الاحساء
زهير بن جمعه الغزال
أمّ المصلين في خطبة الجمعة بالمسجد الحرام معالي الرئيس العام للشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس إمام وخطيب المسجد الحرام وتحدث معاليه في خطبته الأولى أن الشريعة جاءت لتزكية النفوس وترقية الخلق والسلوك فقال: في غِمار الحياة ونوائبها، ومَشاق الدُّنيا ومَبَاهِضها، يتّضح بمزيد الجلاء، ويستعلن بمديد الشَّفَافية والصفاء، كون شريعتنا الزَّهْرَاء، إنما عَمَدَت في تكاليفها المُزهرة، ومقاصِدها المُبْهِرة؛ لِتَرْقِية الخُلُق والسلوك، وتزكية النفس والروح؛ كي تسْمو بها إلى لُبَاب المشاعر الرَّقيقة، وصفوة الإيمان الهَتَّان، وقُنَّة الإحسان الفَيْنان، الذي يُحَقِّقُ أسمى المعاني، وأقوم المباني، ولقد تجسد ذلك كله قولا وعملا في هَدْيِ وشمائلِ خاتم الأنبياء، وسيد الأصفياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
إخوة الإيمان: منذ ما يربو عن أربعة عَشَر قَرْنًا من بعثة سيِّد الرُّسل، عليه الصلاة والسلام، وشمائله المُوَنَّقة البلجاء، تُعَطِّرُ الأقطار والأرجاء بما انهمرت به من حقائق المهابة والجمال، والخشية والجلال، والحكمة الـمُجَلِّية في الأقوال والفِعَال إذا ما المجْدُ فَاخَرَ في عُلاهُ بَدَا محبوبنـا أبهى انتسابَا
إذا ما العِزُّ أخجلنا صَدَاهُ بَدَا في الناس أرفعهم جنابَا
وما خصَّ الله به نبيَّه من الشمائل والفضائل والمناقب، والاصطفاء والاجتباء الثاقب، لا تستقل به اليراعات والمحابر، ولا الطُّروس والمَزَابِر، بل تصدح به وتجلجله على الدوام المنائر، وتهتز له أعواد المنابر، وكفاه قول ربنا جل في علاه: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾.
وتحدث معاليه عن صفات نبينا صلى الله عليه وسلم فقال: أما عن كلامِهِ ومَنْطِقِهِ فكان صلى الله عليه وسلم طويل السَّكْتِ, لا يتكلم في غير حاجة, يفتتح الكلام ويختمه باسم الله تعالى, ويتكلم بجوامع الكلم, وكلامه فَصْلٌ, عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: “ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَسْرِدُ كَسَرْدِكُم هذا, ولكنه كان يتكلم بكلامٍ بَيِّنٍ فَصْل، يحفظه من جلس إليه”، (أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح).
وكان صلى الله عليه وسلم كثير التَّبَسُّم لأصحابه وجُلَسَائِه، فعن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: “ما رأيت أحدًا أكثر تبسُّمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم”، وقال أيضًا: “ما كان ضَحِكُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تَبَسُّمَا”، وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه: “ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم” (أخرجه البخاري)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله إنك تُدَاعِبُنَا، قال: “إني لا أقول إلا حقًّا”.
وكان صلى الله عليه وسلم أشدَّ الناس تواضعًا؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: إن لي إليك حاجة, فقال: “يا أم فلان, اجلسي في أي نواحي السِّكَكِ شئتِ, أجلسُ إليك” قال: فقعدت, فقعد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قضت حاجتها. (أخرجه الإمام أحمد في مسنده).
وعنه أنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَعُودُ المريض, ويَشْهَدُ الجنائز, ويركبُ الحِمَار (تواضعا منه صلى الله عليه وسلم), ويُجِيبُ دعوة العبد, وكان يوم بني قريظة على حمار مخطوم بحبل من لِيفٍ وعليه إكافٌ من ليف” (أخرجه الترمذي).
واختتم معاليه الخطبة الأولى بتذكير الناس باتباع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا فاتقوا الله عباد الله واقتدوا بشمائل نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو عُنْوَانُ محبته التي هي أسمى نُبْلًا وأشْرَفُ غَاية من أن تكون مُجَرَّد مَظاهِرَ وشكليات، وتجمعاتٍ واحتفالات، وسَرْدِ قصص وروايات، ومدائح وتَرَنُّمَات، فذلك أهشُّ أنواعه وضروبه، وأبلغ من ذلك وأعزْ قول المولى جَلَّ وعَزْ : ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.
واستنكر معاليه في الخطبة الثانية الرسومات المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن صِلَةَ الأمة ومحبتها لرسولها وحبيبها صلى الله عليه وسلم وسيرتهِ وشمائِلِهِ العَطِرَة ليس ارتباط أوقاتٍ ومُنَاسبات، بل إنه ارتباطٌ وثيقٌ في كل الظروف وجميع الشؤون وأحوال الحياة إلى الممات، وإنَّا من هذا المنبر الشريف – منبر الخير والحق والسلام – لَنُطْلِقها دعوةً صَادِقَةً عالميَّةً لِكُلِّ العالمين في شتى البقاعِ والأصْقَاع؛ للتحلي بأخلاق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؛ الدَّاعِية إلى السلام الشاملِ ، والتَّرَاحم الكامل بين أبناء الشرائع المختلفة دون إساءةٍ أو تنابُذْ، أو سُخريةٍ أو تَلامُزْ، من كل الرموز الدينية وعلى رأسها : أشخاصُ الأنبياءِ الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين ﴿ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾، وإنَّنَا باسم مليار وثمانمائة مليون مسلم لَنُدِينُ بأشَدِّ العِبَارَات، ونَستنكرُ أشَدَّ الاسْتِنْكَار التَّطَاوُلَ على مقام النُّبُواتِ والرِّسَالات، ولاسيما خاتمهم نَبِيُّ الهُدَى والرَّحمة سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فما الرُّسُومُ المُسِيئةُ ، والأعمالُ الشَّائِنَة إلا نوعٌ من الإرهاب، وضَرْبٌ من التَّطَرفِ المُذْكِي للكراهية والعنصرية البغيضة، وليس من حرية التعبير؛ توجيه الإهاناتِ أو الاستهزاء من المقدسات والرموز الدينية، بل هو تجاوز للآدابِ والأعْرَافِ مَرْدُودٌ على صَاحِبهِ، لأن حرية التعبير لا بد أن تراعِي القيم الإنسانية التي تقوم على احترام مشاعر الآخرين، ومتى خَرَجَتْ عن تلك القيم فإنها تسيء للمعنى الأخلاقي للحريات، ومِثْلُ هذه الإساءات تخدم أصحابَ الأفكارِ المتطرفة الذين يريدون نشر أجواء الكراهية بين المجتمعات الإنسانية، والإسلام بَرَاءٌ من كل هذا وذاك، وهو بريءٌ من إلصاقِ تهم الإرهاب به؛ فهو دينُ التسامح والتراحم والتلاحم، وليس فيه إرهابٌ أو تطرفٌ أو تخريبٌ، أو استهزاء أو سخرية، أو تفريق بين أنبياء الله تعالى ورسله.
والدعوة موجهة إلى ضبط الانفعالات وعدم الاستفزاز والمجازفات، وغير المنضبط والمدروس من ردود الأفعال والتصرفات، فلن تَطَال تلك التطاولات شيئا من مقام النبوات والرسالات ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾.
يَكْفِيْكَ عَنْ كُلِّ مَدْحٍ مَدْحُ خَالِقِهِ وَاقْرَأ بِرَبِّكَ مطلع سُوْرَة الْقَلَمِ
فليطمئن المسلمون ولْيَقَرُّوا أعْيُنًا أمام هذه الفُقَاعَات العابرة، فلن تَضُرَّ إلا أصحابها، ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ﴾، ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.