي في المنطقة يعد بإمكانات هائلة، إضافة إلى تمتع جيل الشباب في الدولة بمهارات وخبرات رقمية كبيرة.
ومنذ 2013 حققت الإمارات إنجازات كبيرة خلال مرحلة التحول إلى اقتصاد رقمي، ترجمت إلى خطوات وإنجازات ملموسة ساعدت في تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني لدولة الإمارات، بحسب المؤشرات الصادرة عن منظمات عالمية، من ضمنها المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يصنف الإمارات في صدارة الدول العربية كمركز للتجارة الإلكترونية الإقليمية.
وتشمل نقاط قوة الاقتصاد الرقمي الرئيسية في الإمارات مبادرات المدن الذكية والبنية التحتية الرقمية المتطورة والتغطية القوية لشبكات الجيلين الرابع والخامس ونسبة استخدام الهواتف الذكية التي تعتبر من الأعلى عالمياً بنسبة تتعدى 100%، بالإضافة إلى توفير الدولة حماية قوية لحقوق الملكية الفكرية والأمن إلكتروني قوي ما ساعد الإمارات على اعتماد التقنيات المبتكرة، لتصبح الإمارات من أكثر الدول تقدماً في مجال تقنية المعلومات وتبني التقنيات الحديثة في خدمة الاقتصاد.
ووفقاً لإحصائيات رسمية يسهم الاقتصاد الرقمي لدولة الإمارات اليوم بنسبة 4.3% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، مع وجود توقعات بأن يزداد هذا المعدل خلال الفترة القادمة. كما يستخدم 40% من سكان الإمارات خدمات الحكومة الرقمية أكثر من مرة أسبوعياً.
وتعتمد الخطط الاستراتيجية للاقتصاد الوطني بشكل رئيسي على الاقتصاد الرقمي، حيث إنه يساهم في خلق فرص حقيقية للاستثمار الأجنبي المباشر. وتنفذ الدولة خطط تعزيز الاقتصاد الرقمي من خلال تبني استراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة، كون أحد أهدافها هو تعزيز الأمن الرقمي، الذي يتحقق بتبني سياسات الاقتصاد الرقمي وتقنيات المعاملات الرقمية (البلوك تشين) في الخدمات والمعاملات المالية.
ومن المتوقع أن ترسخ الدولة مكانتها بشكل كبير في الاقتصاد الرقمي، الذي تدعمه عوامل كثيرة مثل تطور التجارة الإلكترونية، وتحسن البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وانتشار الخدمات الإلكترونية، واستخدام الهواتف الذكية، وتوسع أنظمة الدفع الإلكتروني، وكذلك الدعم الحكومي الكبير لعملية التحول الرقمي. وفي محور مبيعات التجزئة، تنمو التجارة الإلكترونية في دولة الإمارات بشكل متسارع وتلعب دوراً رئيسياً في حجم المبيعات المتنامي، بينما تتراجع مبيعات التجزئة التقليدية في الدولة.
وتتوقع دراسة لشركة «برايس ووتر هاوس كوبرز» أن يُحدث الذكاء الاصطناعي أثراً اقتصادياً كبيراً يتمثل في المساهمة بنحو 96 مليار دولار (352 مليار درهم) في الناتج المحلي الإجمالي لدولة لإمارات بحلول 2030، يدعمها في ذلك استثمارات أكثر من 70% من الشركات الرائدة رقمياً حالياً في الذكاء الاصطناعي.
ويأتي اختيار الإمارات كأفضل دولة إقليمياً بمؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي 2020، والاستعداد للاستثمار الأمثل لفوائد تقنيات الذكاء الاصطناعي، الصادر حديثاً عن شركة الاستشارات العالمية «أكسفورد إنسايتس» في المملكة المتحدة في أكتوبر الماضي ليؤكد ثبات خطى الإمارات نحو تأسيس اقتصاد رقمي قوي والاستفادة من المزايا الكبيرة التي تنتج عن عملية التحول الرقمي في الدولة.
تشير دراسات حديثة إلى أن الاقتصاد الرقمي سيكون الركيزة الأساسية، وربما القطاع ذا التأثير الأعمق، في نمو اقتصادات الدول في المستقبل وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية ونقل الموارد الثمينة للدول من مختلف القطاعات إلى التعليم والعلوم والتكنولوجيا والابتكار سعياً نحو مستقبل يرتكز على اقتصاد معرفي قوي، خصوصاً وأن أهمية الموارد الطبيعية تتناقص مع تحول الأفكار والابتكارات إلى منتجات وحلول عملية جديدة.
وتقدر دراسة حديثة لشركة «آرثر دي ليتل» للاستشارات، حجم الاقتصاد الرقمي اليوم بين 4.5% إلى 15.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أو ما يعادل حوالي 11.5 تريليون دولار، في حين تصل هذه النسبة إلى 18.5% في الاقتصادات المتقدمة و10% في الاقتصادات النامية.
في حين ووفقاً لدراسة حديثة لشركة «ماكينزي» فإن حجم تأثير الذكاء الاصطناعي في اقتصادات الدول سيصل إلى نحو 16 تريليون دولار بحلول عام 2025، لتخلص الدراسة إلى أن الدول التي تستثمر في هذا النوع من التقنيات ومراكز الأبحاث بدأت بالفعل رحلتها نحو اقتصاد المعرفة.