لحظة مفصلية، يعيشها مناخ العالم هذه الأيام، مع الأوضاع الكارثية بفعل الأعاصير والفيضانات والحرائق وما نتج عنها من وفيات بالمئات في شرق العالم وغربه، عدا الخسائر الاقتصادية التي لا تحصى.
ليس هذا فقط، بل إن التغيرات المناخية دفعت العديد من المنظمات الدولية للتحذير من موجات لجوء بشري لا يمكن لأي دولة استيعابها، لأنها ستكون دائمة بسبب غزو التصحر للأراضي الزراعية، أو احتمال تعرض مساحات شاسعة من اليابسة لخطر أن يغمرها ارتفاع منسوب مياه البحر بفعل ذوبان الجليد في القطبين. بل إن الأخطار تمتد لظهور سلالات فيروسية وبكتيرية، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، لم تكن معروفة أصلاً، ما يفرض تحديات جديدة قد لا يكون العالم قادراً على مواجهتها.
الأخطار كبيرة ومتنوعة، وكلها بفعل الإنسان، إذ يقدر العلماء أن ما أحدثه الإنسان من دمار بيئي في الأرض في نصف قرن مضى من اللحظة الحالية، يزيد بأضعاف عما فعله منذ نشأ على هذا الكوكب. والمعنى أن الحل بيد الإنسان نفسه وسلوكياته تجاه البيئة، وليس المقصود هنا الفرد فقط، بل الثقافة العامة، والأهم السياسات والاستراتيجيات الصناعية والتعاون الدولي للتصدي لهذا التحدي الوجودي.
وحتى اللحظة، قام العلم بما يلزم، سواء بالدراسات أو التحذيرات أو إعداد خطط المواجهة، والأمر الآن بيد السياسيين ليقرروا استراتيجيات جديدة، والأهم سرعة تنفيذها، وتحديداً نحو خفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري، إذ يحذر علماء المناخ من أن ثلثي الحصة المرخص بها من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بمعنى الحد الأقصى للانبعاثات التي بالإمكان تحملها إذا كنا نريد ألّا يزيد متوسط الارتفاع في درجة الحرارة العالمية على درجتين مئويتين، قد تم استخدامها. ولكن ما نشاهده لا يبدو كافياً أو جدياً بما يحدث تحولاً في المسار، بل إن نظام الحصص العالمي لإنتاج الكربون، تحول إلى تجارة لاستنفاد الحد الأقصى المسموح به وفقاً للاتفاقات الدولية، طمعاً في مزيد من المال، وليذهب المناخ إلى الجحيم.
هي مسألة أخلاقية، ومسؤولية دولية تضامنية، تقع بالدرجة الأولى على الدول الصناعية التي تُطلق غالبية الانبعاثات المرتبطة باستهلاك السلع والخدمات، سواء داخل حدودها أو خارجها، ومع ضعف الجهود في حماية البيئة، أو التحايل على القوانين، فإن تلك الدول تقدم نموذجاً سيئاً يزيد معاناة الكوكب.
ظرف الكوكب يستدعي إعلان حالة طوارئ عالمياً، وتبني إدراج ظاهرة التصدي للتغير المناخي كأحد الأهداف الرئيسة للدول، كما فعلت الإمارات في وقت مبكر، وانتهجت سياسات مسؤولة، سواء بمفردها أو بالتعاون مع شركاء دوليين عبر برامج فنية وعلمية وتبني أجندة الطاقة المتجددة ونشرها كثقافة محلية وعالمية ومراعاة تحقيق التنمية المستدامة من دون الإخلال بالنظم البيئية، بل حمايتها.
ولكن مثل هذه السياسات الضرورية، يلزمها جهود موازية في كل دول العالم، حتى لا يكون الجهد الفردي محدوداً، إذا كان الآخر لا يفعل الشيء نفسه، وهي قضية مشابهة لجائحة كورونا، لأن التهديد جماعي، والعلاج يجب أن يكون جماعياً، وإلّا تبقى السياسات الفردية محدودة التأثير، إن لم يتضافر العالم بلا استثناء في اتفاقات ملزمة، لإنقاذ الكوكب الأزرق قبل فوات الأوان.
بقلم: منى بو سمرة